الباحث القرآني
﴿فَحَمَلَتْهُ فانْتَبَذَتْ بِهِ مَكانًا قَصِيًّا﴾ ﴿فَأجاءَها المَخاضُ إلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذا وكُنْتُ نِسْيًا مَنسِيًّا﴾
الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ والتَّعْقِيبِ، أيْ فَحَمَلَتْ بِالغُلامِ في فَوْرِ تِلْكَ المُراجَعَةِ.
والحَمْلُ: العُلُوقُ، يُقالُ: حَمَلَتِ المَرْأةُ ولَدًا، وهو الأصْلُ، قالَ تَعالى ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: ١٥] . ويُقالُ: حَمَلَتْ بِهِ. وكَأنَّ الباءَ لِتَأْكِيدِ اللُّصُوقِ، مِثْلُها في ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] .
قالَ أبُو كَبِيرٍ الهُذَلِيُّ:
؎حَمَلَتْ بِهِ في لَيْلَةٍ قَرْءُودَةٍ كَرْهًا وعَقْدُ نِطاقِها لَمْ يُحْلَلِ
والِانْتِباذُ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وكَذَلِكَ انْتِصابُ مَكانًا تَقَدَّمَ.
وقَصِيًّا بَعِيدًا، أيْ بَعِيدًا عَنْ مَكانِ أهْلِها. قِيلَ: خَرَجَتْ إلى البِلادِ المِصْرِيَّةِ فارَّةً مِن قَوْمِها أنْ يُعَزِّرُوها وأعانَها خَطِيبُها يُوسُفُ النَّجّارُ وأنَّها ولَدَتْ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - في الأرْضِ المِصْرِيَّةِ. ولا يَصِحُّ.
وفِي إنْجِيلِ لُوقا: أنَّها ولَدَتْهُ في قَرْيَةِ بَيْتِ لَحْمٍ مِنَ البِلادِ اليَهُودِيَّةِ حِينَ صَعَدَتْ إلَيْها مَعَ خَطِيبِها يُوسُفَ النَّجّارِ إذْ كانَ مَطْلُوبًا لِلْحُضُورِ بِقَرْيَةِ أهْلِهِ لِأنَّ مَلِكَ البِلادِ يُجْرِي إحْصاءَ سُكّانِ البِلادِ، وهو ظاهِرُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ﴾ [مريم: ٢٧] .
(p-٨٥)والفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَأجاءَها المَخاضُ﴾ لِلتَّعْقِيبِ العُرْفِيِّ، أيْ جاءَها المَخاضُ بَعْدَ تَمامِ مُدَّةِ الحَمْلِ، قِيلَ بَعْدَ ثَمانِيَةِ أشْهُرٍ مِن حَمْلِها. وأجاءَها مَعْناهُ ألْجَأها، وأصْلُهُ جاءَ، عُدِّيَ بِالهَمْزَةِ فَقِيلَ: أجاءَهُ، أيْ جَعَلَهَ جائِيًا. ثُمَّ أُطْلِقَ مَجازًا عَلى إلْجاءِ شَيْءٍ شَيْئًا إلى شَيْءٍ، كَأنَّهُ يَجِيءُ بِهِ إلى ذَلِكَ الشَّيْءِ، ويَضْطَرُّهُ إلى المَجِيءِ إلَيْهِ. قالَ الفَرّاءُ: أصْلُهُ مِن جِئْتُ وقَدْ جَعَلَتْهُ العَرَبُ إلْجاءً. وفي المَثَلِ شَرٌّ ما يُجِيئُكَ إلى مُخَّةِ عُرْقُوبٍ، وقالَ زُهَيْرٌ:
؎وجارٍ سارَ مُعْتَمِدًا إلَيْنا ∗∗∗ أجاءَتْهُ المَخافَةُ والرَّجاءُ
والمَخاضُ بِفَتْحِ المِيمِ: طَلْقُ الحامِلِ، وهو تَحَرُّكُ الجَنِينِ لِلْخُرُوجِ.
والجِذْعُ بِكَسْرِ الجِيمِ وسُكُونِ الذّالِ المُعْجَمَةِ: العُودُ الأصْلِيُّ لِلنَّخْلَةِ الَّذِي يَتَفَرَّعُ مِنهُ الجَرِيدُ. وهو ما بَيْنَ العُرُوقِ والأغْصانِ، أيْ إلى أصْلِ نَخْلَةٍ اسْتَنَدَتْ إلَيْهِ.
وجُمْلَةُ قالَتْ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، لِأنَّ السّامِعَ يَتَشَوَّفُ إلى مَعْرِفَةِ حالِها عِنْدَ إبّانِ وضْعِ حَمْلِها بَعْدَ ما كانَ أمْرُها مُسْتَتِرًا غَيْرَ مَكْشُوفٍ بَيْنَ النّاسِ وقَدْ آنَ أنْ يَنْكَشِفَ، فَيُجابُ السّامِعُ بِأنَّها تَمَنَّتِ المَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَهي في حالَةٍ مِنَ الحُزْنِ تَرى أنَّ المَوْتَ أهْوَنُ عَلَيْها مِنَ الوُقُوعِ فِيها.
وهَذا دَلِيلٌ عَلى مَقامِ صَبْرِها وصِدْقِها في تَلَقِّي البَلْوى الَّتِي ابْتَلاها اللَّهُ تَعالى. فَلِذَلِكَ كانَتْ في مَقامِ الصِّدِّيقِيَّةِ.
والمُشارُ إلَيْهِ في قَوْلِها ﴿قَبْلَ هَذا﴾ هو الحَمْلُ. أرادَتْ أنْ لا يُتَطَرَّقَ عِرْضُها بِطَعْنٍ ولا تَجُرَّ عَلى أهْلِها مَعَرَّةً. ولَمْ تَتَمَنَّ أنْ تَكُونَ ماتَتْ (p-٨٦)بَعْدَ بُدْوُ الحَمْلِ لِأنَّ المَوْتَ حِينَئِذٍ لا يَدْفَعُ الطَّعْنَ في عِرْضِها بَعْدَ مَوْتِها ولا المَعَرَّةَ عَلى أهْلِها إذْ يُشاهِدُ أهْلُها بَطْنَها بِحَمْلِها وهي مَيْتَةٌ فَتَطْرُقُها القالَةُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ مِتُّ بِكَسْرِ المِيمِ لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَئِنْ قُتِلْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ أوْ مُتُّمْ﴾ [آل عمران: ١٥٧] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ المِيمِ عَلى الأصْلِ. وهُما لُغَتانِ في فِعْلِ (ماتَ) إذا اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرُ رَفْعٍ مُتَّصِلٍ.
والنِّسْيُ بِكَسْرِ النُّونِ وسُكُونِ السِّينِ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ: الشَّيْءُ الحَقِيرُ الَّذِي شَأْنُهُ أنْ يُنْسى. ووَزْنُ فِعْلِ يَأْتِي بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ بِقَيْدِ تَهْيِئَتِهِ لِتَعَلُّقِ الفِعْلِ بِهِ دُونَ تَعَلُّقٍ حَصَلَ. وذَلِكَ مِثْلُ الذَّبْحِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧]، أيْ كَبْشٍ عَظِيمٍ مُعَدٍّ لِأنْ يُذْبَحَ، فَلا يُقالُ لِلْكَبْشِ ذِبْحٌ إلّا إذا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، ولا يُقالُ لِلْمَذْبُوحِ ذِبْحٌ بَلْ ذَبِيحٌ. والعَرَبُ تُسَمِّي الأشْياءَ الَّتِي يَغْلِبُ إهْمالُها أنْساءً، ويَقُولُونَ عِنْدَ الِارْتِحالِ: انْظُرُوا أنْساءَكم، أيِ الأشْياءَ الَّتِي شَأْنُكم أنْ تَنْسَوْها. ووَصَفَ النِّسْيَ بِمَنسِيٍّ مُبالَغَةً في نِسْيانِ ذِكْرِها، أيْ لَيْتَنِي كُنْتُ شَيْئًا غَيْرَ مُتَذَكَّرٍ وقَدْ نَسِيَهُ أهْلُهُ وتَرَكُوهُ فَلا يَلْتَفِتُونَ إلى ما يَحُلُّ بِهِ، فَهي تَمَنَّتِ المَوْتَ وانْقِطاعَ ذِكْرِها بَيْنَ أهْلِها مِن قَبْلِ ذَلِكَ. وقَرَأهُ حَمْزَةُ، وحَفَصٌ، وخَلَفٌ (نَسْيًا) بِفَتْحِ النُّونِ، وهو لُغَةٌ في النِّسْيِ، كالوِتْرِ والوَتْرِ، والجِسْرِ والجَسْرِ.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["۞ فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانࣰا قَصِیࣰّا","فَأَجَاۤءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ یَـٰلَیۡتَنِی مِتُّ قَبۡلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسۡیࣰا مَّنسِیࣰّا"],"ayah":"فَأَجَاۤءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ یَـٰلَیۡتَنِی مِتُّ قَبۡلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسۡیࣰا مَّنسِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق