الباحث القرآني
﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ﴾
”لِيُنْذِرَ“ مُتَعَلِّقٌ بِـ ”أنْزَلَ“، والضَّمِيرُ المَرْفُوعُ عائِدٌ إلى اسْمِ الجَلالَةِ، أيْ لِيُنْذِرَ اللَّهُ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ، والمَفْعُولُ الأوَّلُ لِـ ”يُنْذِرَ“ مَحْذُوفٌ؛ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، (p-٢٤٩)أوْ تَنْزِيلًا لِلْفِعْلِ مَنزِلَةَ اللّازِمِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ المُنْذَرُ بِهِ، وهو البَأْسُ الشَّدِيدُ تَهْوِيلًا لَهُ، ولِتَهْدِيدِ المُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ إنْزالَ القُرْآنِ مِنَ اللَّهِ.
والبَأْسُ: الشِّدَّةُ في الألَمِ، ويُطْلَقُ عَلى القُوَّةِ في الحَرْبِ؛ لِأنَّها تُؤْلِمُ العَدُوَّ، وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿والصّابِرِينَ في البَأْساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَأْسِ﴾ [البقرة: ١٧٧] مِن سُورَةِ البَقَرَةِ، والمُرادُ هُنا: شِدَّةُ الحالِ في الحَياةِ الدُّنْيا، وذَلِكَ هو الَّذِي أُطْلِقَ عَلى اسْمِ البَأْسِ في القُرْآنِ، وعَلَيْهِ دَرَجَ الطَّبَرِيُّ، وهَذا إيماءٌ بِالتَّهْدِيدِ لِلْمُشْرِكِينَ بِما سَيَلْقَوْنَهُ مِنَ القَتْلِ والأسْرِ بِأيْدِي المُسْلِمِينَ، وذَلِكَ بَأْسٌ مِن لَدُنْهُ تَعالى؛ لِأنَّهُ بِتَقْدِيرِهِ، وبِأمْرِهِ عِبادَهُ أنْ يَفْعَلُوهُ، فاسْتِعْمالُ لَدُنْ هُنا في مَعْنَيَيْهِ؛ الحَقِيقِيِّ، والمَجازِيِّ.
ولَيْسَ في جَعْلِ الإنْذارِ بِبَأْسِ الدُّنْيا عِلَّةً لِإنْزالِ الكِتابِ ما يَقْتَضِي اقْتِصارَ عِلَلِ إنْزالِهِ عَلى ذَلِكَ؛ لِأنَّ الفِعْلَ الواحِدَ قَدْ تَكُونُ لَهُ عِلَلٌ كَثِيرَةٌ يُذْكَرُ بَعْضُها، ويُتْرَكُ بَعْضٌ.
وإنَّما آثَرْتُ الحَمْلَ عَلى جَعْلِ البَأْسِ الشَّدِيدِ بَأْسَ الدُّنْيا لِلتَّفَصِّي مِمّا يَرِدُ عَلى إعادَةِ فِعْلِ ﴿ويُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾ [الكهف: ٤] كَما سَيَأْتِي.
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالبَأْسِ عَذابُ الآخِرَةِ، فَإنَّهُ بَأْسٌ شَدِيدٌ، ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿مِن لَدُنْهُ﴾ مُسْتَعْمَلًا في حَقِيقَتِهِ، وبِهَذا الوَجْهِ فَسَّرَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ.
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالبَأْسِ الشَّدِيدِ ما يَشْمَلُ بَأْسَ عَذابِ الآخِرَةِ وبَأْسَ عَذابِ الدُّنْيا، وعَلى هَذا دَرَجَ ابْنُ عَطِيَّةَ، والقُرْطُبِيُّ، ويَكُونَ اسْتِعْمالُ ﴿مِن لَدُنْهُ﴾ في مَعْنَيَيْهِ الحَقِيقِيِّ والمَجازِيِّ، أمّا في عَذابِ الآخِرَةِ فَظاهِرٌ، وأمّا في عَذابِ الدُّنْيا فَلِأنَّ بَعْضَهُ بِالقَتْلِ، والأسْرِ، وهُما مِن أفْعالِ النّاسِ، ولَكِنَّ اللَّهَ أمَرَ المُسْلِمِينَ بِهِما، فَهُما مِن لَدُنْهُ.
وحَذْفُ مَفْعُولِ ”يُنْذِرَ“ لِدَلالَةِ السِّياقِ عَلَيْهِ لِظُهُورِ أنَّهُ يُنْذِرُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا الكِتابِ، ولا بِالمُنْزَلِ عَلَيْهِ، ولِدَلالَةِ مُقابَلِهِ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ ﴿ويُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ﴾ .
* * *
(p-٢٥٠)﴿ويُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أنَّ لَهم أجْرًا حَسَنًا﴾ ﴿ماكِثِينَ فِيهِ أبَدًا﴾ عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا﴾، فَهو سَبَبٌ آخَرُ لِإنْزالِ الكِتابِ أثارَتْهُ مُناسَبَةُ ذِكْرِ الإنْذارِ لِيَبْقى الإنْذارُ مُوَجَّهًا إلى غَيْرِهِمْ.
وقَوْلُهُ ﴿أنَّ لَهم أجْرًا حَسَنًا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ ”يُبَشِّرَ“ بِحَذْفِ حَرْفِ الجَرِّ مَعَ (أنَّ) أيْ بِأنَّ لَهم أجْرًا حَسَنًا، وذِكْرُ الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ اسْتِحْقاقَ ذَلِكَ الأجْرِ بِحُصُولِ ذَلِكَ لِأمْرَيْنِ، ولا يَتَعَرَّضُ القُرْآنُ في الغالِبِ لِحالَةِ حُصُولِ الإيمانِ مَعَ شَيْءٍ مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ كَثِيرٍ أوْ قَلِيلٍ، ولِحُكْمِهِ أدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ.
والمُكْثُ: الِاسْتِقْرارُ في المَكانِ، شَبَّهَ ما لَهم مِنَ اللَّذّاتِ والمُلائِماتِ بِالظَّرْفِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ حالُهُ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الأجْرَ الحَسَنَ كالمُحِيطِ بِهِمْ لا يُفارِقُهم طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ أبَدًا بِتَأْكِيدٍ لِمَعْنى ”ماكِثِينَ“ بَلْ أُفِيدَ بِمَجْمُوعِها الإحاطَةُ والدَّوامُ.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["قَیِّمࣰا لِّیُنذِرَ بَأۡسࣰا شَدِیدࣰا مِّن لَّدُنۡهُ وَیُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنࣰا","مَّـٰكِثِینَ فِیهِ أَبَدࣰا"],"ayah":"قَیِّمࣰا لِّیُنذِرَ بَأۡسࣰا شَدِیدࣰا مِّن لَّدُنۡهُ وَیُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق