الباحث القرآني
﴿ما أشْهَدْتُهم خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ ولا خَلْقَ أنْفُسِهِمْ وما كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ تَتَنَزَّلُ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَنزِلَةَ التَّعْلِيلِ لِلْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَها، وهُما ﴿أفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ﴾ [الكهف: ٥٠] إلى قَوْلِهِ بَدَلًا، فَإنَّهم لَمّا لَمْ يَشْهَدُوا خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ لَمْ يَكُونُوا شُرَكاءَ لِلَّهِ في الخَلْقِ بِطَرِيقِ الأوْلى فَلَمْ يَكُونُوا أحِقّاءَ بِأنْ يُعْبَدُوا، وهَذا احْتِجاجٌ عَلى المُشْرِكِينَ بِما يَعْتَرِفُونَ بِهِ، فَإنَّهم يَعْتَرِفُونَ بِأنَّ اللَّهَ هو المُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، وخَلْقِ المَوْجُوداتِ.
والإشْهادُ: جَعْلُ الغَيْرِ شاهِدًا، أيْ حاضِرًا، وهو هُنا كِنايَةٌ عَنْ إحْضارٍ خاصٍّ، وهو إحْضارُ المُشارَكَةِ في العَمَلِ أوِ الإعانَةِ عَلَيْهِ، ونَفْيُ هَذا الشُّهُودِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ (p-٣٤٣)المُشارَكَةِ في الخَلْقِ والإلَهِيَّةِ بِالفَحْوى، أيْ: بِالأوْلى، فَإنَّ خَلْقَ السَّماواتِ كانَ قَبْلَ وُجُودِ إبْلِيسَ وذُرِّيَّتِهِ، فَهو اسْتِدْلالٌ عَلى انْتِفاءِ إلَهِيَّتِهِمْ بِسَبْقِ العَدَمِ عَلى وُجُودِهِمْ، وكُلُّ ما جازَ عَلَيْهِ العَدَمُ اسْتَحالَ عَلَيْهِ القِدَمُ، والقِدَمُ مِن لَوازِمَ الإلَهِيَّةِ، وضَمائِرُ الغَيْبَةِ في قَوْلِهِ ”أشْهَدْتُهم“ وقَوْلِهِ ”أنْفُسِهِمْ“ عائِدَةٌ إلى المُتَحَدَّثِ عَنْهُ، أيْ إبْلِيسَ وذُرِّيَّتِهِ، كَما عادَ إلَيْهِمُ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ﴿وهم لَكم عَدُوٌّ﴾ [الكهف: ٥٠] .
ومَعْنى ”أنْفُسِهِمْ“: أنْفُسُ بَعْضِهِمْ بِقَرِينَةِ اسْتِحالَةِ مُشاهَدَةِ المَخْلُوقِ خَلْقَ نَفْسِهِ، فَإطْلاقُ الأنْفُسِ هَنا نَظِيرُ إطْلاقِهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١] وفي قَوْلِهِ ﴿ولا تُخْرِجُونَ أنْفُسَكم مِن دِيارِكُمْ﴾ [البقرة: ٨٤]، أيْ أنْفُسَ بَعْضِكم، فَعَلى هَذا الوَجْهِ تَتَناسَقُ الضَّمائِرُ، ويَتَقَوَّمُ المَعْنى المَقْصُودُ.
واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ لَهُما سُكّانَهُما كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿قُلْ أئِنَّكم لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ في يَوْمَيْنِ وتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدادًا ذَلِكَ رَبُّ العالَمِينَ﴾ [فصلت: ٩] ﴿وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِن فَوْقِها وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أقْواتَها في أرْبَعَةِ أيّامٍ سَواءً لِلسّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] ﴿ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ وهي دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلْأرْضِ اِئْتِيا طَوْعًا أوْ كَرْهًا قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] ﴿فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ وأوْحى في كُلِّ سَماءٍ أمْرَها﴾ [فصلت: ١٢]، وكانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ في الأرْضِ جِنًّا مُتَصَرِّفِينَ فَكانُوا إذا نَزَلُوا وادِيًا مَخُوفًا قالُوا: أعُوذُ بِعَزِيزِ هَذا الوادِي، لِيَكُونُوا في أمْنٍ مِن ضُرِّهِ.
وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ (ما أشْهَدْناهم) بِنُونِ العَظَمَةِ، وقَرَأ (وما كُنْتَ) بِفَتْحِ التّاءِ عَلى الخِطابِ، والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ وهو خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في النَّهْيِ.
والمُرادُ بِالمُضِلِّينَ الشَّياطِينُ؛ لِأنَّهم أضَلُّوا النّاسَ بِإلْقاءِ خَواطِرِ الضَّلالَةِ والفَسادِ في النُّفُوسِ، كَما قالَ تَعالى ﴿وإنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكم وإنْ أطَعْتُمُوهم إنَّكم لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] .
وجُمْلَةُ ﴿وما كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ ﴿ما أشْهَدْتُهم خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ .
(p-٣٤٤)والعُدُولُ عَنِ الإضْمارِ بِأنْ يُقالَ: وما كُنْتُ مُتَّخِذَهم إلى المُضِلِّينَ لِإفادَةِ الذَّمِّ، ولِأنَّ التَّذْيِيلَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ كَلامًا مُسْتَقِلًّا.
والعَضُدُ بِفَتْحِ العَيْنِ وضَمِّ الضّادِ المُعْجَمَةِ في الأفْصَحِ، وبِالفَتْحِ وسُكُونِ الضّادِ في لُغَةِ تَمِيمٍ، وفِيهِ لُغاتٌ أُخْرى أضْعَفُ، ونَسَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنَّ أبا عَمْرٍو قَرَأهُ بِضَمِّ العَيْنِ وضَمِّ الضّادِ عَلى أنَّها لُغَةٌ في عَضُدٍ، وهي رِوايَةُ هارُونَ عَنْ أبِي عَمْرٍو، ولَيْسَتْ مَشْهُورَةً، وهو: العَظْمُ الَّذِي بَيْنَ المِرْفَقِ والكَتِفِ، وهو يُطْلَقُ مَجازًا عَلى المُعِينِ عَلى العَمَلِ، يُقالُ: فُلانٌ عَضُدِي، واعْتَضَدْتُ بِهِ.
والمَعْنى: لا يَلِيقُ بِالكَمالِ الإلَهِيِّ أنْ أتَّخِذَ أهْلَ الإضْلالِ أعْوانًا فَأُشْرِكَهم في تَصَرُّفِي في الإنْشاءِ، فَإنَّ اللَّهَ مُفِيضٌ الهِدايَةَ وواهِبٌ الدِّرايَةَ، فَكَيْفَ يَكُونُ أعْوانُهُ مَصادِرَ الضَّلالَةِ ؟ أيْ لا يُعِينُ المُعِينَ إلّا عَلى عَمَلِ أمْثالِهِ، ولا يَكُونُ إلّا قَرِينًا لِأشْكالِهِ.
{"ayah":"۞ مَّاۤ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّینَ عَضُدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق