الباحث القرآني
﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكم ويَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ﴿وما ذَلِكَ عَلى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾
اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ ناشِئٌّ عَنْ جُمْلَةِ ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهم لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: ١٣] فَإنَّ هَلاكَ فِئَةٍ كامِلَةٍ شَدِيدَةِ القُوَّةِ والمِرَّةِ أمْرٌ عَجِيبٌ يُثِيرُ في النُّفُوسِ السُّؤالَ: (p-٢١٤)كَيْفَ تَهْلَكُ فِئَةٌ مِثْلَ هَؤُلاءِ ؟ فَيُجابُ بِأنَّ اللَّهَ الَّذِي قَدَرَ عَلى خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ في عَظَمَتِها قادِرٌ عَلى إهْلاكِ ما هو دُونَها، فَمَبْدَأُ الِاسْتِئْنافِ هو قَوْلُهُ ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكم ويَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ .
ومَوْقِعُ جُمْلَةِ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ﴾ مُوقِعُ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ الِاسْتِئْنافِ، قُدِّمَ عَلَيْها كَما تَجْعَلُ النَّتِيجَةَ مُقَدَّمَةً في الخَطابَةِ والجِدالِ عَلى دَلِيلِها، وقَدْ بَيَّناهُ في كِتابِ أُصُولِ الخَطابَةِ.
ومُناسَبَةُ مَوْقِعِ هَذا الِاسْتِئْنافِ ما سَبَقَهُ مِن تَفَرُّقِ الرَّمادِ في يَوْمٍ عاصِفٍ.
والخِطابُ في ألَمْ تَرَ لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لِلْخِطابِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وكُلُّ مَن يُظَنُّ بِهِ التَّساؤُلُ عَنْ إمْكانِ إهْلاكِ المُشْرِكِينَ.
والرُّؤْيَةُ: مُسْتَعْمَلَةٌ في العِلْمِ النّاشِئِ عَنِ النَّظَرِ والتَّأمُّلِ، لِأنَّ السَّماواتِ والأرْضَ مُشاهَدَةٌ لِكُلِّ ناظِرٍ، وأمّا كَوْنُها مَخْلُوقَةً لِلَّهِ فَمُحْتاجٌ إلى أقَلِّ تَأمُّلٍ لِسُهُولَةِ الِانْتِقالِ مِنَ المُشاهَدَةِ إلى العِلْمِ، وأمّا كَوْنُ ذَلِكَ مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ فَمُحْتاجٌ إلى تَأمُّلٍ عَمِيقٍ. فَلَمّا كانَ أصْلُ ذَلِكَ كُلِّهُ رُؤْيَةَ المَخْلُوقاتِ المَذْكُورَةِ عُلِّقَ الِاسْتِدْلالُ عَلى الرُّؤْيَةِ. كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلِ انْظُرُوا ماذا في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [يونس: ١٠١] .
والحَقُّ هُنا: الحِكْمَةُ، أيْ: ضِدُّ العَبَثِ، بِدَلِيلِ مُقابَلَتِهِ بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الدخان: ٣٨] .
وقَرَأ الجُمْهُورُ (خَلَقَ) بِصِيغَةِ الفِعْلِ عَلى أنَّ السَّماواتِ مَفْعُولُهُ والأرْضَ عُطِفَ عَلى المَفْعُولِ بِالنَّصْبِ.
وقَرَأهُ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ (خالِقَ السَّماواتِ والأرْضِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الفاعِلِ مُضافًا إلى (السَّماواتِ) وبِخَفْضِ (الأرْضِ) .
(p-٢١٥)والخِطابُ في (يُذْهِبُكم) لِجَماعَةٍ مِن جُمْلَتِهِمُ المُخاطَبُ بِـ ألَمْ تَرَ، والمَقْصُودُ: التَّعْرِيضُ بِالمُشْرِكِينَ خاصَّةً. تَأْكِيدًا لِوَعِيدِهِمُ الَّذِي اقْتَضاهُ قَوْلُهُ ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ ولَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ [إبراهيم: ١٣]، أيْ: إنْ شاءَ أعْدَمَ النّاسَ كُلَّهم وخَلَقَ ناسًا آخَرِينَ.
وقَدْ جِيءَ في الِاسْتِدْلالِ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ بِالحُكْمِ الأعَمِّ إدْماجًا لِلتَّعْلِيمِ بِالوَعِيدِ وإظْهارًا لِعَظِيمِ القُدْرَةِ، وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّهُ يُذْهِبُ الجَبابِرَةَ المُعانِدِينَ ويَأْتِي في مَكانِهِمْ في سِيادَةِ الأرْضِ بِالمُؤْمِنِينَ لِيُمَكِّنَهم في الأرْضِ.
وجُمْلَةُ ﴿وما ذَلِكَ عَلى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِها، وإنَّما سَلَكَ بِهَذا التَّأْكِيدِ مَسْلَكَ العَطْفِ لِما فِيهِ مِنَ المُغايَرَةِ لِلْمُؤَكَّدِ في الجُمْلَةِ بِأنَّهُ يُفِيدُ أنَّ هَذا المَشْيَ سَهْلٌ عَلَيْهِ هَيِّنٌ، كَقَوْلِهِ ﴿وهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهو أهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] .
والعَزِيزُ عَلى أحَدٍ: المُتَعاصِي عَلَيْهِ المُمْتَنِعُ بِقُوَّتِهِ وأنْصارِهِ.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ وَیَأۡتِ بِخَلۡقࣲ جَدِیدࣲ","وَمَا ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِیزࣲ"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ وَیَأۡتِ بِخَلۡقࣲ جَدِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق