الباحث القرآني
﴿رَبَّنا إنِّي أسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وارْزُقْهم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهم يَشْكُرُونَ﴾
جُمْلَةُ ﴿إنِّي أسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِابْتِداءِ دُعاءٍ آخَرَ، وافْتُتِحَتْ بِالنِّداءِ لِزِيادَةِ التَّضَرُّعِ، وفي كَوْنِ النِّداءِ تَأْكِيدًا لِنِداءٍ سابِقٍ ضَرْبٌ مِنَ الرَّبْطِ بَيْنَ الجُمَلِ المُفْتَتَحَةِ بِالنِّداءِ، رَبْطُ المِثْلِ بِمِثْلِهِ.
وأُضِيفَ الرَّبُّ هُنا إلى ضَمِيرِ الجَمْعِ خِلافًا لِسابِقِيهِ؛ لِأنَّ الدُّعاءَ الَّذِي افْتُتِحَ بِهِ فِيهِ حَظٌّ لِلدّاعِي ولِأبْنائِهِ، ولَعَلَّ إسْماعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حاضِرٌ مَعَهُ حِينَ الدُّعاءِ كَما تَدُلُّ لَهُ الآيَةُ الأُخْرى (p-٢٤١)﴿وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيْتِ وإسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧] إلى قَوْلِهِ ﴿واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨]، وذَلِكَ مِن مَعْنى الشُّكْرِ المَسْؤُولِ هُنا.
و(مِن) في قَوْلِهِ مِن ذُرِّيَّتِي بِمَعْنى بَعْضٍ، يَعْنِي إسْماعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وهو بَعْضُ ذُرِّيَّتِهِ، فَكانَ هَذا الدُّعاءُ صَدَرَ مِن إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَعْدَ زَمانٍ مِن بِناءِ الكَعْبَةِ وتَقَرِّي مَكَّةَ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في دُعائِهِ هَذا ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وهَبَ لِي عَلى الكِبَرِ إسْماعِيلَ وإسْحاقَ﴾ [إبراهيم: ٣٩]، فَذَكَرَ إسْحاقَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - .
والوادِي: الأرْضُ بَيْنَ الجِبالِ، وهو وادِي مَكَّةَ، و﴿غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ صِفَةٌ، أيْ: بَوادٍ لا يَصْلُحُ لِلنَّبْتِ؛ لِأنَّهُ حِجارَةٌ، فَإنَّ كَلِمَةَ (ذُو) تَدُلُّ عَلى صاحِبِ ما أُضِيفَتْ إلَيْهِ وتَمَكُّنِهِ مِنهُ، فَإذا قِيلَ: ذُو مالٍ، فالمالُ ثابَتٌ لَهُ، وإذا أُرِيدَ ضِدُّ ذَلِكَ قِيلَ: غَيْرُ ذِي كَذا، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨]، أيْ: لا يَعْتَرِيهِ شَيْءٌ مِنَ العِوَجِ، ولِأجْلِ هَذا الِاسْتِعْمالِ لَمْ يَقُلْ بِوادٍ لا يُزْرَعُ أوْ لا زَرْعَ بِهِ.
و﴿عِنْدَ بَيْتِكَ﴾ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِوادٍ أوْ حالٌ.
والمُحَرَّمُ: المُمَنَّعُ مِن تَناوُلِ الأيْدِي إيّاهُ بِما يُفْسِدُهُ أوْ يَضُرُّ أهْلَهُ بِما جَعَلَ اللَّهُ لَهُ في نُفُوسِ الأُمَمِ مِنَ التَّوْقِيرِ والتَّعْظِيمِ، وبِما شاهَدُوهُ مِن هَلَكَةِ مَن يُرِيدُ فِيهِ بِإلْحادٍ بِظُلْمٍ، وما أصْحابُ الفِيلِ مِنهم بِبَعِيدٍ.
وعَلَّقَ (لِيُقِيمُوا) بِـ (أسْكَنْتُ)، أيْ: عِلَّةُ الإسْكانِ بِذَلِكَ الوادِي عِنْدَ ذَلِكَ البَيْتِ أنْ لا يَشْغَلُهم عَنْ إقامَةِ الصَّلاةِ في ذَلِكَ البَيْتِ شاغِلٌ فَيَكُونَ البَيْتُ مَعْمُورًا أبَدًا.
وتَوْسِيطُ النِّداءِ لِلِاهْتِمامِ بِمُقَدِّمَةِ الدُّعاءِ زِيادَةٌ في الضَّراعَةِ، وتَهَيَّأ بِذَلِكَ أنْ يُفَرِّعَ عَلَيْهِ الدُّعاءَ لَهم بِأنْ يَجْعَلَ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ؛ لِأنَّ هِمَّةَ الصّالِحِينَ في إقامَةِ الدِّينِ.
والأفْئِدَةُ: جَمْعُ فُؤادٍ، وهو القَلْبُ، والمُرادُ بِهِ هُنا النَّفْسُ والعَقْلُ.
والمُرادُ: فاجْعَلْ أُناسًا يَهْوُونَ إلَيْهِمْ، فَأقْحَمَ لَفْظَ الأفْئِدَةِ لِإرادَةِ أنْ يَكُونَ مَسِيرُ النّاسِ إلَيْهِمْ عَنْ شَوْقٍ ومَحَبَّةٍ حَتّى كَأنَّ المُسْرِعَ هو الفُؤادُ لا الجَسَدُ.
(p-٢٤٢)فَلَمّا ذَكَرَ أفْئِدَةً لِهَذِهِ النُّكْتَةِ حَسُنَ بَيانُهُ بِأنَّهم مِنَ النّاسِ، فَـ (مِن) بَيانِيَّةٌ لا تَبْعِيضِيَّةٌ، إذْ لا طائِلَ تَحْتَهُ، والمَعْنى: فاجْعَلْ أُناسًا يَقْصِدُونَهم بِحَبّاتِ قُلُوبِهِمْ.
وتَهْوِي مُضارِعُ هَوى بِفَتْحِ الواوِ: سَقَطَ، وأُطْلِقَ هُنا عَلى الإسْراعِ في المَشْيِ اسْتِعارَةٌ، كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:
؎كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِن عَلِ
ولِذَلِكَ عُدِّيَ بِاللّامِ دُونَ (عَلى) .
والإسْراعُ: جُعِلَ كِنايَةً عَنِ المَحَبَّةِ والشَّوْقِ إلى زِيارَتِهِمْ، والمَقْصُودُ مِن هَذا الدُّعاءِ تَأْنِيسُ مَكانِهِمْ بِتَرَدُّدِ الزّائِرِينَ وقَضاءِ حَوائِجِهِمْ مِنهم، والتَّنْكِيرُ مُطْلَقٌ يُحْمَلُ عَلى المُتَعارَفِ في عُمْرانِ المُدُنِ والأسْواقِ بِالوارِدِينَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْهُ في الدُّعاءِ بِما يَدُلُّ عَلى الكَثْرَةِ اكْتِفاءً بِما هو مَعْرُوفٌ.
ومَحَبَّةُ النّاسِ إيّاهم يَحْصُلُ مَعَها مَحَبَّةُ البَلَدِ وتَكْرِيرُ زِيارَتِهِ، وذَلِكَ سَبَبٌ لِاسْتِئْناسِهِمْ بِهِ ورَغْبَتِهِمْ في إقامَةِ شَعائِرِهِ، فَيُؤَوَّلُ إلى الدَّعْوَةِ إلى الدِّينِ.
ورَجاءُ شُكْرِهِمْ داخِلٌ في الدُّعاءِ؛ لِأنَّهُ جُعِلَ تَكْمِلَةً لَهُ تَعَرُّضًا لِلْإجابَةِ وزِيادَةً في الدُّعاءِ لَهم بِأنْ يَكُونُوا مِنَ الشّاكِرِينَ، والمَقْصُودُ: تَوَفُّرُ أسْبابِ الِانْقِطاعِ إلى العِبادَةِ وانْتِفاءِ ما يَحُولُ بَيْنَهم وبَيْنَها مِن فِتْنَةِ الكَدْحِ لِلِاكْتِسابِ.
{"ayah":"رَّبَّنَاۤ إِنِّیۤ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیۡرِ ذِی زَرۡعٍ عِندَ بَیۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق