الباحث القرآني
﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأتى اللَّهُ بُنْيانَهم مِنَ القَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وأتاهُمُ العَذابُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾
لَمّا ذَكَرَ عاقِبَةَ إضْلالِهِمْ وصَدِّهِمُ السّائِلِينَ عَنِ القُرْآنِ والإسْلامِ في الآخِرَةِ أتْبَعَ بِالتَّهْدِيدِ بِأنْ يَقَعَ لَهم ما وقَعَ فِيهِ أمْثالُهم في الدُّنْيا مِنَ الخِزْيِ والعَذابِ مَعَ التَّأْيِيسِ مِن أنْ يَبْلُغُوا بِصُنْعِهِمْ ذَلِكَ مَبْلَغَ مُرادِهِمْ، وأنَّهم خائِبُونَ في صُنْعِهِمْ كَما خابَ مِن قَبْلِهِمُ الَّذِينَ مَكَرُوا بِرُسُلِهِمْ.
ولَمّا كانَ جَوابُهُمُ السّائِلِينَ عَنِ القُرْآنِ بِقَوْلِهِمْ هو ﴿أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] مُظْهِرِينَهُ بِمَظْهَرِ النَّصِيحَةِ والإرْشادِ، وهم يُرِيدُونَ الِاسْتِبْقاءَ عَلى كُفْرِهِمْ، سُمِّيَ ذَلِكَ (p-١٣٤)مَكْرًا بِالمُؤْمِنِينَ، إذِ المَكْرُ إلْحاقُ الضُّرِّ بِالغَيْرِ في صُورَةِ تَمْوِيهِهِ بِالنُّصْحِ والنَّفْعِ، فَنُظِّرَ فِعْلُهم بِمَكْرِ مَن قَبْلَهم، أيْ مِنَ الأُمَمِ السّابِقَةِ الَّذِينَ مَكَرُوا بِغَيْرِهِمْ مِثْلُ قَوْمِ هُودٍ، وقَوْمِ صالِحٍ، وقَوْمِ لُوطٍ، وقَوْمِ فِرْعَوْنَ، قالَ تَعالى في قَوْمِ صالِحٍ ﴿ومَكَرُوا مَكْرًا ومَكَرْنا مَكْرًا﴾ [النمل: ٥٠] الآيَةَ، وقالَ ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ أكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وما يَمْكُرُونَ إلّا بِأنْفُسِهِمْ وما يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٣] .
فالتَّعْرِيفُ بِالمَوْصُولِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ مُساوٍ لِلتَّعْرِيفِ بِلامِ الجِنْسِ.
ومَعْنى ﴿فَأتى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ﴾ اسْتِعارَةٌ بِتَشْبِيهِ القاصِدِ لِلِانْتِقامِ بِالجائِي نَحْوَ المُنْتَقَمِ مِنهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَأتاهُمُ اللَّهُ مِن حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ [الحشر: ٢] .
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَأتى اللَّهُ بُنْيانَهم مِنَ القَواعِدِ﴾ تَمْثِيلٌ لِحالاتِ اسْتِئْصالِ الأُمَمِ، فالبُنْيانُ مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ، أيِ المَبْنِيِّ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِلْقُوَّةِ والعِزَّةِ والمَنَعَةِ وعُلُوِّ القَدْرِ.
وإطْلاقُ البِناءِ عَلى مِثْلِ هَذا وارِدٌ في فَصِيحِ الكَلامِ، قالَ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ:
؎فَما كانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحِدٍ ولَكِنَّهُ بُنْيانُ قَـوْمٍ تَـهَـدَّمَـا
وقالَتْ سُعْدَةُ أُمُّ الكُمَيْتِ بْنِ مَعْرُوفٍ:
؎بَنى لَكَ مَعْرُوفٌ بِناءً هَدَمْتَهُ ∗∗∗ ولِلشَّرَفِ العادِيِّ بانٍ وهادِمِ
ومِنَ القَواعِدِ مُتَعَلِّقٌ بِـ أتى، (ومِن) ابْتِدائِيَّةٌ، ومَجْرُورُها هو مَبْدَأُ الإتْيانِ الَّذِي هو بِمَعْنى الِاسْتِئْصالِ، فَهو في مَعْنى هَدْمِهِ.
والقَواعِدُ: الأُسُسُ والأساطِينُ الَّتِي تُجْعَلُ عُمُدًا لِلْبِناءِ يُقامُ عَلَيْها السَّقْفُ، وهو تَخْيِيلٌ أوْ تَرْشِيحٌ، إذْ لَيْسَ في الكَلامِ شَيْءٌ يُشَبَّهُ بِالقَواعِدِ.
والخُرُورُ: السُّقُوطُ والهُوِيُّ، فَفِعْلُ خَرَّ مُسْتَعارٌ لِزَوالِ ما بِهِ المَنَعَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهم بِأيْدِيهِمْ﴾ [الحشر: ٢] . (p-١٣٥)والسَّقْفُ: حَقِيقَتُهُ غِطاءُ الفَراغِ الَّذِي بَيْنَ جُدْرانِ البَيْتِ، يُجْعَلُ عَلى الجُدْرانِ، وتَكُونُ مِن حَجَرٍ ومِن أعْوادٍ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِما اسْتُعِيرَ لَهُ البِناءُ.
ومِن فَوْقِهِمْ تَأْكِيدٌ لِجُمْلَةِ ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ﴾ .
ومِن مَجْمُوعِ هَذِهِ الِاسْتِعاراتِ تَتَرَكَّبُ الِاسْتِعارَةُ التَّمْثِيلِيَّةُ، وهي تَشْبِيهُ هَيْئَةِ القَوْمِ الَّذِينَ مَكَرُوا في المَنَعَةِ فَأخَذَهُمُ اللَّهُ بِسُرْعَةٍ وأزالَ تِلْكَ العِزَّةَ بِهَيْئَةِ قَوْمٍ أقامُوا بُنْيانًا عَظِيمًا ذا دَعائِمَ وآوَوْا إلَيْهِ، فاسْتَأْصَلَهُ اللَّهُ مِن قَواعِدِهِ فَخَرَّ سَقْفُ البِناءِ دُفْعَةً عَلى أصْحابِهِ؛ فَهَلَكُوا جَمِيعًا، فَهَذا مِن إبْداعِ التَّمْثِيلِيَّةِ؛ لِأنَّها تَنْحَلُّ إلى عِدَّةِ اسْتِعاراتٍ.
وجُمْلَةُ ﴿وأتاهُمُ العَذابُ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَأتى اللَّهُ بُنْيانَهم مِنَ القَواعِدِ﴾، و(ألْ) في العَذابِ لِلْعَهْدِ فَهي مُفِيدَةٌ مَضْمُونَ قَوْلِهِ مِن فَوْقِهِمْ مَعَ زِيادَةِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾، فَبِاعْتِبارِ هَذِهِ الزِّيادَةِ ورَدَتْ مَعْطُوفَةً لِحُصُولِ المُغايَرَةِ وإلّا فَإنَّ شَأْنَ المُؤَكَّدَةِ أنْ لا تُعْطَفَ، والمَعْنى: أنَّ العَذابَ المَذْكُورَ حَلَّ بِهِمْ بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ فَإنَّ الأخْذَ فَجْأةً أشَدُّ نِكايَةً لِما يَصْحَبُهُ مِنَ الرُّعْبِ الشَّدِيدِ بِخِلافِ الشَّيْءِ الوارِدِ تَدْرِيجًا فَإنَّ النَّفْسَ تَتَلَقّاهُ بِصَبْرٍ.
{"ayah":"قَدۡ مَكَرَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡیَـٰنَهُم مِّنَ ٱلۡقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَیۡهِمُ ٱلسَّقۡفُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَأَتَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَیۡثُ لَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق