الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ كَذَّبَ أصْحابُ الحِجْرِ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿وآتَيْناهم آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ﴾ ﴿وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بِيُوتًا آمِنِينَ﴾ ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ ﴿فَما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ جُمِعَتْ قَصَصُ هَؤُلاءِ الأُمَمِ الثَّلاثِ: قَوْمِ لُوطٍ، وأصْحابِ الأيْكَةِ، وأصْحابِ الحِجْرِ في نَسَقٍ، لِتَماثُلِ حالِ العَذابِ الَّذِي سُلِّطَ عَلَيْها وهو عَذابُ الصَّيْحَةِ والرَّجْفَةِ والصّاعِقَةِ.
وأصْحابُ الحِجْرِ هم ثَمُودُ كانُوا يَنْزِلُونَ الحِجْرَ بِكَسْرِ الحاءِ وسُكُونِ الجِيمِ، والحِجْرُ: المَكانُ المَحْجُورُ، أيِ المَمْنُوعُ مِنَ النّاسِ بِسَبَبِ اخْتِصاصٍ (p-٧٣)بِهِ، أوِ اشْتُقَّ مِنَ الحِجارَةِ؛ لِأنَّهم كانُوا يَنْحِتُونَ بُيُوتَهم في صَخْرِ الجَبَلِ نَحْتًا مُحْكَمًا، وقَدْ جُعِلَتْ طَبَقاتٌ وفي وسَطِها بِئْرٌ عَظِيمَةٌ وبِئارٌ كَثِيرَةٌ.
والحِجْرُ هو المَعْرُوفُ بِوادِي القُرى وهو بَيْنَ المَدِينَةِ والشّامِ، وهو المَعْرُوفُ اليَوْمَ بِاسْمِ مَدائِنِ صالِحٍ عَلى الطَّرِيقِ مِن خَيْبَرَ إلى تَبُوكَ ؟ .
وأمّا حَجْرُ اليَمامَةِ مَدِينَةِ بَنِي حَنِيفَةَ فَهي بِفَتْحِ الحاءِ وهي في بِلادِ نَجْدٍ وتُسَمّى العُرُوضُ وهي اليَوْمَ مِن بِلادِ البَحْرَيْنِ.
وقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ المُسْتَشْرِقِينَ مِنَ الإفْرِنْجِ أنَّ البُيُوتَ المَنحُوتَةَ في ذَلِكَ الجَبَلِ كانَتْ قُبُورًا، وتَعَلَّقُوا بِحُجَجٍ وهْمِيَّةٍ، ومِمّا يُفَنِّدُ أقْوالَهم خَلُوُّ تِلْكَ الكُهُوفِ عَنْ أجْسادٍ آدَمِيَّةٍ، وإذا كانَتْ تِلْكَ قُبُورًا فَأيْنَ كانَتْ مَنازِلُ الأحْياءِ ؟ .
والظّاهِرُ أنَّ ثَمُودَ لَمّا أخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ كانُوا مُنْتَشِرِينَ في خارِجِ البُيُوتِ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾، وقَدْ وُجِدَتْ في مَداخِلِ تِلْكَ البُيُوتِ نُقَرٌ صَغِيرَةٌ تَدُلُّ عَلى أنَّها مَجْعُولَةٌ لِوَصْدِ أبْوابِ المَداخِلِ في اللَّيْلِ.
وتَعْرِيفُ المُرْسَلِينَ لِلْجِنْسِ، فَيَصْدُقُ بِالواحِدِ، إذِ المُرادُ أنَّهم كَذَّبُوا صالِحًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥]، وقَدْ تَقَدَّمَ، وكَذَلِكَ جَمْعُ الآياتِ في قَوْلِهِ (آياتِنا) مُرادٌ بِهِ الجِنْسُ، وهي آيَةُ النّاقَةِ، أوْ أُرِيدَ أنَّها آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلى آياتٍ في كَيْفِيَّةِ خُرُوجِها مِن صَخْرَةٍ، وحَياتِها، ورَعْيِها، وشُرْبِها. وقَدْ رُوِيَ أنَّها خَرَجَ مَعَها فَصِيلُها، فَهُما آيَتانِ.
وجُمْلَةُ ﴿وكانُوا يَنْحِتُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ، والنَّحْتُ: بَرْيُ الحَجَرِ أوِ العُودِ مِن وسَطِهِ أوْ مِن جَوانِبِهِ.
و(مِنَ الجِبالِ) تَبْعِيضٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ (يَنْحِتُونَ) . والمَعْنى مِن صَخْرِ الجِبالِ، لِما دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ (يَنْحِتُونَ) .
(p-٧٤)و(آمِنِينَ) حالٌ مِن ضَمِيرِ (يَنْحِتُونَ) وهي حالٌ مُقَدَّرَةٌ، أيْ مُقَدِّرِينَ أنْ يَكُونُوا آمِنِينَ عَقِبَ نَحْتِها وسُكْناها. وكانَتْ لَهم بِمَنزِلَةِ الحُصُونِ لا يَنالُهم فِيها العَدُوُّ.
ولَكِنَّهم نَسُوا أنَّها لا تُأمِّنُهم مِن عَذابِ اللَّهِ؛ فَلِذَلِكَ قالَ ﴿فَما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
والفاءُ في ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ لِلتَّعْقِيبِ والسَّبَبِيَّةِ، و”مُصْبِحِينَ“ حالٌ، أيْ داخِلِينَ في وقْتِ الصَّباحِ.
و﴿ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أيْ يَصْنَعُونَ، أيِ البُيُوتُ الَّتِي عُنُوا بِتَحْصِينِها وتَحْسِينِها كَما دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ (كانُوا) . وصِيغَةُ المُضارِعِ في يَكْسِبُونَ لِدَلالَتِها عَلى التَّكَرُّرِ والتَّجَدُّدِ المُكَنّى بِهِ عَنْ إتْقانِ الصَّنْعَةِ، وبِذَلِكَ كانَ مَوْقِعُ المَوْصُولِ والصِّلَةِ أبْلَغَ مِن مَوْقِعِ لَفْظِ بُيُوتِهِمْ مَثَلًا؛ لِيَدُلَّ عَلى أنَّ الَّذِي لَمْ يُغْنِ عَنْهم شَيْءٌ مُتَّخَذٌ لِلْإغْناءِ ومِن شَأْنِهِ ذَلِكَ.
{"ayahs_start":80,"ayahs":["وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡحِجۡرِ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","وَءَاتَیۡنَـٰهُمۡ ءَایَـٰتِنَا فَكَانُوا۟ عَنۡهَا مُعۡرِضِینَ","وَكَانُوا۟ یَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتًا ءَامِنِینَ","فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّیۡحَةُ مُصۡبِحِینَ","فَمَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"],"ayah":"وَكَانُوا۟ یَنۡحِتُونَ مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُیُوتًا ءَامِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق