الباحث القرآني
﴿فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فاتَّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ سَرَبًا﴾ ﴿فَلَمّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِن سَفَرِنا هَذا نَصَبًا﴾ ﴿قالَ أرَأيْتَ إذْ أوَيْنا إلى الصَّخْرَةِ فَإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وما أنْسانِيهُ إلّا الشَّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ واتَّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ عَجَبًا﴾ الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ والفَصِيحَةُ؛ لِأنَّها تُفْصِحُ عَنْ كَلامٍ مُقَدَّرٍ، أيْ فَسارا حَتّى بَلَغا مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ، وضَمِيرُ ”بَيْنَهُما“ عائِدٌ إلى البَحْرِينِ، أيْ مَحَلًّا يَجْمَعُ بَيْنَ البَحْرَيْنِ، وأُضِيفَ (مَجْمَعُ) إلى (بَيْنَ) عَلى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ، فَإنَّ (بَيْنَ) اسْمٌ لِمَكانٍ
(p-٣٦٦)مُتَوَسِّطِ شَيْئَيْنِ، وشَأْنُهُ في اللُّغَةِ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ، ولَكِنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِمُجَرَّدِ مَكانٍ مُتَوَسِّطٍ إمّا بِالإضافَةِ كَما هُنا، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وهو بِمَنزِلَةِ إضافَةِ المَصْدَرِ أوِ اسْمِ الفاعِلِ إلى مَعْمُولِهِ، أوْ بِدُونِ إضافَةٍ تَوَسُّعًا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] في قِراءَةِ مَن قَرَأ بِرَفْعِ (بَيْنُكم) .
والحُوتُ هو الَّذِي أمَرَ اللَّهُ مُوسى بِاسْتِصْحابِهِ مَعَهُ؛ لِيَكُونَ لَهُ عَلامَةً عَلى المَكانِ الَّذِي فِيهِ الخَضِرُ، كَما تَقَدَّمَ في سِياقِ الحَدِيثِ، والنِّسْيانُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أوْ نُنْسِها﴾ [البقرة: ١٠٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ومَعْنى نِسْيانِهِما أنَّهُما نَسِيا أنْ يُراقِبا حالَهُ؛ أباقٍ هو في مِكْتَلِهِ حِينَئِذٍ ؟ حَتّى إذا فَقَداهُ في مَقامِهِما ذَلِكَ تَحَقَّقا أنَّ ذَلِكَ المَوْضِعَ الَّذِي فَقَداهُ هو المَوْضِعُ المُوَقَّتُ لَهُما بِتِلْكَ العَلامَةِ، فَلا يَزِيدا تَعَبًا في المَشْيِ، فَإسْنادُ النِّسْيانِ إلَيْهِما حَقِيقَةٌ؛ لِأنَّ يُوشَعَ - وإنْ كانَ هو المُوكَلُ بِحِفْظِ الحُوتِ - فَكانَ عَلَيْهِ مُراقَبَتُهُ إلّا أنَّ مُوسى هو القاصِدُ لِهَذا العَمَلِ، فَكانَ يَهُمُّهُ تَعَهُّدُهُ ومُراقَبَتُهُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ صاحِبَ العَمَلِ أوِ الحاجَةِ إذا وكَلَهُ إلى غَيْرِهِ لا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ تَعَهُّدِهِ، ثُمَّ إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ نامَ، وبَقِيَ فَتاهُ يَقْظانَ فاضْطَرَبَ الحُوتُ، وجَعَلَ لِنَفْسِهِ طَرِيقًا في البَحْرِ.
والسَّرَبُ: النَّفَقُ، والِاتِّخاذُ: الجَعْلُ، وقَدِ انْتَصَبَ سَرَبًا عَلى الحالِ مِن سَبِيلِهِ مُرادًا بِالحالِ التَّشْبِيهُ، كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:
؎إذا قامَتا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنهُما نَسِيمَ الصِّبا جاءَتْ بِرِيّا القَرَنْفُلِ
وقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ كَيْفَ اتَّخَذَ البَحْرَ سَرَبًا في الحَدِيثِ السّابِقِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وحَذْفُ مَفْعُولِ ”جاوَزا“ لِلْعِلْمِ، أيْ: جاوَزا مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ.
والغَداءُ: طَعامُ النَّهارِ مُشْتَقٌّ مِن كَلِمَةِ الغُدْوَةِ؛ لِأنَّهُ يُؤْكَلُ في وقْتِ الغُدْوَةِ، وضِدُّهُ العَشاءُ، وهو طَعامُ العَشِيِّ، والنَّصَبُ التَّعَبُ، (p-٣٦٧)والصَّخْرَةُ: صَخْرَةٌ مَعْهُودَةٌ لَهُما، إذْ كانا قَدْ أوَيا إلَيْها في سَيْرِهِما فَجَلَسا عَلَيْها، وكانَتْ في مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ، قِيلَ: إنَّ مَوْضِعَها دُونَ نَهْرٍ، يُقالُ لَهُ نَهْرُ الزَّيْتِ؛ لِكَثْرَةِ ما عِنْدَهُ مِن شَجَرِ الزَّيْتُونِ.
وقَوْلُهُ ”نَسِيتُ الحُوتَ“ أيْ نَسِيتُ حِفْظَهُ وافْتِقادَهُ، أيْ: فانْقَلَبَ في البَحْرِ.
وقَوْلُهُ ﴿وما أنْسانِيهُ إلّا الشَّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ﴾، هَذا نِسْيانٌ آخَرُ غَيْرُ النِّسْيانِ الأوَّلِ، فَهَذا نِسْيانُ ذِكْرِ الإخْبارِ عَنْهُ.
وقَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ ﴿وما أنْسانِيهُ﴾ بِضَمِّ هاءِ الضَّمِيرِ عَلى أصْلِ الضَّمِيرِ وهي لُغَةٌ، والكَسْرُ أشْهَرُ؛ لِأنَّ حَرَكَةَ الكَسْرَةِ بَعْدَ الياءِ أخَفُّ.
و”أنْ أذْكُرَهُ“ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن ضَمِيرِ ”أنْسانِيهِ“ لا مِنَ الحُوتِ، والمَعْنى: ما أنْسانِي أنْ أذْكُرَهُ لَكَ إلّا الشَّيْطانُ، فالذِّكْرُ هُنا ذِكْرُ اللِّسانِ.
ووَجْهُ حَصْرِهِ إسْنادَ هَذا الإنْساءِ إلى الشَّيْطانِ: أنَّ ما حَصَلَ لَهُ مِن نِسْيانِ أنْ يُخْبِرَ مُوسى بِتِلْكَ الحادِثَةِ نِسْيانٌ لَيْسَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَقَعَ في زَمَنٍ قَرِيبٍ مَعَ شِدَّةِ الِاهْتِمامِ بِالأمْرِ المَنسِيِّ، وشِدَّةِ عِنايَتِهِ بِإخْبارِ نَبِيِّهِ بِهِ، ومَعَ كَوْنِ المَنسِيِّ أُعْجُوبَةً شَأْنُها أنْ لا تُنْسى يَتَعَيَّنُ أنَّ الشَّيْطانَ يَسُوءُهُ التِقاءُ هَذَيْنِ العَبْدَيْنِ الصّالِحَيْنِ، وما لَهُ مِنَ الأثَرِ في بَثِّ العُلُومِ الصّالِحَةِ، فَهو يَصْرِفُ عَنْها، ولَوْ بِتَأْخِيرِ وُقُوعِها طَمَعًا في حُدُوثِ العَوائِقِ.
وجُمْلَةُ ﴿واتَّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ”فَإنِّي نَسِيتُ الحُوتَ“ وهي بَقِيَّةُ كَلامِ فَتى مُوسى، أيْ وأنَّهُ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ، أيْ سَبَحَ في البَحْرِ بَعْدَ أنْ كانَ مَيِّتًا زَمَنًا طَوِيلًا.
وقَوْلُهُ ”عَجَبًا“ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وهي مِن حِكايَةِ قَوْلِ الفَتى، أيْ أعْجَبُ لَهُ عَجَبًا، فانْتَصَبَ عَلى المَفْعُولِ المُطْلَقِ الآتِي بَدَلًا مِن فِعْلِهِ.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَیۡنِهِمَا نَسِیَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ سَرَبࣰا","فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَاۤءَنَا لَقَدۡ لَقِینَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبࣰا","قَالَ أَرَءَیۡتَ إِذۡ أَوَیۡنَاۤ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ ٱلۡحُوتَ وَمَاۤ أَنسَىٰنِیهُ إِلَّا ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ عَجَبࣰا"],"ayah":"فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَاۤءَنَا لَقَدۡ لَقِینَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق