الباحث القرآني
﴿واضْرِبْ لَهم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ .
كانَ أعْظَمَ حائِلٍ بَيْنَ المُشْرِكِينَ وبَيْنَ النَّظَرِ في أدِلَّةِ الإسْلامِ انْهِماكُهم في الإقْبالِ عَلى الحَياةِ الزّائِلَةِ ونَعِيمِها، والغُرُورُ الَّذِي غَرَّ طُغاةَ أهْلِ الشِّرْكِ، وصَرَفَهم عَنْ إعْمالِ عُقُولِهِمْ في فَهْمِ أدِلَّةِ التَّوْحِيدِ والبَعْثِ كَما قالَ تَعالى ﴿وذَرْنِي والمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ومَهِّلْهم قَلِيلًا﴾ [المزمل: ١١]، وقالَ ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [القلم: ١٤] .
وكانُوا يَحْسَبُونَ هَذا العالَمَ غَيْرَ آيِلٍ إلى الفَناءِ ﴿وقالُوا ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤]، وما كانَ أحَدُ الرَّجُلَيْنِ الَّذِينَ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُما إلّا واحِدًا مِنَ المُشْرِكِينَ إذْ قالَ ﴿وما أظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً﴾ [الكهف: ٣٦] .
فَأمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأنْ يَضْرِبَ لَهم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيا الَّتِي غَرَّتْهم بَهْجَتُها.
والحَياةُ الدُّنْيا: تُطْلَقُ عَلى مُدَّةِ بَقاءِ الأنْواعِ الحَيَّةِ عَلى الأرْضِ وبَقاءِ الأرْضِ عَلى حالَتِها، فَإطْلاقُ اسْمِ الحَياةِ الدُّنْيا عَلى تِلْكَ المُدَّةِ؛ لِأنَّها مُدَّةُ الحَياةِ النّاقِصَةِ غَيْرِ الأبَدِيَّةِ؛ لِأنَّها مُقَدَّرٌ زَوالُها، فَهي دُنْيا.
(p-٣٣١)وتُطْلَقُ الحَياةُ الدُّنْيا عَلى مُدَّةِ حَياةِ الأفْرادِ، أيْ حَياةِ كُلِّ أحَدٍ، ووَصْفُها بِـ (الدُّنْيا) بِمَعْنى القَرِيبَةِ، أيِ الحاضِرَةِ غَيْرِ المُسْتَنْظَرَةِ، كَنّى عَنِ الحُضُورِ بِالقُرْبِ، والوَصْفُ لِلِاحْتِرازِ عَنِ الحَياةِ الآخِرَةِ، وهي الحَياةُ بَعْدَ المَوْتِ.
والكافُ في قَوْلِهِ ”كَماءٍ“ في مَحَلِّ الحالِ مِنَ (الحَياةِ) المُضافِ إلَيْهِ (مَثَلَ)، أيِ اضْرِبْ لَهم مَثَلًا لَها حالَ أنَّها كَماءٍ أنْزَلْناهُ.
وهَذا المَثَلُ مُنْطَبِقٌ عَلى الحَياةِ الدُّنْيا بِإطْلاقَيْها، فَهُما مَرادانِ مِنهُ، وضَمِيرُ ”لَهم“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ كَما دَلَّ عَلَيْهِ تَناسُقُ ضَمائِرِ الجُمَعِ الآتِيَةِ في قَوْلِهِ (وحَشَرْناهم فَلَمْ نُغادِرْ مِنهم - وعُرِضُوا - بَلْ زَعَمْتُمْ أنْ لَنْ نَجْعَلَ لَكم مَوْعِدًا) .
واخْتِلاطُ النَّباتِ: وفْرَتُهُ والتِفافُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِن قُوَّةِ الخِصْبِ والِازْدِهارِ.
والباءُ في قَوْلِهِ (بِهِ) باءُ السَّبَبِيَّةِ، والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى (ماءٍ) أيْ فاخْتَلَطَ النَّباتُ بِسَبَبِ الماءِ، أيِ اخْتَلَطَ بَعْضُ النَّباتِ بِبَعْضٍ، ولَيْسَتِ الباءُ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ اخْتَلَطَ إلى المَفْعُولِ لِعَدَمِ وُضُوحِ المَعْنى عَلَيْهِ، وفي ذِكْرِ الأرْضِ بَعْدَ ذِكْرِ السَّماءِ مُحَسِّنُ الطِّباقِ.
و(أصْبَحَ) مُسْتَعْمَلَةٌ بِمَعْنى صارَ، وهو اسْتِعْمالٌ شائِعٌ.
والهَشِيمُ: اسْمٌ عَلى وزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، أيْ مَهْشُومًا مُحَطَّمًا، والهَشْمُ: الكَسْرُ والتَّفْتِيتُ.
و﴿تَذْرُوهُ الرِّياحُ﴾ أيْ تُفَرِّقُهُ في الهَواءِ، والذَّرْوُ: الرَّمْيُ في الهَواءِ، شُبِّهَتْ حالَةُ هَذا العالَمِ بِما فِيهِ بِحالَةِ الرَّوْضَةِ تَبْقى زَمانًا بَهِجَةً خَضِرَةً ثُمَّ يَصِيرُ نَبْتُها بَعْدَ حِينٍ إلى اضْمِحْلالٍ، ووَجْهُ الشَّبَهِ: المَصِيرُ مِن حالٍ حَسَنٍ إلى حالٍ سَيِّئٍ، وهَذا تَشْبِيهُ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ؛ لِأنَّ الحالَةَ المُشَبَّهَةَ مَعْقُولَةٌ؛ إذْ لَمْ يَرَ النّاسُ بَوادِرَ تَقَلُّصِ بَهْجَةِ الحَياةِ، وأيْضًا شُبِّهَتْ هَيْئَةُ إقْبالِ نَعِيمِ الدُّنْيا في الحَياةِ مَعَ الشَّبابِ والجِدَةِ وزُخْرُفِ العَيْشِ لِأهْلِهِ، ثُمَّ تَقَلُّصِ ذَلِكَ وزَوالِ نَفْعِهِ ثُمَّ انْقِراضِهِ أشْتاتًا (p-٣٣٢)بِهَيْئَةِ إقْبالِ الغَيْثِ مُنْبِتِ الزَّرْعِ ونَشْأتِهِ عَنْهُ ونَضارَتِهِ ووَفْرَتِهِ، ثُمَّ أخْذِهِ في الِانْتِقاصِ وانْعِدامِ التَّمَتُّعِ بِهِ ثُمَّ تَطايُرِهِ أشْتاتًا في الهَواءِ - تَشْبِيهًا لِمُرَكَّبٍ مَحْسُوسٍ بِمُرَكَّبٍ مَحْسُوسٍ، ووَجْهُ الشَّبَهِ كَما عَلِمْتَ.
وجُمْلَةُ ﴿وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ في آخِرِ الكَلامِ، مَوْقِعُها التَّذْكِيرُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى عَلى خَلْقِ الأشْياءِ وأضْدادِها، وجَعْلُ أوائِلِها مُفْضِيَةً إلى أواخِرِها، وتَرْتِيبُهُ أسْبابَ الفَناءِ عَلى أسْبابِ البَقاءِ، وذَلِكَ اقْتِدارٌ عَجِيبٌ، وقَدْ أُفِيدَ ذَلِكَ عَلى أكْمَلِ وجْهٍ بِالعُمُومِ الَّذِي في قَوْلِهِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وهو بِذَلِكَ العُمُومِ أشْبَهَ التَّذْيِيلَ، والمُقْتَدِرُ: القَوِيُّ القُدْرَةِ.
{"ayah":"وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِیمࣰا تَذۡرُوهُ ٱلرِّیَـٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ مُّقۡتَدِرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق