الباحث القرآني
(p-٢٠٦)﴿وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تُفَجِّرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ ﴿أوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا﴾ ﴿أوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا أوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلًا﴾ ﴿أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ أوْ تَرْقى في السَّماءِ ولَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ .
عَطَفَ جُمْلَةَ وقالُوا عَلى جُمْلَةِ ﴿فَأبى الظّالِمُونَ إلّا كُفُورًا﴾ [الإسراء: ٩٩]، أيْ كَفَرُوا بِالقُرْآنِ وطَلَبُوا بِمُعْجِزاتٍ أُخْرى.
وضَمِيرُ الجَمْعِ عائِدٌ إلى أكْثَرِ النّاسِ الَّذِينَ أبَوْا إلّا كُفُورًا، بِاعْتِبارِ صُدُورِ هَذا القَوْلِ بَيْنَهم، وهم راضُونَ بِهِ، ومُتَمالِئُونَ عَلَيْهِ مَتى عَلِمُوهُ، فَلا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم قالَ هَذا القَوْلَ كُلَّهُ بَلْ يَكُونُ بَعْضُهم قائِلًا جَمِيعَهُ أوْ بَعْضُهم قائِلًا بَعْضَهُ.
ولَمّا اشْتَمَلَ قَوْلُهم عَلى ضَمائِرِ الخِطابِ تَعَيَّنَ أنَّ بَعْضَهم خاطَبَ بِهِ النَّبِيءَ ﷺ مُباشَرَةً؛ إمّا في مَقامٍ واحِدٍ، وإمّا في مَقاماتٍ، وقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحاقَ: أنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وأبا سُفْيانَ بْنَ حَرْبٍ، والأسْوَدَ بْنَ المُطَّلِبِ، وزَمَعَةَ بْنَ الأسْوَدِ، والوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ، وأبا جَهْلِ بْنَ هِشامٍ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبِي أُمَيَّةَ، وأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وناسًا مَعَهُمُ اجْتَمَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ الكَعْبَةِ، وبَعَثُوا إلى النَّبِيءِ ﷺ أنْ (p-٢٠٧)يَأْتِيَهم؛ فَأسْرَعَ إلَيْهِمْ حِرْصًا عَلى هُداهم، فَعاتَبُوهُ عَلى تَسْفِيهِ أحْلامِهِمْ والطَّعْنِ في دِينِهِمْ، وعَرَضُوا عَلَيْهِ ما يَشاءُ مِن مالٍ أوْ تَسْوِيدٍ، وأجابَهم بِأنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ إلَيْهِمْ لا يَنْبَغِي غَيْرُ نُصْحِهِمْ، فَلَمّا رَأوْا مِنهُ الثَّباتَ انْتَقَلُوا إلى طَلَبِ بَعْضِ ما حَكاهُ اللَّهُ عَنْهم في هَذِهِ الآيَةِ.
ورُوِي أنَّ الَّذِي سَألَ ما حُكِيَ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿أوْ تَرْقى في السَّماءِ﴾ إلى آخِرِهِ، هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ المَخْزُومِيُّ، وحَكى اللَّهُ امْتِناعَهم عَنِ الإيمانِ بِحَرْفِ (لَنِ) المُفِيدِ لِلتَّأْيِيدِ؛ لِأنَّهم كَذَلِكَ قالُوهُ.
والمُرادُ بِالأرْضِ: أرْضُ مَكَّةَ، فالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، ووَجْهُ تَخْصِيصِها أنَّ أرْضَها قَلِيلَةُ المِياهِ، بَعِيدَةٌ عَنِ الجَنّاتِ.
والتَّفْجِيرُ: مَصْدَرُ فَجَّرَ - بِالتَّشْدِيدِ - مُبالَغَةً في الفَجْرِ، وهو الشَّقُّ بِاتِّساعٍ، ومِنهُ سُمِّيَ فَجْرُ الصَّباحِ فَجْرًا؛ لِأنَّ الضَّوْءَ يَشُقُّ الظُّلْمَةَ شَقًّا طَوِيلًا عَرِيضًا، فالتَّفْجِيرُ أشَدُّ مِن مُطْلَقِ الفَجْرِ، وهو تَشْقِيقٌ شَدِيدٌ بِاعْتِبارِ اتِّساعِهِ، ولِذَلِكَ ناسَبَ اليَنْبُوعَ هُنا، والنَّهَرُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرًا﴾ [الكهف: ٣٣] وقَوْلِهِ ﴿فَتُفَجِّرَ الأنْهارَ﴾ .
وقَرَأهُ الجُمْهُورُ بِضَمِّ التّاءِ وتَشْدِيدِ الجِيمِ عَلى أنَّهُ مُضارِعُ (فَجَّرَ) المُضاعَفِ، وقَرَأهُ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ بِفَتْحِ التّاءِ، وسُكُونِ الفاءِ، وضَمِّ الجِيمِ مُخَفَّفَةً، عَلى أنَّهُ مُضارِعُ ”فَجَرَ“ كَنَصَرَ، فَلا التِفاتَ فِيها لِلْمُبالَغَةِ؛ لِأنَّ اليَنْبُوعَ يَدُلُّ عَلى المَقْصُودِ، أوْ يُعَبِّرُ عَنْ مُخْتَلِفِ أقْوالِهِمُ الدّالَّةِ عَلى التَّصْمِيمِ في الِامْتِناعِ.
ومَعْنى ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ لَنْ نُصَدِّقَكَ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْنا.
والإيمانُ: التَّصْدِيقُ، يُقالُ: آمَنَهُ، أيْ صَدَّقَهُ، وكَثُرَ أنْ يُعَدّى إلى (p-٢٠٨)المَفْعُولِ بِاللّامِ، قالَ تَعالى ﴿وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا﴾ [يوسف: ١٧] وقالَ ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦]، وهَذِهِ اللّامُ مِن قَبِيلِ ما سَمّاهُ في (مُغْنِي اللَّبِيبِ) لامَ التَّبْيِينِ، وغَفَلَ عَنِ التَّمْثِيلِ لَها بِهَذِهِ الآيَةِ ونَحْوِها، فَإنَّ مَجْرُورَ اللّامِ بَعْدَ فِعْلِ ”نُؤْمِنُ“ مَفْعُولٌ لا التِباسَ لَهُ بِالفاعِلِ، وإنَّما تُذْكَرُ اللّامُ؛ لِزِيادَةِ البَيانِ والتَّوْكِيدِ، وقَدْ يُقالُ: إنَّها لِدَفْعِ التِباسِ مَفْعُولِ فِعْلِ (آمَنَ) بِمَعْنى صَدَّقَ بِمَفْعُولِ فِعْلِ (آمَنَ) إذا جَعَلَهُ أمِينًا، وتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَما آمَنَ لِمُوسى إلّا ذُرِّيَّةٌ مِن قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] في سُورَةِ يُونُسَ.
واليَنْبُوعُ: اسْمٌ لِلْعَيْنِ الكَثِيرَةِ النَّبْعِ الَّتِي لا يَنْضُبُ ماؤُها، وصِيغَةُ ”يَفْعُولٍ“ صِيغَةُ مُبالَغَةٍ غَيْرُ قِياسِيَّةٍ، واليَنْبُوعُ مُشْتَقَّةٌ مِن مادَّةِ النَّبْعِ، غَيْرَ أنَّ الأسْماءَ الوارِدَةَ عَلى هَذِهِ الصِّيغَةِ مُخْتَلِفَةٌ، فَبَعْضُها ظاهِرٌ اشْتِقاقُهُ كاليَنْبُوعِ واليَنْبُوتِ، وبَعْضُها خَفِيٌّ كاليَعْبُوبِ لِلْفَرَسِ الكَثِيرِ الجَرْيِ، وقِيلَ: اشْتُقَّ مِنَ العَبِّ المَجازِيِّ، ومِنهُ أسْماءٌ مُعَرَّبَةٌ جاءَ تَعْرِيبُها عَلى وزْنِ ”يَفْعُولٍ“ مِثْلَ: يَكْسُومَ، اسْمِ قائِدٍ حَبَشِيٍّ، ويَرْمُوكَ اسْمِ نَهْرٍ، وقَدِ اسْتَقْرى الحَسَنُ الصّاغانِيُّ ما جاءَ مِنَ الكَلِماتِ في العَرَبِيَّةِ عَلى وزْنِ ”يَفْعُولٍ“ في مُخْتَصَرٍ لَهُ مُرَتَّبٍ عَلى حُرُوفِ العَجَمِ، وقالَ السُّيُوطِيُّ في المُزْهِرِ: إنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ عَقَدَ لَهُ في الجَمْهَرَةِ بابًا.
والجَنَّةُ، والنَّخِيلُ، والعِنَبُ، والأنْهارُ تَقَدَّمَتْ في قَوْلِهِ ﴿أيَوَدُّ أحَدُكم أنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وأعْنابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ [البقرة: ٢٦٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وخَصُّوا هَذِهِ الجَنَّةَ بِأنْ تَكُونَ لَهُ؛ لِأنَّ شَأْنَ الجَنَّةِ أنْ تَكُونَ خاصَّةً لِمِلْكِ واحِدٍ مُعَيَّنٍ، فَأرَوْهُ أنَّهم لا يَبْتَغُونَ مِن هَذا الِاقْتِراحِ نَفْعَ أنْفُسِهِمْ، ولَكِنَّهم يَبْتَغُونَ حُصُولَهُ، ولَوْ كانَ لِفائِدَةِ المُقْتَرَحِ عَلَيْهِ، والمُقْتَرَحُ هو تَفْجِيرُ الماءِ في الأرْضِ القاحِلَةِ، وإنَّما ذَكَرُوا وُجُودَ الجَنَّةِ؛ تَمْهِيدًا لِتَفْجِيرِ أنْهارٍ خِلالَها، فَكَأنَّهم قالُوا: حَتّى تُفَجِّرَ لَنا يَنْبُوعًا يَسْقِي النّاسَ كُلَّهم، أوْ تُفَجِّرَ أنْهارًا تَسْقِي جَنَّةً واحِدَةً، تَكُونُ تِلْكَ الجَنَّةُ وأنْهارُها لَكَ، فَنَحْنُ مُقْتَنِعُونَ بِحُصُولِ ذَلِكَ لا بُغْيَةَ الِانْتِفاعِ مِنهُ، وهَذا كَقَوْلِهِمْ: ﴿أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ﴾ .
(p-٢٠٩)وذَكَرَ المَفْعُولَ المُطْلَقَ بِقَوْلِهِ ”تَفْجِيرًا“ لِلدَّلالَةِ عَلى التَّكْثِيرِ؛ لِأنَّ ”تُفَجِّرَ“ قَدْ كَفى في الدَّلالَةِ عَلى المُبالَغَةِ في الفَجْرِ، فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ الإتْيانُ بِمَفْعُولِهِ المُطْلَقِ لِلْمُبالَغَةِ في العَدَدِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ونَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]، وهو المُناسِبُ لِقَوْلِهِ خِلالَها؛ لِأنَّ الجَنَّةَ تَتَخَلَّلُها شُعَبُ النَّهْرِ لِسَقْيِ الأشْجارِ، فَجَمَعَ الأنْهارَ بِاعْتِبارِ تَشَعُّبِ ماءِ النَّهْرِ إلى شُعَبٍ عَدِيدَةٍ، ويَدُلُّ لِهَذا المَعْنى إجْماعُ القُرّاءِ عَلى قِراءَةِ ”فَتُفَجِّرَ“ هُنا بِالتَّشْدِيدِ مَعَ اخْتِلافِهِمْ في الَّذِي قَبْلَهُ، وهَذا مِن لَطائِفِ مَعانِي القِراءاتِ المَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ، فَهي مِن أفانِينِ إعْجازِ القُرْآنِ.
وقَوْلُهم ﴿أوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا﴾ انْتِقالٌ مِن تَحَدِّيهِ بِخَوارِقَ فِيها مَنافِعُ لَهم إلى تَحَدِّيهِ بِخَوارِقَ فِيها مَضَرَّتُهم، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ التَّوْسِيعَ عَلَيْهِ، أيْ فَلْيَأْتِهِمْ بِآيَةٍ عَلى ذَلِكَ ولَوْ في مَضَرَّتِهِمْ، وهَذا حِكايَةٌ لِقَوْلِهِمْ كَما قالُوا، ولَعَلَّهم أرادُوا بِهِ الإغْراقَ في التَّعْجِيبِ مِن ذَلِكَ، فَجَمَعُوا بَيْنَ جَعْلِ الإسْقاطِ لِنَفْسِ السَّماءِ، وعَزَّزُوا تَعْجِيبَهم بِالجُمْلَةِ المُعْتَرِضَةِ وهي ﴿كَما زَعَمْتَ﴾ إنْباءً بِأنَّ ذَلِكَ لا يُصَدِّقُ بِهِ أحَدٌ، وعَنَوْا بِهِ قَوْلَهُ تَعالى ﴿إنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّماءِ﴾ [سبإ: ٩] وبِقَوْلِهِ ﴿وإنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور: ٤٤]، إذْ هو تَهْدِيدٌ لَهم بِأشْراطِ السّاعَةِ، وإشْرافِهِمْ عَلى الحِسابِ، وجَعَلُوا (مِن) في قَوْلِهِ تَعالى ﴿كِسْفًا مِنَ السَّماءِ﴾ [الطور: ٤٤] تَبْعِيضِيَّةً، أيْ قِطْعَةً مِنَ الأجْرامِ السَّماوِيَّةِ، فَلِذَلِكَ أبَوْا تَعْدِيَةَ فِعْلِ ”تُسْقِطَ“ إلى ذاتِ السَّماءِ، واعْلَمْ أنَّ هَذا يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ هاتانِ الآيَتانِ أوْ إحْداها نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الإسْراءِ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَبْعَدٍ.
والكِسَفُ - بِكَسْرِ الكافِ وفَتْحِ السِّينِ_ جَمْعُ كِسْفَةٍ، وهي القِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ مِثْلُ سِدْرَةٍ وسِدَرٍ، وكَذَلِكَ قَرَأهُ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وقَرَأهُ الباقُونَ بِسُكُونِ السِّينِ بِمَعْنى المَفْعُولِ، أيِ المَكْسُوفِ بِمَعْنى المَقْطُوعِ.
(p-٢١٠)والزَّعْمُ: القَوْلُ المُسْتَبْعَدُ أوِ المُحالُ.
والقَبِيلُ: الجَماعَةُ مِن جِنْسٍ واحِدٍ، وهو مَنصُوبٌ عَلى الحالِ مِنَ المَلائِكَةِ، أيْ هم قَبِيلٌ خاصٌّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، كَأنَّهم قالُوا: أوْ تَأْتِيَ بِفَرِيقٍ مِن جِنْسِ المَلائِكَةِ.
والزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ.
وإنَّما عُدِّيَ ﴿تَرْقى في السَّماءِ﴾ بِحَرْفِ (في) الظَّرْفِيَّةِ؛ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ الرُّقِيَّ تَدَرُّجٌ في السَّماواتِ كَمَن يَصْعَدُ في المِرْقاةِ والسُّلَّمِ.
ثُمَّ تَفَنَّنُوا في الِاقْتِراحِ فَسَألُوهُ إنْ رَقى أنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ بِكِتابٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ يَقْرَءُونَهُ، فِيهِ شَهادَةٌ بِأنَّهُ بَلَغَ السَّماءَ، قِيلَ: قائِلُ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ، قالَ: حَتّى تَأْتِيَنا بِكِتابٍ مَعَهُ أرْبَعَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ.
ولَعَلَّهم إنَّما أرادُوا أنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ كِتابًا كامِلًا دُفْعَةً واحِدَةً، فَيَكُونُوا قَدْ ألْحَدُوا بِتَنْجِيمِ القُرْآنِ؛ تَوَهُّمًا بِأنَّ تَنْجِيمَهُ لا يُناسِبُ كَوْنَهُ مُنَزَّلًا مِن عِنْدِ اللَّهِ؛ لِأنَّ التَّنْجِيمَ عِنْدَهم يَقْتَضِي التَّأمُّلَ والتَّصَنُّعَ في تَأْلِيفِهِ، ولِذَلِكَ يَكْثُرُ في القُرْآنِ بَيانُ حِكْمَةِ تَنْجِيمِهِ.
واللّامُ في قَوْلِهِ ﴿لِرُقِيِّكَ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لامَ التَّبْيِينِ، عَلى أنَّ ”رُقِيَّكَ“ مَفْعُولُ ”نُؤْمِنُ“ مِثْلُ قَوْلُهُ ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ فَيَكُونُ ادِّعاءُ الرُّقِيِّ مَنفِيًّا عَنْهُ التَّصْدِيقُ حَتّى يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ كِتابٌ، ويَجُوزَ أنْ تَكُونَ اللّامُ لامَ العِلَّةِ، ومَفْعُولُ ”نُؤْمِنَ“ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾، والتَّقْدِيرُ: لَنْ نُصَدِّقَكَ لِأجْلِ رُقِيِّكَ، هي ”تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا“ والمَعْنى: أنَّهُ لَوْ رَقى في السَّماءِ لَكَذَّبُوا أعْيُنَهم حَتّى يُرْسِلَ إلَيْهِمْ كِتابًا يَرَوْنَهُ نازِلًا مِنَ السَّماءِ، وهَذا تَوَرُّكٌ مِنهم وتَهَكُّمٌ.
ولَمّا كانَ اقْتِراحُهُمُ اقْتِراحَ مُلاجَّةٍ وعِنادٍ؛ أمَرَهُ اللَّهُ بِأنْ يُجِيبَهم بِما يَدُلُّ عَلى التَّعَجُّبِ مِن كَلامِهِمْ بِكَلِمَةِ ﴿سُبْحانَ رَبِّي﴾ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ في التَّعَجُّبِ كَما (p-٢١١)تَقَدَّمَ في طالِعِ هَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ بِالِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ، وصِيغَةِ الحَصْرِ المُقْتَضِيَةِ قَصْرَ نَفْسِهِ عَلى البَشَرِيَّةِ والرِّسالَةِ قَصْرًا إضافِيًّا، أيْ لَسْتُ رَبًّا مُتَصَرِّفًا أخْلُقُ ما يُطْلَبُ مِنِّي، فَكَيْفَ آتِي بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ ؟ وكَيْفَ أخْلُقُ في الأرْضِ ما لَمْ يُخْلَقْ فِيها ؟
وقَرَأ الجُمْهُورُ ”قُلْ“ بِصِيغَةِ فِعْلِ الأمْرِ، وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ (قالَ) بِألْفٍ بَعْدَ القافِ بِصِيغَةِ الماضِي، عَلى أنَّهُ حِكايَةٌ لِجَوابِ الرَّسُولِ ﷺ عَنْ قَوْلِهِمْ ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ.
{"ayahs_start":90,"ayahs":["وَقَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ یَنۢبُوعًا","أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةࣱ مِّن نَّخِیلࣲ وَعِنَبࣲ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَـٰرَ خِلَـٰلَهَا تَفۡجِیرًا","أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَاۤءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَیۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِیَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ قَبِیلًا","أَوۡ یَكُونَ لَكَ بَیۡتࣱ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِیِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَیۡنَا كِتَـٰبࣰا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّی هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرࣰا رَّسُولࣰا"],"ayah":"وَقَالُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ یَنۢبُوعًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق