الباحث القرآني
(p-٣٤٠)﴿وإذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلّا إبْلِيسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ أفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أوْلِياءَ مِن دُونِي وهم لَكم عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلًا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ويَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبالَ﴾ [الكهف: ٤٧] بِتَقْدِيرِ: واذْكُرْ إذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ، تَفَنُّنًا لِغَرَضِ المَوْعِظَةِ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ هَذِهِ الجُمَلُ، وهو التَّذْكِيرُ بِعَواقِبِ اتِّباعِ الهَوى والإعْراضِ عَنِ الصّالِحاتِ، وبِمَداحِضِ الكِبْرِياءِ والعُجْبِ واحْتِقارِ الفَضِيلَةِ والِابْتِهاجِ بِالأعْراضِ الَّتِي لا تُكْسِبُ أصْحابَها كَمالًا نَفْسِيًّا، وكَما وُعِظُوا بِآخِرِ أيّامِ الدُّنْيا ذُكِّرُوا هُنا بِالمَوْعِظَةِ بِأوَّلِ أيّامِها وهو يَوْمُ خَلْقِ آدَمَ، وهَذا أيْضًا تَمْهِيدٌ وتَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ ﴿ويَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ [الكهف: ٥٢] الآيَةَ، فَإنَّ الإشْراكَ كانَ مِن غُرُورِ الشَّيْطانِ بِبَنِي آدَمَ.
ولَها أيْضًا مُناسَبَةٌ بِما تَقَدَّمَ مِنَ الآياتِ الَّتِي أنْحَتْ عَلى الَّذِينَ افْتَخَرُوا بِجاهِهِمْ وأمْوالِهِمْ واحْتَقَرُوا فُقَراءَ أهْلِ الإسْلامِ، ولَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الكَمالِ الحَقِّ والغُرُورِ الباطِلِ، كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهم بِالغَداةِ والعَشِيِّ﴾ [الكهف: ٢٨]، فَكانَ في قِصَّةِ إبْلِيسَ نَحْوَ آدَمَ مَثَلٌ لَهم، ولِأنَّ في هَذِهِ القِصَّةِ تَذْكِيرًا بِأنَّ الشَّيْطانَ هو أصْلُ الضَّلالِ، وأنَّ خُسْرانَ الخاسِرِينَ يَوْمَ القِيامَةِ آيِلٌ إلى اتِّباعِهِمْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ وأوْلِيائِهِ، ولِهَذا فَرَّعَ عَلى الأمْرَيْنِ قَوْلَهُ تَعالى ﴿أفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أوْلِياءَ مِن دُونِي وهم لَكم عَدُوٌّ﴾ .
وهَذِهِ القِصَّةُ تَكَرَّرَتْ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ القُرْآنِ، وهي في كُلِّ مَوْضِعٍ تَشْتَمِلُ عَلى شَيْءٍ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ في الآخَرِ، ولَها في كُلِّ مَوْضِعٍ ذُكِرَتْ فِيهِ عِبْرَةٌ تُخالِفُ عِبْرَةَ غَيْرِهِ، فَذِكْرُها في سُورَةِ البَقَرَةِ مَثَلًا إعْلامٌ بِمَبادِئِ الأُمُورِ، وذِكْرُها هُنا تَنْظِيرٌ لِلْحالِ وتَوْطِئَةٌ لِلْإنْكارِ والتَّوْبِيخِ، وقِسْ عَلى ذَلِكَ.
(p-٣٤١)وفَسَقَ: تَجاوَزَ عَنْ طاعَتِهِ، وأصْلُهُ قَوْلُهم: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ، إذا خَرَجَتْ مِن قِشْرِها فاسْتُعْمِلَ مَجازًا في التَّجاوُزِ، قالَأبُو عُبَيْدَةَ، والفِسْقُ بِمَعْنى التَّجاوُزِ عَنِ الطّاعَةِ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: لَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ في شَيْءٍ مِن أشْعارِ الجاهِلِيَّةِ، ولا أحادِيثِها، وإنَّما تَكَلَّمَ بِهِ العَرَبُ بَعْدَ نُزُولِ القُرْآنِ، أيْ في هَذِهِ الآيَةِ ونَحْوِها، ووافَقَهُ المُبَرِّدُ وابْنُ الأعْرابِيِّ، وأُطْلِقَ الفِسْقُ في مَواضِعَ مِنَ القُرْآنِ عَلى العِصْيانِ العَظِيمِ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦] .
والأمْرُ في قَوْلِهِ ﴿عَنْ أمْرِ رَبِّهِ﴾ بِمَعْنى المَأْمُورِ، أيْ تَرَكَ وابْتَعَدَ عَمّا أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ.
والعُدُولُ في قَوْلِهِ ﴿عَنْ أمْرِ رَبِّهِ﴾ إلى التَّعْرِيفِ بِطَرِيقِ الإضافَةِ دُونَ الضَّمِيرِ؛ لِتَفْظِيعِ فِسْقِ الشَّيْطانِ عَنْ أمْرِ اللَّهِ، بِأنَّهُ فِسْقُ عَبْدٍ عَنْ أمْرِ مَن تَجِبُ عَلَيْهِ طاعَتُهُ؛ لِأنَّهُ مالِكُهُ.
وفَرَّعَ عَلى التَّذْكِيرِ بِفِسْقِ الشَّيْطانِ وعَلى تَعاظُمِهِ عَلى أصْلِ النَّوْعِ الإنْسانِيِّ إنْكارَ اتِّخاذِهِ واتِّخاذِ جُنْدِهِ أوْلِياءَ؛ لِأنَّ تَكَبُّرَهُ عَلى آدَمَ يَقْتَضِي عَداوَتَهُ لِلنَّوْعِ، ولِأنَّ عِصْيانَهُ أمْرَ مالِكِهِ يَقْتَضِي أنَّهُ لا يُرْجى مِنهُ خَيْرٌ، ولَيْسَ أهْلًا لِأنْ يُتَّبَعَ.
والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ لِلْمُشْرِكِينَ، إذْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ، قالَ تَعالى ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠]، ولِذَلِكَ عَلَّلَ النَّهْيَ بِجُمْلَةِ الحالِ، وهي جُمْلَةُ ﴿وهم لَكم عَدُوٌّ﴾ .
والذُّرِّيَّةُ: النَّسْلُ، وذُرِّيَّةُ الشَّيْطانِ الشَّياطِينُ والجِنُّ.
والعَدُوُّ: اسْمٌ يَصْدُقُ عَلى الواحِدِ وعَلى الجَمْعِ، قالَ تَعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكم أوْلِياءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ﴾ [الممتحنة: ١] وقالَ ﴿هُمُ العَدُوُّ﴾ [المنافقون: ٤] .
عُومِلَ هَذا الِاسْمُ مُعامَلَةَ المَصادِرِ؛ لِأنَّهُ عَلى زِنَةِ المَصْدَرِ مِثْلَ القَبُولِ والوَلُوعِ، وهُما مَصْدَرانِ،، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنْ كانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ﴾ [النساء: ٩٢] في سُورَةِ النِّساءِ.
(p-٣٤٢)والوَلِيُّ: مَن يَتَوَلّى، أيْ يَتَّخِذُ ذا ولايَةٍ - بِفَتْحِ الواوِ - وهي القُرْبُ، والمُرادُ بِهِ القُرْبُ المَعْنَوِيُّ، وهو الصَّداقَةُ والنَّسَبُ والحِلْفُ، و(مِن) زائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، أيْ تَتَّخِذُونَهم أوْلِياءَ مُباعِدِينَ لِي، وذَلِكَ هو إشْراكُهم في العِبادَةِ، فَإنَّ كُلَّ حالَةٍ يَعْبُدُونَ فِيها الآلِهَةَ هي اتِّخاذٌ لَهم أوْلِياءَ مِن دُونِ اللَّهِ.
والخِطابُ في ”أتَتَّخِذُونَهُ“ وما بَعْدَهُ خِطابٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُ ولِيًّا، وتَحْذِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِن ذَلِكَ.
وجُمْلَةُ ﴿بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلًا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِإنْشاءِ ذَمِّ إبْلِيسَ وذُرِّيَّتِهِ بِاعْتِبارِ اتِّخاذِ المُشْرِكِينَ إيّاهم أوْلِياءَ، أيْ بِئْسَ البَدَلُ لِلْمُشْرِكِينَ الشَّيْطانُ وذُرِّيَّتُهُ، فَقَوْلُهُ بَدَلًا تَمْيِيزٌ مُفَسِّرٌ لِاسْمِ بِئْسَ المَحْذُوفِ لِقَصْدِ الِاسْتِغْناءِ عَنْهُ بِالتَّمْيِيزِ عَلى طَرِيقَةِ الإجْمالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ.
والظّالِمُونَ هُمُ المُشْرِكُونَ، وإظْهارُ الظّالِمِينَ في مَوْضِعِ الإضْمارِ لِلتَّشْهِيرِ بِهِمْ، ولِما في الِاسْمِ الظّاهِرِ مِن مَعْنى الظُّلْمِ الَّذِي هو ذَمٌّ لَهم.
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦۤۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّیَّتَهُۥۤ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِی وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِینَ بَدَلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق