الباحث القرآني
﴿ولا تَتَّخِذُوا أيْمانَكم دَخَلًا بَيْنَكم فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ولَكم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ لَمّا حَذَّرَهم مِنَ النَّقْضِ الَّذِي يَئُولُ إلى اتِّخاذِ أيْمانِهِمْ دَخَلًا فِيهِمْ، وأشارَ بِالإجْمالِ إلى ما في ذَلِكَ مِنَ الفَسادِ فِيهِمْ، أعادَ الكَرَّةَ إلى بَيانِ عاقِبَةِ ذَلِكَ الصَّنِيعِ إعادَةً تُفِيدُ التَّصْرِيحَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وتَأْكِيدَ التَّحْذِيرِ، وتَفْصِيلَ الفَسادِ في الدُّنْيا، وسُوءَ العاقِبَةِ في الآخِرَةِ، فَكانَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ولا تَتَّخِذُوا﴾ تَصْرِيحًا بِالنَّهْيِ، وقَوْلُهُ تَعالى ﴿تَتَّخِذُوا أيْمانَكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ ﴿تَتَّخِذُونَ أيْمانَكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾ [النحل: ٩٢]، وكانَ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تَفْصِيلًا لِما أُجْمِلَ في مَعْنى الدَّخَلِ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ولَكم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ المَعْطُوفُ عَلى التَّفْرِيعِ وعِيدٌ بِعِقابِ الآخِرَةِ، وبِهَذا التَّصْدِيرِ وهَذا التَّفْرِيعِ النّاشِئِ عَنْ جُمْلَةِ ﴿ولا تَتَّخِذُوا أيْمانَكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾ فارَقَتْ هَذِهِ نَظِيرَتَها السّابِقَةَ بِالتَّفْصِيلِ والزِّيادَةِ، فَحُقَّ أنْ تُعْطَفَ عَلَيْها لِهَذِهِ المُغايَرَةِ، وإنْ كانَ شَأْنُ الجُمْلَةِ المُؤَكَّدَةِ أنْ لا تُعْطَفَ.
والزَّلَلُ: تَزَلُّقُ الرِّجْلِ وتَنَقُّلُها مِن مَوْضِعِها دُونَ إرادَةِ صاحِبِها؛ بِسَبَبِ مَلاسَةِ الأرْضِ مِن طِينٍ رَطْبٍ، أوْ تَخَلْخُلِ حَصًى أوْ حَجَرٍ مِن تَحْتِ القَدَمِ فَيَسْقُطُ الماشِي عَلى الأرْضِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأزَلَّهُما الشَّيْطانُ عَنْها﴾ [البقرة: ٣٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
(p-٢٦٩)وزَلَلُ القَدَمِ تَمْثِيلٌ لِاخْتِلالِ الحالِ، والتَّعَرُّضِ لِلضُّرِّ؛ لِأنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ السُّقُوطُ أوِ الكَسْرُ، كَما أنَّ ثُبُوتَ القَدَمِ تَمَكُّنُ الرِّجْلِ مِنَ الأرْضِ، وهو تَمْثِيلٌ لِاسْتِقامَةِ الحالِ، ودَوامِ السَّيْرِ.
ولَمّا كانَ المَقْصُودُ تَمْثِيلَ ما يَجُرُّهُ نَقْضُ الأيْمانِ مِنَ الدَّخَلِ شُبِّهَتْ حالُهم بِحالِ الماشِي في طَرِيقٍ بَيْنَما كانَتْ قَدَمُهُ ثابِتَةً إذا هي قَدْ زَلَّتْ بِهِ فَصُرِعَ، فالمُشَبَّهُ بِها حالُ رَجُلٍ واحِدٍ، ولِذَلِكَ نُكِّرَتْ (قَدَمٌ) وأُفْرِدَتْ، إذْ لَيْسَ المَقْصُودُ قَدَمًا مَعْنِيَّةً، ولا عَدَدًا مِنَ الأقْدامِ، فَإنَّكَ تَقُولُ لِجَماعَةٍ يَتَرَدَّدُونَ في أمْرٍ: أراكم تُقَدِّمُونَ رِجْلًا، وتُؤَخِّرُونَ أُخْرى؛ تَمْثِيلًا لِحالِهِمْ بِحالِ الشَّخْصِ المُتَرَدِّدِ في المَشْيِ إلى الشَّيْءِ.
وزِيادَةُ ﴿بَعْدَ ثُبُوتِها﴾ مَعَ أنَّ الزَّلَلَ لا يُتَصَوَّرُ إلّا بَعْدَ الثُّبُوتِ؛ لِتَصْوِيرِ اخْتِلافِ الحالَيْنِ، وأنَّهُ انْحِطاطٌ مَن حالِ سَعادَةٍ إلى حالِ شَقاءٍ، ومَن حالِ سَلامَةٍ إلى حالِ مِحْنَةٍ.
والثُّبُوتُ: مَصْدَرُ ثَبَتَ كالثَّباتِ، وهو الرُّسُوخُ، وعَدَمُ التَّنَقُّلِ، وخَصَّ المُتَأخِّرُونَ مِنَ الكُتّابِ الثُّبُوتَ الَّذِي بِالواوِ بِالمَعْنى المَجازِيِّ، وهو التَّحَقُّقُ مِثْلُ ثُبُوتِ عَدالَةِ الشّاهِدِ لَدى القاضِي، وخَصُّوا الثَّباتَ الَّذِي بِالألِفِ بِالمَعْنى الحَقِيقِيِّ، وهي تَفْرِقَةٌ حَسَنَةٌ.
والذَّوْقُ: مُسْتَعارٌ لِلْإحْساسِ القَوِيِّ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لِيَذُوقَ وبالَ أمْرِهِ﴾ [المائدة: ٩٥]، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ العُقُودِ.
والسُّوءُ: ما يُؤْلِمُ، والمُرادُ بِهِ: ذَوْقُ السُّوءِ في الدُّنْيا مِن مُعامَلَتِهِمْ مُعامَلَةَ النّاكِثِينَ عَنِ الدِّينِ أوِ الخائِنِينَ عُهُودَهم.
و(صَدَدْتُمْ) هُنا قاصِرٌ، أيْ بِكَوْنِهِمْ مُعْرِضِينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وتَقَدَّمَ آنِفًا، ذَلِكَ أنَّ الآياتِ جاءَتْ في الحِفاظِ عَلى العَهْدِ الَّذِي يُعاهِدُونَ اللَّهَ عَلَيْهِ، أيْ عَلى التَّمَسُّكِ بِالإسْلامِ.
فَسَبِيلُ اللَّهِ: هو دِينُ الإسْلامِ.
(p-٢٧٠)وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ولَكم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ هو عَذابُ الآخِرَةِ عَلى الرُّجُوعِ إلى الكُفْرِ أوْ عَلى مَعْصِيَةِ غَدْرِ العَهْدِ.
وقَدْ عَصَمَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ مِنَ الِارْتِدادِ مُدَّةَ مَقامِ النَّبِيءِ ﷺ، وما ارْتَدَّ أحَدٌ إلّا بَعْدَ الهِجْرَةِ حِينَ ظَهَرَ النِّفاقُ، فَكانَتْ فَلْتَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أبِي سَرْحٍ واحِدَةً في المُهاجِرِينَ، وقَدْ تابَ، وقَبِلَ تَوْبَتَهُ النَّبِيءُ ﷺ .
{"ayah":"وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ أَیۡمَـٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَیۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا۟ ٱلسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق