الباحث القرآني
﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا الحَدِيثِ أسَفًا﴾ تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ويُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾ [الكهف: ٤] بِاعْتِبارِهِمْ مُكَذِّبِينَ كافِرِينَ بِقَرِينَةِ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا.
(p-٢٥٤)و(لَعَلَّ) حَقِيقَتُها إنْشاءُ الرَّجاءِ والتَّوَقُّعِ، وتُسْتَعْمَلُ في الإنْكارِ والتَّحْذِيرِ عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ المُرْسَلِ؛ لِأنَّهُما لازِمانِ لِتَوَقُّعِ الأمْرِ المَكْرُوهِ.
وهِيَ هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في تَحْذِيرِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ الِاغْتِمامِ والحُزْنِ عَلى عَدَمِ إيمانِ مَن لَمْ يُؤْمِنُوا مِن قَوْمِهِ، وذَلِكَ في مَعْنى التَّسْلِيَةِ؛ لِقِلَّةِ الِاكْتِراثِ بِهِمْ.
والباخِعُ: قاتِلٌ نَفْسَهَ، كَذا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ وابْنُ جُبَيْرٍ، وفَسَّرَهُ البُخارِيُّ بِمُهْلِكٍ، وتَفْسِيرُهُ يَرْجِعُ إلى أبِي عُبَيْدَةَ.
وفِي اشْتِقاقِهِ خِلافٌ، فَقِيلَ مُشْتَقُّ (البِخاعِ) بِالباءِ المُوَحَّدَةِ بِوَزْنِ كِتابٍ، وهو عِرْقٌ مُسْتَبْطَنٌ في القَفا فَإذا بَلَغَ الذّابِحُ البِخاعَ، فَذَلِكَ أعْمَقُ الذَّبْحِ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ﴾ [الشعراء: ٣] في سُورَةِ الشُّعَراءِ، وانْفَرَدَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِذِكْرِ هَذا الِاشْتِقاقِ في الكَشّافِ والفائِقِ والأساسِ، قالَ ابْنُ الأثِيرِ في النِّهايَةِ: بَحَثْتُ في كُتُبِ اللُّغَةِ والطِّبِّ فَلَمْ أجِدِ البِخاعَ بِالمُوَحَّدَةِ يَعْنِي أنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ انْفَرَدَ بِهَذا الِاشْتِقاقِ، وبِإثْباتِ البِخاعِ اسْمًا لِهَذا العِرْقِ، قُلْتُ: كَفى بِالزَّمَخْشَرِيِّ حُجَّةً فِيما أثْبَتَهُ، وقَدْ تَبِعَهُ عَلَيْهِ المُطَرِّزِيُّ في المُغْرِبِ وصاحِبُ القامُوسِ، فالبَخْعُ: أصْلُهُ أنْ يَبْلُغَ الذّابِحُ بِالذَّبْحِ إلى القَفا، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلى القَتْلِ المَشُوبِ بِغَيْظٍ.
والآثارُ: جَمْعُ أثَرٍ وهو ما يُؤْثِرُهُ، أيْ يُبْقِيهِ الماشِي أوِ الرّاكِبُ في الرَّمْلِ أوِ الأرْضِ مِن مَواطِئِ أقْدامِهِ، وأخْفافِ راحِلَتِهِ، والأثَرُ أيْضًا ما يُبْقِيهِ أهْلُ الدّارِ إذا تَرَحَّلُوا عَنْها مِن تافِهِ آلاتِهِمُ الَّتِي كانُوا يُعالِجُونَ بِها شُئُونَهم كالأوْتادِ والرَّمادِ.
وحَرْفُ (عَلى) لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: لَعَلَّكَ مُهْلِكٌ نَفْسَكَ لِأجْلِ إعْراضِهِمْ عَنْكَ، كَما يُعْرِضُ السّائِرُ عَنِ المَكانِ الَّذِي كانَ فِيهِ؛ فَتَكُونُ (عَلى) لِلتَّعْلِيلِ.
(p-٢٥٥)ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى تَمْثِيلَ حالِ الرَّسُولِ ﷺ في شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلى اتِّباعِ قَوْمِهِ لَهُ، وفي غَمِّهِ مِن إعْراضِهِمْ - وتَمْثِيلَ حالِهِمْ في النُّفُورِ والإعْراضِ بِحالِ مَن فارَقَهُ أهْلُهُ وأحِبَّتُهُ، فَهو يَرى آثارَ دِيارِهِمْ، ويَحْزَنُ لِفِراقِهِمْ، ويَكُونُ حَرْفُ (عَلى) مُسْتَقِرًّا في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ الخِطابِ، ومَعْنى (عَلى) الِاسْتِعْلاءُ المَجازِيُّ، وهو شِدَّةُ الِاتِّصالِ بِالمَكانِ.
وكَأنَّ هَذا الكَلامَ سَبَقَ إلى الرَّسُولِ ﷺ في آخِرِ أوْقاتِ رَجائِهِ في إيمانِهِمْ إيماءً إلى أنَّهم غَيْرُ صائِرِينَ إلى الإيمانِ، وتَهْيِئَةً لِنَفْسِهِ أنْ تَتَحَمَّلَ ما سَيَلْقاهُ مِن عِنادِهِمْ رَأْفَةً مِن رَبِّهِ، ولِذَلِكَ قالَ ”إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا الحَدِيثِ“ بِصِيغَةِ الفِعْلِ المُضارِعِ المُقْتَضِيَةِ الحُصُولَ في المُسْتَقْبَلِ، أيْ إنِ اسْتَمَرَّ عَدَمُ إيمانِهِمْ.
واسْمُ الإشارَةِ وبَيانُهُ مُرادٌ بِهِ القُرْآنُ؛ لِأنَّهُ لِحُضُورِهِ في الأذْهانِ كَأنَّهُ حاضِرٌ في مَقامِ نُزُولِ الآيَةِ؛ فَأُشِيرَ إلَيْهِ بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ، وبَيَّنَ بِأنَّهُ الحَدِيثُ.
والحَدِيثُ: الخَبَرُ، وإطْلاقُ اسْمِ (الحَدِيثِ) عَلى القُرْآنِ بِاعْتِبارِ أنَّهُ إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، إذِ الحَدِيثُ هو الكَلامُ الطَّوِيلُ المُتَضَمِّنُ أخْبارًا وقِصَصًا، سُمِّي الحَدِيثُ حَدِيثًا بِاعْتِبارِ اشْتِمالِهِ عَلى الأمْرِ الحَدِيثِ، أيِ الَّذِي حَدَثَ وجَدَّ، أيِ الأخْبارِ المُسْتَجَدَّةِ الَّتِي لا يَعْلَمُها المُخاطَبُ، فالحَدِيثُ (فَعِيلٌ) بِمَعْنى (مَفْعُولٍ)، وانْظُرْ ما يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ﴾ [الزمر: ٢٣] في سُورَةِ الزُّمَرِ.
و”أسَفًا“ مَفْعُولٌ لَهُ مِن ﴿باخِعٌ نَفْسَكَ﴾ أيْ قاتِلُها لِأجْلِ شَدَّةِ الحُزْنِ، والشَّرْطُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ المَفْعُولَيْنِ، ولا جَوابَ لَهُ لِلِاسْتِغْناءِ عَنِ الجَوابِ بِما قَبْلَ الشَّرْطِ.
{"ayah":"فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِ أَسَفًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق