الباحث القرآني
﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِإبْطالِ جُزْءٍ مِن كَلامِهِمُ المُسْتَهْزِئِينَ بِهِ، إذْ قالُوا ﴿يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ [الحجر: ٦]، بَعْدَ أنْ عَجَّلَ كَشْفَ شُبْهَتِهِمْ في قَوْلِهِمْ ﴿لَوْما تَأْتِينا بِالمَلائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الحجر: ٧] .
جاءَ نَشْرُ الجَوابَيْنِ عَلى عَكْسِ لَفِّ المَقالَيْنِ اهْتِمامًا بِالِابْتِداءِ بِرَدِّ المَقالِ الثّانِي بِما فِيهِ مِنَ الشُّبْهَةِ بِالتَّعْجِيزِ والإفْحامِ، ثُمَّ ثُنِّيَ العَنانُ إلى رَدِّ تَعْرِيضِهِمْ بِالِاسْتِهْزاءِ وسُؤالِ رُؤْيَةِ المَلائِكَةِ.
وكانَ هَذا الجَوابُ مِن نَوْعِ القَوْلِ بِالمُوجِبِ بِتَقْرِيرِ إنْزالِ الذِّكْرِ عَلى الرَّسُولِ ﷺ مُجاراةً لِظاهِرِ كَلامِهِمْ.
والمَقْصُودُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ في اسْتِهْزائِهِمْ، فَأُكِّدَ الخَبَرُ بِـ (إنّا)، وضَمِيرِ الفَصْلِ مَعَ مُوافَقَتِهِ لِما في الواقِعِ كَقَوْلِهِ ﴿قالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ واللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] .
(p-٢١)ثُمَّ زادَ ذَلِكَ ارْتِقاءً ونِكايَةً لَهم، بِأنَّ مُنْزِلَ الذَّكَرِ هو حافِظُهُ مِن كَيْدِ الأعْداءِ؛ فَجُمْلَةُ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ مُعْتَرِضَةٌ، والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ.
والضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِاللّامِ عائِدٌ إلى الذِّكْرِ، واللّامُ لِتَقْوِيَةِ عَمَلِ العامِلِ لِضَعْفِهِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ مَعْمُولِهِ.
وشَمَلَ حَفِظُهُ الحِفْظَ مِنَ التَّلاشِي، والحِفْظَ مِنَ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ فِيهِ، بِأنْ يَسَّرَ تَواتُرَهُ وأسْبابَ ذَلِكَ، وسَلَّمَهُ مِنَ التَّبْدِيلِ والتَّغْيِيرِ حَتّى حَفِظَتْهُ الأُمَّةُ عَنْ ظُهُورِ قُلُوبِها مِن حَياةِ النَّبِيءِ ﷺ، فاسْتَقَرَّ بَيْنَ الأُمَّةِ بِمَسْمَعٍ مِنَ النَّبِيءِ ﷺ وصارَ حُفّاظُهُ بِالِغِينَ عَدَدَ التَّواتُرِ في كُلِّ مِصْرٍ.
وقَدْ حَكى عِياضٌ في المَدارِكِ: أنَّ القاضِيَ إسْماعِيلَ بْنَ إسْحاقَ بْنِ حَمّادٍ المالِكِيَّ البَصْرِيَّ سُئِلَ عَنْ السِّرِّ في تَطَرُّقِ التَّغْيِيرِ لِلْكُتُبِ السّالِفَةِ وسَلامَةِ القُرْآنِ مِن طرقِ التَّغْيِيرِ لَهُ، فَأجابَ بِأنَّ اللَّهَ أوْكَلَ لِلْأحْبارِ حِفْظَ كُتُبِهِمْ فَقالَ: ﴿بِما اسْتُحْفِظُوا مِن كِتابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤] - وتَوَلّى حِفْظَ القُرْآنِ بِذاتِهِ تَعالى فَقالَ ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ قالَ أبُو الحَسَنِ بْنِ المُنْتابِ ذَكَرْتُ هَذا الكَلامَ لِلْمُحامِلِيِّ فَقالَ لِي: لا أحْسَنَ مِن هَذا الكَلامِ.
(p-٢٢)وفِي تَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ في خَبَرٍ رَواهُ عَنْ يَحْيى بْنِ أكْثَمَ: أنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ إسْلامِ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ في زَمَنِ المَأْمُونِ، وحَدَّثَ بِها سُفْيانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فَقالَ سُفْيانُ: قالَ اللَّهُ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ ﴿بِما اسْتُحْفِظُوا مِن كِتابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤] فَجَعَلَ حِفْظَهُ إلَيْهِمْ فَضاعَ، وقالَ عَزَّ وجَلَّ ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ فَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْنا فَلَمْ يَضِعْ اهـ، ولَعَلَّ هَذا مِن تَوارُدِ الخَواطِرِ.
وفِي هَذا مَعَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ القُرْآنِ إغاظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأنَّ أمْرَ هَذا الدِّينِ سَيَتِمُّ، ويَنْتَشِرُ القُرْآنُ، ويَبْقى عَلى مَرِّ الأزْمانِ، وهَذا مِنَ التَّحَدِّي لِيَكُونَ هَذا الكَلامُ كالدَّلِيلِ عَلى أنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ آيَةً عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ مِن قَوْلِ البَشَرِ أوْ لَمْ يَكُنْ آيَةً لَتَطَرَّقَتْ إلَيْهِ الزِّيادَةُ والنُّقْصانُ ولاشْتَمَلَ عَلى الِاخْتِلافِ، قالَ تَعالى ﴿أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ ولَوْ كانَ مِن عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] .
{"ayah":"إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق