الباحث القرآني
(p-١٠٧)﴿أفَأصْفاكم رَبُّكم بِالبَنِينَ واتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إناثًا إنَّكم لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ تَفْرِيعٌ عَلى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلى تَقْدِيرِهِ المُفَرَّعِ عَلَيْهِ، والتَّقْدِيرُ: أفَضَّلَكُمُ اللَّهُ فَأعْطاكُمُ البَنِينَ، وجَعَلَ لِنَفْسِهِ البَناتِ، ومُناسَبَتُهُ لِما قَبْلَهُ أنَّ نِسْبَةَ البَناتِ إلى اللَّهِ ادِّعاءُ آلِهَةٍ تَنْتَسِبُ إلى اللَّهِ بِالبُنُوَّةِ، إذْ عَبَدَ فَرِيقٌ مِنَ العَرَبِ المَلائِكَةَ كَما عَبَدُوا الأصْنامَ، واعْتَلُّوا لِعِبادَتِهِمْ بِأنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ تَعالى كَما حَكى عَنْهم في قَوْلِهِ ﴿وجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هم عند الرَّحْمَنِ إناثًا﴾ [الزخرف: ١٩] إلى قَوْلِهِ ﴿وقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠]، فَلَمّا نُهُوا عَنْ أنْ يَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ خَصَّصَ بِالتَّحْذِيرِ عِبادَةَ المَلائِكَةِ؛ لِئَلّا يَتَوَهَّمُوا أنَّ عِبادَةَ المَلائِكَةِ لَيْسَتْ كَعِبادَةِ الأصْنامِ؛ لِأنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ لِيَتَوَهَّمُوا أنَّ اللَّهَ يَرْضى بِأنْ يَعْبُدُوا أبْناءَهُ.
وقَدْ جاءَ إبْطالُ عِبادَةِ المَلائِكَةِ بِإبْطالِ أصْلِها في مُعْتَقَدِهِمْ، وهو أنَّهم بَناتُ اللَّهِ، فَإذا تَبَيَّنَّ بُطْلانُ ذَلِكَ عَلِمُوا أنَّ جَعْلَهُمُ المَلائِكَةَ آلِهَةً يُساوِي جَعْلَهُمُ الأصْنامَ آلِهَةً.
فَجُمْلَةُ ﴿أفَأصْفاكم رَبُّكم بِالبَنِينَ﴾ إلى آخِرِها مُتَفَرِّعَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ [الإسراء: ٣٩] تَفْرِيعًا عَلى النَّهْيِ كَما بَيَّنّاهُ بِاعْتِبارِ أنَّ المَنهِيَّ عَنْهُ مُشْتَمِلٌ عُمُومُهُ عَلى هَذا النَّوْعِ الخاصِّ الجَدِيرِ بِتَخْصِيصِهِ بِالإنْكارِ، وهو شَبِيهٌ بِبَدَلِ البَعْضِ، فالفاءُ لِلتَّفْرِيعِ، وحَقُّها أنْ تَقَعَ في أوَّلِ جُمْلَتِها، ولَكِنْ أخَّرَها أنَّ لِلِاسْتِفْهامِ الصَّدْرَ في أُسْلُوبِ الكَلامِ العَرَبِيِّ، وهَذا هو الوَجْهُ الحَسَنُ في مَوْقِعِ حُرُوفِ العَطْفِ مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ.
وبَعْضُ الأيِمَّةِ يَجْعَلُ الِاسْتِفْهامَ في مِثْلِ هَذا اسْتِفْهامًا عَلى المَعْطُوفِ والعاطِفِ، والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ وتَهَكُّمٌ.
(p-١٠٨)والإصْفاءُ: جَعْلُ الشَّيْءِ صَفْوًا، أيْ خالِصًا. وتَعْدِيَةُ أصْفى إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ عَلى طَرِيقَةِ الحَذْفِ والإيصالِ، وأصْلُهُ: أفَأصْفى لَكم، وقَوْلُهُ بِالبَنِينَ الباءُ فِيهِ إمّا مَزِيدَةٌ لِتَوْكِيدِ لُصُوقِ فِعْلِ أصْفى بِمَفْعُولِهِ، وأصْلُهُ: أفَأصْفى لَكم رَبُّكُمُ البَنِينَ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]؛ أوْ ضَمَّنَ أصْفى مَعْنى آثَرَ فَتَكُونُ الباءُ لِلتَّعْدِيَةِ دالَّةً عَلى مَعْنى الِاخْتِصاصِ بِمَجْرُورِها، فَصارَ أصْفى مَعَ مُتَعَلِّقِهِ بِمَنزِلَةِ فِعْلَيْنِ، أيْ قَصَرَ البَنِينَ عَلَيْكم دُونَهُ، أيْ جَعَلَ لَكُمُ البَنِينَ خالِصَةً لا يُساوِيكم هو بِأمْثالِهِمْ، وجَعَلَ لِنَفْسِهِ الإناثَ الَّتِي تَكْرَهُونَها، وفَسادُ ذَلِكَ ظاهِرٌ بِأدْنى نَظَرٍ، فَإذا تَبَيَّنَ فَسادُهُ عَلى هَذا الوَضْعِ فَقَدْ تَبَيَّنَ انْتِفاءُ وُقُوعِهِ؛ إذْ هو غَيْرُ لائِقٍ بِجَلالِ اللَّهِ تَعالى، وقَدْ تَقَدَّمَ هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهم ما يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] في سُورَةِ النَّحْلِ، وقَوْلِهِ ﴿إنْ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إلّا إناثًا﴾ [النساء: ١١٧] في سُورَةِ النِّساءِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّكم لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ تَقْرِيرٌ لِمَعْنى الإنْكارِ وبَيانٌ لَهُ، أيْ تَقُولُونَ: اتَّخَذَ اللَّهُ المَلائِكَةَ بَناتٍ، وأكَّدَ فِعْلَ تَقُولُونَ بِمَصْدَرِهِ تَأْكِيدًا لِمَعْنى الإنْكارِ، وجَعَلَهُ مُجَرَّدَ قَوْلٍ؛ لِأنَّهُ لا يَعْدُو أنْ يَكُونَ كَلامًا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ؛ لِأنَّهُ لَوْ تَأمَّلَهُ قائِلُهُ أدْنى تَأمُّلٍ لَوَجَدَهُ غَيْرَ داخِلٍ تَحْتَ قَضايا المَقْبُولِ عَقْلًا.
والعَظِيمُ: القَوِيُّ، والمُرادُ هُنا أنَّهُ عَظِيمٌ في الفَسادِ والبُطْلانِ بِقَرِينَةِ سِياقِ الإنْكارِ، ولا أبْلَغُ في تَقْبِيحِ قَوْلِهِمْ مِن وصْفِهِ بِالعَظِيمِ؛ لِأنَّهُ قَوْلٌ مَدْخُولٌ مِن جَوانِبِهِ؛ لِاقْتِضائِهِ إيثارَ اللَّهِ بِأدْوَنِ صِنْفَيِ البُنُوَّةِ مَعَ تَخْوِيلِهِمُ الصِّنْفَ الأشْرَفَ، ثُمَّ ما يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ مِن نِسْبَتِهِ خَصائِصَ الأجْسامِ لِلَّهِ تَعالى مِن تَرْكِيبٍ وتَوَلُّدٍ واحْتِياجٍ إلى الأبْناءِ لِلْإعانَةِ ولِيُخَلِّفُوا الأصْلَ بَعْدَ زَوالِهِ، فَأيُّ فَسادٍ أعْظَمُ مِن هَذا.
وفِي قَوْلِهِ اتَّخَذَ إيماءٌ إلى فَسادٍ آخَرَ، وهو أنَّهم يَقُولُونَ ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾ [البقرة: ١١٦]، والِاتِّخاذُ يَقْتَضِي أنَّهُ خَلَقَهُ لِيَتَّخِذَهُ، وذَلِكَ يُنافِي التَّوَلُّدَ فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ (p-١٠٩)ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِمُ: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ مِن سَرَواتِ الجِنِّ، وكَيْفَ يَخْلُقُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَكُونُ ابْنًا لَهُ فَذَلِكَ في البُطْلانِ ضِغْثٌ عَلى إبّالَةٍ.
{"ayah":"أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِینَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنَـٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق