الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ المَثانِي والقُرْآنَ العَظِيمَ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ﴾ [الحجر: ٨٥] وجُمْلَةِ ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [الحجر: ٨٨] الآيَةَ.
أتْبَعَ التَّسْلِيَةَ والوَعْدَ بِالمِنَّةِ لِيُذَكِّرُ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ بِالنِّعْمَةِ العَظِيمَةِ فَيَطْمَئِنَّ بِأنَّهُ كَما أحْسَنَ إلَيْهِ بِالنِّعَمِ الحاصِلَةِ فَهو مُنْجِزُهُ الوُعُودَ الصّادِقَةَ.
وفِي هَذا الِامْتِنانِ تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلى المُكَذِّبِينَ، وهو ناظِرٌ إلى قَوْلِهِ ﴿وقالُوا يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦] إلى قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] .
فالجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى الجُمَلِ السّابِقَةِ؛ عَطْفُ الغَرَضِ عَلى الغَرَضِ، والقِصَّةِ عَلى القِصَّةِ، وهَذا افْتِتاحُ غَرَضٍ مِنَ التَّنْوِيهِ بِالقُرْآنِ والتَّحْقِيرِ لِعَيْشِ المُشْرِكِينَ.
وإيتاءُ القُرْآنِ: أيْ إعْطاؤُهُ، وهو تَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ والوَحْيُ بِهِ إلَيْهِ.
وأُوثِرَ فِعْلُ (آتَيْناكَ) دُونَ أوْحَيْنا أوْ أنْزَلْنا لِأنَّ الإعْطاءَ أظْهَرُ في الإكْرامِ والمِنَّةِ.
وجَعْلُ (القُرْآنَ) مَعْطُوفًا عَلى ﴿سَبْعًا مِنَ المَثانِي﴾ يُشْعِرُ بِأنَّ السَّبْعَ المَثانِي مِنَ القُرْآنِ، وذَلِكَ ما دَرَجَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ، ودَلَّ عَلَيْهِ الحَدِيثُ الآتِي.
وقَدْ وُصِفَ القُرْآنُ في سُورَةِ الزُّمَرِ بِالمَثانِي في قَوْلِهِ تَعالى ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣]، فَتَعَيَّنَ أنَّ السَّبْعَ هي أشْياءُ تَجْرِي (p-٨٠)تَسْمِيَتُها عَلى التَّأْنِيثِ؛ لِأنَّها أُجْرِيَ عَلَيْها اسْمُ عَدَدِ المُؤَنَّثِ، ويَتَعَيَّنُ أنَّ المُرادَ آياتٌ أوْ سُوَرٌ مِنَ القُرْآنِ، وأنَّ (مِن) تَبْعِيضِيَّةٌ، وذَلِكَ أيْضًا شَأْنُ (مِن) إذا وقَعَتْ بَعْدَ اسْمِ عَدَدٍ، وأنَّ المُرادَ أجْزاءٌ مِنَ القُرْآنِ آياتٌ أوْ سُوَرٌ لَها مَزِيَّةٌ اقْتَضَتْ تَخْصِيصَها بِالذِّكْرِ مِن بَيْنِ سائِرِ القُرْآنِ، وأنَّ المَثانِيَ أسْماءُ القُرْآنِ كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ الزُّمَرِ، وكَما اقْتَضَتْهُ (مِن) التَّبْعِيضِيَّةُ، ولِكَوْنِ المَثانِي غَيْرَ السَّبْعِ مُغايَرَةً بِالكُلِّيَّةِ والجُزْئِيَّةِ تَصْحِيحًا لِلْعَطْفِ.
و(المَثانِي) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ مُثَنًّى بِضَمِّ المِيمِ وتَشْدِيدِ النُّونِ اسْمَ مَفْعُولٍ مُشْتَقًّا مِن ثَنّى إذا كَرَّرَ تَكْرِيرَةً، قِيلَ المَثانِي جَمْعُ مَثْناةٍ بِفَتْحِ المِيمِ وسُكُونِ الثّاءِ المُثَلَّثَةِ وبِهاءِ تَأْنِيثٍ في آخِرِهِ، فَهو مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ الِاثْنَيْنِ.
والأصَحُّ أنَّ السَّبْعَ المَثانِي هي سُورَةُ فاتِحَةِ الكِتابِ؛ لِأنَّها يُثَنّى بِها، أيْ تُعادُ في كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الصَّلاةِ فاشْتِقاقُها مِنَ اسْمِ الِاثْنَيْنِ المُرادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّكْرِيرِ، فَيَكُونُ اسْتِعْمالُهُ هَذا مَجازًا مُرْسَلًا بِعَلاقَةِ الإطْلاقِ، أوْ كِنايَةً؛ لِأنَّ التَّكْرِيرَ لازِمٌ كَما اسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ التَّثْنِيَةِ فِيهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ [الملك: ٤] أيْ كَرّاتٍ وفي قَوْلِهِمْ: لَبَّيْكَ، وسَعْدَيْكَ، ودَوالَيْكَ.
أوْ هو جَمْعُ مَثْناةٍ مَصْدَرًا مِيمِيًّا عَلى وزْنِ المَفْعَلَةِ أُطْلِقَ المَصْدَرُ عَلى المَفْعُولِ.
ثُمَّ إنْ كانَ المُرادُ بِالسَّبْعِ سَبْعَ آياتٍ، فالمُؤْتى هو سُورَةُ الفاتِحَةِ؛ لِأنَّها سَبْعُ آياتٍ وهَذا الَّذِي ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في حَدِيثِ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وأبِي هُرَيْرَةَ في الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّ «أُمَّ القُرْآنِ هي السَّبْعُ المَثانِي» فَهو الأوْلى بِالِاعْتِمادِ عَلَيْهِ.
وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في ذِكْرِ أسْماءِ الفاتِحَةِ، ومَعْنى التَّكْرِيرِ في الفاتِحَةِ أنَّها تُكَرَّرُ في الصَّلاةِ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ السَّبْعَ المَثانِيَ هي السُّوَرُ السَّبْعُ الطِّوالُ: أُولاها البَقَرَةُ وآخِرُها بَراءَةٌ، وقِيلَ: السُّوَرُ الَّتِي فَوْقَ ذَواتِ المِئِينَ.
(p-٨١)وعَطْفُ القُرْآنِ عَلى السَّبْعِ مِن عَطْفِ الكُلِّ عَلى الجُزْءِ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ؛ لِيَعْلَمَ أنَّ إيتاءَ القُرْآنِ كُلِّهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ.
وفِي حَدِيثِ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى قالَ: قالَ النَّبِيءُ ﷺ ”«والقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيَهُ» “ عَلى تَأْوِيلِهِ بِأنَّ كَلِمَةَ القُرْآنِ مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِداءِ و(الَّذِي أُوتِيتُهُ) خَبَرُهُ.
وأُجْرِيَ وصْفُ العَظِيمِ عَلى القُرْآنِ تَنْوِيهًا بِهِ.
وإنْ كانَ المُرادُ بِالسَّبْعِ سُوَرًا كَما هو مَرْوِيٌّ مِن قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ وكَثِيرٍ مِنَ الصَّحابَةِ والسَّلَفِ، واخْتَلَفُوا في تَعْيِينِها بِما لا يَنْثَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ، فَيَكُونُ إبْهامُها مَقْصُودًا لِصَرْفِ النّاسِ لِلْعِنايَةِ بِجَمِيعِ ما نَزَلْ مِن سُوَرِ القُرْآنِ كَما أُبْهِمَتْ لَيْلَةُ القَدْرِ.
{"ayah":"وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ سَبۡعࣰا مِّنَ ٱلۡمَثَانِی وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِیمَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق