الباحث القرآني
(p-٢٢٦)﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا ناشِئًا عَمّا أثارَهُ تَمْثِيلُ الكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ بِالشَّجَرَةِ الثّابِتَةِ الأصْلِ بِأنْ يُسْألَ عَنِ الثّابِتِ المُشَبَّهِ بِهِ: ما هو أثَرُهُ في الحالَةِ المُشَبَّهَةِ ؟ فَيُجابُ بِأنَّ ذَلِكَ الثَّباتُ ظَهَرَ في قُلُوبِ أصْحابِ الحالَةِ المُشَبَّهَةِ، وهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا إذْ ثَبَتُوا عَلى الدِّينِ ولَمْ يَتَزَعْزَعُوا فِيهِ؛ لِأنَّهُمُ اسْتَثْمَرُوا مِن شَجَرَةٍ أصْلُها ثابِتٌ.
والقَوْلُ: الكَلامُ، والثّابِتُ: الصّادِقُ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ، والمُرادُ بِهِ أقْوالُ القُرْآنِ؛ لِأنَّها صادِقَةُ المَعانِي واضِحَةُ الدَّلِيلِ، فالتَّعْرِيفُ في القَوْلِ لِاسْتِغْراقِ الأقْوالِ الثّابِتَةِ، والباءُ في: ”بِالقَوْلِ“ لِلسَّبَبِيَّةِ.
ومَعْنى تَثْبِيتِ الَّذِينَ آمَنُوا بِها أنَّ اللَّهَ يَسَّرَ لَهم فَهْمَ الأقْوالِ الإلَهِيَّةِ عَلى وجْهِها وإدْراكَ دَلائِلِها حَتّى اطْمَأنَّتْ إلَيْها قُلُوبُهم، ولَمْ يُخامِرْهم فِيها شَكٌّ فَأصْبَحُوا ثابِتِينَ في إيمانِهِمْ غَيْرَ مُزَعْزَعِينَ بِها غَيْرَ مُتَرَدِّدِينَ.
وذَلِكَ في الحَياةِ الدُّنْيا ظاهِرٌ، وأمّا في الآخِرَةِ فَبِإلْفائِهِمُ الأحْوالَ عَلى نَحْوٍ مِمّا عَلِمُوهُ في الدُّنْيا، فَلَمْ تَعْتَرِهِمْ نَدامَةٌ ولا لَهَفٌ، ويَكُونُ ذَلِكَ بِمَظاهِرَ كَثِيرَةٍ يَظْهَرُ فِيها ثَباتُهم بِالحَقِّ قَوْلًا وانْسِياقًا، وتَظْهَرُ فِيها فِتْنَةُ غَيْرِ المُؤْمِنِينَ في الأحْوالِ كُلِّها.
وتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِمُقابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ ﴿ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ﴾، أيِ المُشْرِكِينَ، أيْ: يَجْعَلُهم في حَيْرَةٍ وعِمايَةٍ في الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، والضَّلالُ: اضْطِرابٌ وارْتِباكٌ، فَهو الأثَرُ المُناسِبُ لِسَبَبِهِ، أعْنِي الكَلِمَةَ الَّتِي اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأرْضِ كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ المُقابَلَةُ.
والظّالِمُونَ: المُشْرِكُونَ. قالَ تَعالى ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] .
(p-٢٢٧)ومِن مَظاهِرِ هَذا التَّثْبِيتِ فِيهِما ما ورَدَ مِن وصْفِ فِتْنَةِ سُؤالِ القَبْرِ؛ رَوى البُخارِيُّ والتِّرْمِذِيُّ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «المُسْلِمُ إذا سُئِلَ في القَبْرِ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ»﴾ .
وجُمْلَةُ ﴿ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ كالتَّذْيِيلِ لِما قَبْلَها، وتَحْتَ إبْهامِ ما يَشاءُ وعُمُومِهِ مَطاوٍ كَثِيرَةٍ: مِنَ ارْتِباطِ ذَلِكَ بِمَراتِبِ النُّفُوسِ، وصَفاءِ النِّيّاتِ في تَطَلُّبِ الإرْشادِ، وتَرْبِيَةِ ذَلِكَ في النُّفُوسِ بِنَمائِهِ في الخَيْرِ والشَّرِّ حَتّى تَبْلُغَ بُذُورُ تَيْنِكَ الشَّجَرَتَيْنِ مُنْتَهى أمَدِهِما مِنِ ارْتِفاعٍ في السَّماءِ واجْتِثاثٍ مِن فَوْقِ الأرْضِ المُعَبَّرِ عَنْها بِالتَّثْبِيتِ والإضْلالِ، وفي كُلِّ تِلْكَ الأحْوالِ مَراتِبُ ودَرَجاتٌ لا تَبْلُغُ عُقُولُ البَشَرِ تَفْصِيلَها.
وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ في ﴿ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ لِقَصْدِ أنْ تَكُونَ كُلُّ جُمْلَةٍ مِنَ الجُمَلِ الثَّلاثِ مُسْتَقِلَّةً بِدَلالَتِها حَتّى تَسِيرَ مَسِيرَ المَثَلِ.
{"ayah":"یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَیُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِینَۚ وَیَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق