الباحث القرآني

﴿وعَلى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وما ظَلَمْناهم ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ لَمّا شَنَّعَ عَلى المُشْرِكِينَ أنَّهم حَرَّمُوا عَلى أنْفُسِهِمْ ما لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ، وحَذَّرَ المُسْلِمِينَ مِن تَحْرِيمِ أشْياءَ عَلى أنْفُسِهِمْ جَرْيًا عَلى ما اعْتادَهُ قَوْمُهم مِن تَحْرِيمِ ما أُحِلَّ لَهم، نَظَرَ أُولَئِكَ، وحَذَّرَ هَؤُلاءِ. فَهَذا وجْهُ تَعْقِيبِ الآيَةِ السّالِفَةِ بِآيَةِ ﴿وعَلى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ﴾ . والمُرادُ مِنهُ ما ذُكِرَ في سُورَةِ الأنْعامِ، كَما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وقَتادَةَ، وقَدْ أشارَ إلى تِلْكَ المُناسَبَةِ قَوْلُهُ ﴿وما ظَلَمْناهم ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾، أيْ وما ظَلَمْناهم بِما حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ، ولَكِنَّهم كَفَرُوا النِّعْمَةَ فَحُرِمُوا مِن نَعَمٍ عَظِيمَةٍ، وغُيِّرَ أُسْلُوبُ الكَلامِ إلى خِطابِ النَّبِيءِ ﷺ؛ لِأنَّ جانِبَ التَّحْذِيرِ فِيهِ أهَمُّ مِن جانِبِ التَّنْظِيرِ. وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ في ﴿وعَلى الَّذِينَ هادُوا﴾ لِلِاهْتِمامِ، ولِلْإشارَةِ إلى أنَّ ذَلِكَ حُرِّمَ عَلَيْهِمُ ابْتِداءً، ولَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا مِن شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ (p-٣١٣)الَّتِي كانَ عَلَيْها سَلَفُهم، كَما قالَ تَعالى ﴿كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرائِيلَ إلّا ما حَرَّمَ إسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ [آل عمران: ٩٣]، أيْ عَلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَلا تَحْسَبُوا أنَّ ذَلِكَ مِنَ الحَنِيفِيَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب