الباحث القرآني
﴿قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما تَقُولُونَ إذًا لابْتَغَوْا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلًا﴾ عَوْدٌ إلى إبْطالِ تَعَدُّدِ الآلِهَةِ؛ زِيادَةً في اسْتِئْصالِ عَقائِدِ المُشْرِكِينَ مِن عُرُوقِها، فالجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ بَعْدَ جُمْلَةِ ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتُلْقى في جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: ٣٩]، والمُخاطَبُ بِالأمْرِ بِالقَوْلِ هو النَّبِيءُ ﷺ لِدَمْغِهِمْ بِالحُجَّةِ المُقْنِعَةِ بِفَسادِ قَوْلِهِمْ، ولِلِاهْتِمامِ بِها افْتُتِحَتْ بِ قُلْ؛ تَخْصِيصًا لِهَذا بِالتَّبْلِيغِ، وإنْ كانَ جَمِيعُ القُرْآنِ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِهِ.
وجُمْلَةُ ﴿كَما تَقُولُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ تَعَدُّدَ الآلِهَةِ لا تَحَقُّقَ لَهُ، وإنَّما هو مُجَرَّدُ قَوْلٍ عارٍ عَنِ المُطابَقَةِ لِما في نَفْسِ الأمْرِ.
وابْتِغاءُ السَّبِيلِ: طَلَبُ طَرِيقِ الوُصُولِ إلى الشَّيْءِ، أيْ تَوَخِّيهِ والِاجْتِهادِ لِإصابَتِهِ، وهو هُنا مَجازٌ في تَوَخِّي وسِيلَةِ الشَّيْءِ، وقَدْ جاءَ في حَدِيثِ «مُوسى والخَضِرِ عَلَيْهِما السَّلامُ أنَّ مُوسى سَألَ السَّبِيلَ إلى لُقْيا الخَضِرِ» .
و(إذَنْ) دالَّةٌ عَلى الجَوابِ والجَزاءِ فَهي مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنى الجَوابِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ اللّامُ المُقْتَرِنَةُ بِجَوابِ (لَوْ) الِامْتِناعِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى امْتِناعِ حُصُولِ (p-١١١)جَوابِها لِأجْلِ امْتِناعِ وُقُوعِ شَرْطِها، وزائِدَةٌ بِأنَّها تُفِيدُ أنَّ الجَوابَ جَزاءٌ عَنِ الكَلامِ المُجابِ، فالمَقْصُودُ الِاسْتِدْلالُ عَلى انْتِفاءِ إلَهِيَّةِ الأصْنامِ، والمَلائِكَةِ الَّذِينَ جَعَلُوهم آلِهَةً.
وهَذا الِاسْتِدْلالُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مَآلُهُما واحِدٌ: المَعْنى الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالسَّبِيلِ سَبِيلَ السَّعْيِ إلى الغَلَبَةِ والقَهْرِ، أيْ لَطَلَبُوا مُغالَبَةَ ذِي العَرْشِ وهو اللَّهُ تَعالى، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وما كانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذَنْ لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون: ٩١]، ووَجْهُ المُلازَمَةِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْها الدَّلِيلُ أنَّ مِن شَأْنِ أهْلِ السُّلْطانِ في العُرْفِ والعادَةِ أنْ يَتَطَلَّبُوا تَوْسِعَةَ سُلْطانِهِمْ ويَسْعى بَعْضُهم إلى بَعْضٍ بِالغَزْوِ، ويَتَألَّبُوا عَلى السُّلْطانِ الأعْظَمِ لِيَسْلُبُوهُ مُلْكَهُ أوْ بَعْضَهُ، وقَدِيمًا ما ثارَتِ الأُمَراءُ والسَّلاطِينُ عَلى مَلِكِ المُلُوكِ وسَلَبُوهُ مُلْكَهُ، فَلَوْ كانَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةٌ لَسَلَكُوا عادَةَ أمْثالِهِمْ.
وتَمامُ الدَّلِيلِ مَحْذُوفٌ لِلْإيجازِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ ما يَسْتَلْزِمُهُ ابْتِغاءُ السَّبِيلِ عَلى هَذا المَعْنى مِنَ التَّدافُعِ والتَّغالُبِ اللّازِمَيْنِ عُرْفًا لِحالَةِ طَلَبِ سَبِيلِ النُّزُولِ بِالقَرْيَةِ أوِ الحَيِّ لِقَصْدِ الغَزْوِ، وذَلِكَ المُفْضِي إلى اخْتِلالِ العالَمِ لِاشْتِغالِ مُدَبِّرِيهِ بِالمُقاتَلَةِ، والمُدافَعَةِ عَلى نَحْوِ ما يُوجَدُ في مِيثُلُوجِيا اليُونانِ مِن تَغالُبِ الأرْبابِ، وكَيْدِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَيَكُونُ هَذا في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلّا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، وهو الدَّلِيلُ المُسَمّى بِبُرْهانِ التَّمانُعِ في عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ، فالسَّبِيلُ عَلى هَذا المَعْنى مَجازٌ عَنِ التَّمَكُّنِ والظَّفَرِ بِالمَطْلُوبِ، والِابْتِغاءُ عَلى هَذا ابْتِغاءٌ عَنْ عَداوَةٍ وكَراهَةٍ.
وقَوْلُهُ ﴿كَما تَقُولُونَ﴾ عَلى هَذا الوَجْهِ تَنْبِيهٌ عَلى خَطَئِهِمْ، وهو مِنِ اسْتِعْمالِ المَوْصُولِ في التَّنْبِيهِ عَلى الخَطَأِ.
والمَعْنى الثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالسَّبِيلِ سَبِيلَ الوُصُولِ إلى ذِي العَرْشِ، وهو اللَّهُ تَعالى وُصُولَ الخُضُوعِ والِاسْتِعْطافِ والتَّقَرُّبِ، أيْ لَطَلَبُوا ما يُوَصِّلُهم إلى مَرْضاتِهِ كَقَوْلِهِ ﴿يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] .
(p-١١٢)ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ أنَّكم جَعَلْتُمُوهم آلِهَةً، وقُلْتُمْ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيَكُونُوا شُفَعاءَنا عِنْدَ اللَّهِ، فَلَوْ كانُوا آلِهَةً كَما وصَفْتُمْ إلَهِيَّتَهم لَكانُوا لا غِنى لَهم عَنِ الخُضُوعِ إلى اللَّهِ، وذَلِكَ كافٍ لَكم بِفَسادِ قَوْلِكم، إذِ الإلَهِيَّةُ تَقْتَضِي عَدَمَ الِاحْتِياجِ؛ فَكانَ مَآلُ قَوْلِكم إنَّهم عِبادٌ لِلَّهِ مُكْرَمُونَ عِنْدَهُ، وهَذا كافٍ في تَفَطُّنِكم لِفَسادِ القَوْلِ بِإلَهِيَّتِهِمْ.
والِابْتِغاءُ عَلى هَذا ابْتِغاءُ مَحَبَّةٍ ورَغْبَةٍ، كَقَوْلِهِ ﴿فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [المزمل: ١٩]، وقَرِيبٌ مِن مَعْناهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦]، فالسَّبِيلُ عَلى هَذا المَعْنى مَجازٌ عَنِ التَّوَسُّلِ إلَيْهِ والسَّعْيِ إلى مَرْضاتِهِ.
وقَوْلُهُ ﴿كَما تَقُولُونَ﴾ عَلى هَذا المَعْنى تُفِيدُ لِلْكَوْنِ في قَوْلِهِ ﴿لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ﴾ أيْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ حالَ كَوْنِهِمْ كَما تَقُولُونَ، أيْ كَما تَصِفُونَ إلَهِيَّتَهم مِن قَوْلِكم ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] .
واسْتِحْضارُ الذّاتِ العَلِيَّةِ بِوَصْفِ ﴿ذِي العَرْشِ﴾ دُونَ اسْمِهِ العَلَمِ لِما تَتَضَمَّنُهُ الإضافَةُ إلى العَرْشِ مِنَ الشَّأْنِ الجَلِيلِ، الَّذِي هو مَثارُ حَسَدِ الآلِهَةِ إيّاهُ، وطَمَعِهِمْ في انْتِزاعِ مُلْكِهِ عَلى المَعْنى الأوَّلِ، أوِ الَّذِي هو مَطْمَعُ الآلِهَةِ الِابْتِغاءُ مِن سِعَةِ ما عِنْدَهُ عَلى المَعْنى الثّانِي.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿كَما تَقُولُونَ﴾ بِتاءِ الخِطابِ عَلى الغالِبِ في حِكايَةِ القَوْلِ المَأْمُورِ بِتَبْلِيغِهِ أنْ يُحْكى كَما يَقُولُ المُبَلِّغُ حِينَ إبْلاغِهِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وحَفْصٌ بِياءِ الغَيْبَةِ عَلى الوَجْهِ الآخَرِ في حِكايَةِ القَوْلِ المَأْمُورِ بِإبْلاغِهِ لِلْغَيْرِ أنْ يُحْكى بِالمَعْنى؛ لِأنَّ في حالِ خِطابِ الآمِرِ المَأْمُورَ بِالتَّبْلِيغِ يَكُونُ المُبَلَّغُ لَهُ غائِبًا، وإنَّما يَصِيرُ مُخاطَبًا عِنْدَ التَّبْلِيغِ، فَإذا لُوحِظَ حالُهُ هَذا عُبِّرَ عَنْهُ بِطَرِيقِ الغَيْبَةِ كَما قُرِئَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ [آل عمران: ١٢] بِالتّاءِ وبِالياءِ أوْ عَلى قَوْلِهِ ﴿كَما يَقُولُونَ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ شَرْطِ (لَوْ) وجَوابِهِ.
{"ayah":"قُل لَّوۡ كَانَ مَعَهُۥۤ ءَالِهَةࣱ كَمَا یَقُولُونَ إِذࣰا لَّٱبۡتَغَوۡا۟ إِلَىٰ ذِی ٱلۡعَرۡشِ سَبِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق