الباحث القرآني
﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] فَإنَّهُ في تَقْدِيرِ جُمْلَةٍ لِكَوْنِهِ مَعْمُولًا لِفِعْلِ أقِمْ.
وقُدِّمَ المَجْرُورُ المُتَعَلِّقُ بِ تَهَجَّدْ عَلى مُتَعَلِّقِهِ اهْتِمامًا بِهِ وتَحْرِيضًا عَلَيْهِ، وبِتَقْدِيمِهِ اكْتَسَبَ مَعْنى الشَّرْطِ والجَزاءِ فَجُعِلَ مُتَعَلِّقُهُ بِمَنزِلَةِ الجَزاءِ؛ فَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فاءُ الجَزاءِ، وهَذا مُسْتَعْمَلٌ في الظُّرُوفِ والمَجْرُوراتِ المُتَقَدِّمَةِ عَلى مُتَعَلِّقاتِها، وهو اسْتِعْمالٌ فَصِيحٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ [المطففين: ٢٦] وقَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ: «فَفِيهِما فَجاهِدْ»، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَما اسْتَقامُوا لَكم فاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧] في سُورَةِ بَراءَةَ.
وجَعَلَ الزَّجّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ قَوْلَهُ ﴿ومِنَ اللَّيْلِ﴾ في مَعْنى الإغْراءِ بِناءً عَلى أنَّ نَصْبَ ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] عَلى الإغْراءِ فَيَكُونُ ﴿فَتَهَجَّدْ﴾ تَفْرِيعًا عَلى الإغْراءِ تَفْرِيعَ مُفَصَّلٍ عَلى مُجْمَلٍ، وتَكُونُ (مِن) اسْمًا بِمَعْنى (بَعْضٍ) كالَّتِي في قَوْلِهِ ﴿مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ﴾ [النساء: ٤٦] وهو أيْضًا حَسَنٌ.
وضَمِيرُ بِهِ لِلْقُرْآنِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ ﴿وقُرْآنَ الفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] وإنْ كانَ المَعادُ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ في الفَجْرِ، والمَذْكُورُ هُنا مُرادًا مُطْلَقُهُ، كَقَوْلِكَ، عِنْدِي دِرْهَمٌ ونِصْفُهُ، أيْ نِصْفُ دِرْهَمٍ لا نِصْفُ الدِّرْهَمِ الَّذِي عِنْدَكَ، والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ.
(p-١٨٥)والتَّهَجُّدُ: الصَّلاةُ في أثْناءِ اللَّيْلِ، وهو اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الهُجُودِ، وهو النَّوْمُ فَمادَّةُ التَّفَعُّلِ فِيهِ لِلْإزالَةِ مِثْلَ التَّحَرُّجِ والأتَمِّ، والنّافِلَةُ: الزِّيادَةُ مِنَ الأمْرِ المَحْبُوبِ.
واللّامُ في لَكَ مُتَعَلِّقَةٌ بِ نافِلَةً وهي لامُ العِلَّةِ، أيْ نافِلَةً لِأجْلِكَ، وفي هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ الأمْرَ بِالتَّهَجُّدِ خاصٌّ بِالنَّبِيءِ ﷺ فالأمْرُ لِلْوُجُوبِ، وبِذَلِكَ انْتَظَمَ في عِدادِ الصَّلَواتِ الواجِبَةِ، فَبَعْضُها واجِبٌ عَلَيْهِ، وعَلى الأُمَّةِ، وبَعْضُها واجِبٌ عَلَيْهِ خاصَّةً ويُعْلَمُ مِنهُ أنَّهُ مُرَغَّبٌ فِيهِ كَما صَرَّحَتْ بِهِ آيَةُ سُورَةِ المُزَّمِّلِ ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ وطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾ [المزمل: ٢٠] إلى قَوْلِهِ ﴿ما تَيَسَّرَ مِنهُ﴾ [المزمل: ٢٠]، وفي هَذا الإيجابِ عَلَيْهِ زِيادَةُ تَشْرِيفٍ لَهُ، ولِهَذا أُعْقِبَ بِوَعْدِ أنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ مَقامًا مَحْمُودًا، فَجُمْلَةُ ﴿عَسى أنْ يَبْعَثَكَ﴾ تَعْلِيلٌ لِتَخْصِيصِهِ بِإيجابِ التَّهَجُّدِ عَلَيْهِ، والرَّجاءُ مِنَ اللَّهِ تَعالى وعْدٌ، فالمَعْنى: لِيَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا.
والمَقامُ: مَحَلُّ القِيامِ، والمُرادُ بِهِ المَكانُ المَعْدُودُ لِأمْرٍ عَظِيمٍ؛ لِأنَّهُ مِن شَأْنِهِ أنْ يَقُومَ النّاسُ فِيهِ ولا يَجْلِسُوا، وإلّا فَهو المَجْلِسُ.
وانْتَصَبَ مَقامًا عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِ يَبْعَثَكَ.
ووَصْفُ المَقامِ بِالمَحْمُودِ وصْفٌ مَجازِيٌّ، والمَحْمُودُ مَن يَقُومُ فِيهِ، أيْ يُحْمَدُ أثَرُهُ فِيهِ، وذَلِكَ لِغَنائِهِ عَنْ أصْحابِ ذَلِكَ المَقامِ، ولِذَلِكَ فُسِّرَ المَقامُ المَحْمُودُ بِالشَّفاعَةِ العُظْمى.
وفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ النّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ القِيامَةِ جُثًا بِضَمِّ الجِيمِ وتَخْفِيفِ المُثَلَّثَةِ أيْ جَماعاتٍ، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّها، يَقُولُونَ: يا فُلانُ اشْفَعْ حَتّى تَنْتَهِيَ الشَّفاعَةُ إلى النَّبِيءِ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ المَقامَ المَحْمُودَ» . وفي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ (p-١٨٦)ﷺ في قَوْلِهِ ﴿عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾، قالَ: هي الشَّفاعَةُ»، قالَ: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقَدْ ورَدَ وصْفُ الشَّفاعَةِ في صَحِيحِ البُخارِيِّ مُفَصَّلًا، وذَلِكَ مَقامٌ يَحْمَدُهُ فِيهِ كُلُّ أهْلِ المَحْشَرِ.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةࣰ لَّكَ عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامࣰا مَّحۡمُودࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق