الباحث القرآني
﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ ويُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أنَّ لَهم أجْرًا كَبِيرًا﴾ ﴿وأنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أعْتَدْنا لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ عادَ بِهِ الكَلامُ إلى الغَرَضِ الأهَمِّ مِن هَذِهِ السُّورَةِ، وهو تَأْيِيدُ النَّبِيءِ ﷺ بِالآياتِ والمُعْجِزاتِ، وإيتاؤُهُ الآياتِ الَّتِي أعْظَمُها آيَةُ القُرْآنِ كَما قَدَّمْناهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وآتَيْنا مُوسى الكِتابَ﴾ [الإسراء: ٢]، وأعْقَبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ ما أُنْزِلَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ مِنَ الكُتُبِ لِلْهُدى والتَّحْذِيرِ، وما نالَهم مِن جَزاءِ مُخالَفَتِهِمْ ما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، ومِن عُدُولِهِمْ عَنْ سُنَنِ أسْلافِهِمْ مِن عَهْدِ نُوحٍ، وفي ذَلِكَ فائِدَةُ التَّحْذِيرِ مِن وُقُوعِ المُسْلِمِينَ فِيما وقَعَ فِيهِ بَنُو إسْرائِيلَ، وهي الفائِدَةُ العُظْمى مِن ذِكْرِ قَصَصِ القُرْآنِ، وهي فائِدَةُ التّارِيخِ.
(p-٤٠)وتَأْكِيدُ الجُمْلَةِ مُراعًى فِيهِ حالُ بَعْضِ المُخاطَبِينَ، وهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُذْعِنُوا إلَيْهِ، وحالُ المُؤْمِنِينَ مِنَ الِاهْتِمامِ بِهَذا الخَبَرِ، فالتَّوْكِيدُ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنَيَيْهِ دَفْعِ الإنْكارِ والِاهْتِمامِ، ولا تَعارُضَ بَيْنَ الِاعْتِبارَيْنِ.
وقَوْلُهُ (هَذا القُرْآنَ) إشارَةٌ إلى الحاضِرِ في أذْهانِ النّاسِ مِنَ المِقْدارِ المُنَزَّلِ مِنَ القُرْآنِ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ.
وبُيِّنَتِ الإشارَةُ بِالِاسْمِ الواقِعِ بَعْدَها؛ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ القُرْآنِ.
وقَدْ جاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَنْفِيسًا عَلى المُؤْمِنِينَ مِن أثَرِ القَصَصِ المَهُولَةِ الَّتِي قُصَّتْ عَنْ بَنِي إسْرائِيلَ، وما حَلَّ بِهِمْ مِنَ البَلاءِ مِمّا يُثِيرُ في نُفُوسِ المُسْلِمِينَ الخَشْيَةَ مِن أنْ يُصِيبَهم مِثْلُ ما أصابَ أُولَئِكَ، فَأخْبَرُوا بِأنَّ في القُرْآنِ ما يَعْصِمُهم عَنِ الوُقُوعِ فِيما وقَعَ فِيهِ بَنُو إسْرائِيلَ إذْ هو يَهْدِي لِلطَّرِيقِ الَّتِي هي أقْوَمُ مِمّا سَلَكَهُ بَنُو إسْرائِيلَ، ولِذَلِكَ ذَكَرَ مَعَ الهِدايَةِ بِشارَةَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ، ونِذارَةَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ، وفي التَّعْبِيرِ بِ (الَّتِي هي أقْوَمُ) نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ سَتَأْتِي، وتِلْكَ عادَةُ القُرْآنِ في تَعْقِيبِ الرَّهْبَةِ بِالرَّغْبَةِ وعَكْسِهِ.
و(الَّتِي هي أقْوَمُ) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ يَهْدِي، أيْ لِلطَّرِيقِ الَّتِي هي أقْوَمُ؛ لِأنَّ الهِدايَةَ مِن مُلازِماتِ السَّيْرِ والطَّرِيقِ، أوْ لِلْمِلَّةِ الأقْوَمِ، وفي حَذْفِ المَوْصُوفِ مِنَ الإيجازِ مِن جِهَةٍ، ومِنَ التَّفْخِيمِ مِن جِهَةٍ أُخْرى ما رَجَّحَ الحَذْفَ عَلى الذِّكْرِ.
والأقْوَمُ: تَفْصِيلُ القَوِيمِ، والمَعْنى: أنَّهُ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ مِن هُدى كِتابِ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِي في قَوْلِهِ (﴿وجَعَلْناهُ هُدًى لِبَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الإسراء: ٢])، فَفِيهِ إيماءٌ إلى ضَمانِ سَلامَةِ أُمَّةِ القُرْآنِ مِنَ الحَيْدَةِ عَنِ الطَّرِيقِ الأقْوَمِ؛ لِأنَّ القُرْآنَ جاءَ بِأُسْلُوبٍ مِنَ الإرْشادِ قَوِيمٍ ذِي أفْنانٍ لا يَحُولُ دُونَهُ ودُونَ الوُلُوجِ إلى العُقُولِ حائِلٌ، ولا يُغادِرُ مَسْلَكًا إلى ناحِيَةٍ مِن نَواحِي الأخْلاقِ، والطَّبائِعِ إلّا سَلَكَهُ إلَيْها تَحْرِيضًا أوْ تَحْذِيرًا، بِحَيْثُ لا يَعْدَمُ المُتَدَبِّرُ في مَعانِيهِ اجْتِناءَ ثِمارِ أفْنانِهِ، وبِتِلْكَ الأسالِيبِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْها الكُتُبُ السّابِقَةُ كانَتِ الطَّرِيقَةُ (p-٤١)الَّتِي يَهْدِي إلى سُلُوكِها أقْوَمَ مِنَ الطَّرائِقِ الأُخْرى، وإنْ كانَتِ الغايَةُ المَقْصُودُ الوُصُولُ إلَيْها واحِدَةً.
وهَذا وصْفٌ إجْمالِيٌّ لِمَعْنى هِدايَتِهِ إلى الَّتِي هي أقْوَمُ لَوْ أُرِيدَ تَفْصِيلُهُ لاقْتَضى أسْفارًا، وحَسْبُكَ مِثالًا لِذَلِكَ أسالِيبُ القُرْآنِ في سَدِّ مَسالِكِ الشِّرْكِ بِحَيْثُ سَلِمَتْ هَذِهِ الآيَةُ في جَمِيعِ أطْوارِها مِنَ التَّخْلِيطِ بَيْنَ التَّقْدِيسِ البَشَرِيِّ، وبَيْنَ التَّمْجِيدِ الإلَهِيِّ، فَلَمْ تَنْزِلْ إلى حَضِيضِ الشِّرْكِ بِحالٍ، فَمَحَلُّ التَّفْضِيلِ هو وسائِلُ الوُصُولِ إلى الغايَةِ مِنَ الحَقِّ والصِّدْقِ، ولَيْسَ مَحَلُّ التَّفْضِيلِ تِلْكَ الغايَةَ حَتّى يُقالَ: إنَّ الحَقَّ لا يَتَفاوَتُ.
والأجْرُ الكَبِيرُ فُسِّرَ بِالجَنَّةِ، والعَذابُ الألِيمُ بِجَهَنَّمَ، والأظْهَرُ أنْ يُحْمَلَ عَلى عُمُومِ الأجْرِ والعَذابِ، فَيَشْمَلَ أجْرَ الدُّنْيا وعَذابَها، وهو المُناسِبُ لِما تَقَدَّمَ مِن سَعادَةِ عَيْشِ بَنِي إسْرائِيلَ وشَقائِهِ، فَجَعَلَ اخْتِلافَ الحالَيْنِ فِيهِما مَوْعِظَةً لِحالَيِ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ.
(﴿وأنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾) عَطْفٌ عَلى (﴿أنَّ لَهم أجْرًا كَبِيرًا﴾)؛ لِأنَّهُ مِن جُمْلَةِ البِشارَةِ، إذِ المُرادُ بِالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، وهم أعْداءُ المُؤْمِنِينَ، فَلا جَرَمَ أنَّ عَذابَ العَدُوِّ بِشارَةٌ لِمَن عاداهُ.
والِاقْتِصارُ عَلى هَذَيْنِ الفَرِيقَيْنِ هو مُقْتَضى المَقامِ لِمُناسَبَةِ تَكْذِيبِ المُشْرِكِينَ بِالإسْراءِ، فَلا غَرَضَ في الإعْلامِ بِحالِ أهْلِ الكِتابِ.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ وَیُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَبِیرࣰا","وَأَنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا"],"ayah":"إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ وَیُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق