الباحث القرآني
(p-٢١٢)﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهم كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذَلِكَ هو الضَّلالُ البَعِيدُ﴾ تَمْثِيلٌ لِحالِ ما عَمِلَهُ المُشْرِكُونَ مِنَ الخَيْراتِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِها يَوْمَ القِيامَةِ، وقَدْ أثارَ هَذا التَّمْثِيلُ ما دَلَّ عَلَيْهِ الكَلامُ السّابِقُ مِن شِدَّةِ عَذابِهِمْ، فَيَخْطُرُ بِبالِهِمْ أوْ بِبالِ مَن يَسْمَعُ مِنَ المُسْلِمِينَ أنْ يَسْألَ نَفْسَهُ أنَّ لَهم أعْمالًا مِنَ الصِّلَةِ والمَعْرُوفِ: مِن إطْعامِ الفُقَراءِ، ومِن عِتْقِ رِقابٍ، وقِرى ضُيُوفٍ، وحِمالَةِ دِياتٍ، وفِداءِ أُسارى، واعْتِمارٍ، ورِفادَةِ الحَجِيجِ، فَهَلْ يَجِدُونَ ثَوابَ ذَلِكَ ؟ وأنَّ المُسْلِمِينَ لَمّا عَلِمُوا أنَّ ذَلِكَ لا يَنْفَعُ الكافِرِينَ تَطَلَّبَتْ نُفُوسُهم وجْهَ الجَمْعِ بَيْنَ وُجُودِ عَمَلٍ صالِحٍ وبَيْنَ عَدَمِ الِانْتِفاعِ بِهِ عِنْدَ الحاجَةِ إلَيْهِ، فُضُرِبَ هَذا المَثَلُ لِبَيانِ ما يَكْشِفُ جَمِيعَ الِاحْتِمالاتِ.
والمَثَلُ: الحالَةُ العَجِيبَةُ، أيْ: حالُ الَّذِينَ كَفَرُوا العَجِيبَةُ أنَّ أعْمالَهم كَرَمادٍ الخَ. فالمَعْنى: حالُ أعْمالِهِمْ، بِقَرِينَةِ الجُمْلَةِ المُخْبَرِ عَنْها لِأنَّهُ مَهْما أُطْلِقَ مَثَلُ كَذا إلّا والمُرادُ حالٌ خاصَّةٌ مِن أحْوالِهِ يُفَسِّرُها الكَلامُ، فَهو مِنَ الإيجازِ المُلْتَزَمِ في الكَلامِ.
فَقَوْلُهُ ”أعْمالُهم“ مُبْتَدَأٌ ثانٍ، و”كَرَمادٍ“ خَبَرٌ عَنْهُ، والجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ المُبْتَدَأِ الأوَّلِ.
ولَمّا جُعِلَ الخَبَرُ عَنْ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ”أعْمالُهم“ آلَ الكَلامُ إلى أنَّ مَثَلَ أعْمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا كَرَمادٍ.
شُبِّهَتْ أعْمالُهُمُ المُتَجَمِّعَةُ العَدِيدَةُ بِرَمادٍ مُكَدَّسٍ فَإذا اشْتَدَّتِ الرِّياحُ بِالرَّمادِ انْتَثَرَ وتَفَرَّقَ تَفَرُّقًا لا يُرْجى مَعَهُ اجْتِماعُهُ، ووَجْهُ الشَّبَهِ هو الهَيْئَةُ الحاصِلَةُ مِنَ اضْمِحْلالِ شَيْءٍ كَثِيرٍ بَعْدَ تَجَمُّعِهِ، والهَيْئَةُ المُشَبَّهَةُ مَعْقُولَةٌ.
(p-٢١٣)ووَصْفُ اليَوْمِ بِالعاصِفِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ، أيْ: عاصِفٌ رِيحُهُ، كَما يُقالُ: يَوْمٌ ماطِرٌ، أيْ: سَحابُهُ.
والرَّمادُ: ما يَبْقى مِنَ احْتِراقِ الحَطَبِ والفَحْمِ، والعاصِفُ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ﴾ [يونس: ٢٢] في سُورَةِ يُونُسَ.
ومِن لَطائِفِ هَذا التَّمْثِيلِ أنِ اخْتِيرَ لَهُ التَّشْبِيهُ بِهَيْئَةِ الرَّمادِ المُجْتَمِعِ؛ لِأنَّ الرَّمادَ أثَرٌ لِأفْضَلِ أعْمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا وأشْيَعِها بَيْنَهم وهو قِرى الضَّيْفِ حَتّى صارَتْ كَثْرَةُ الرَّمادِ كِنايَةً في لِسانِهِمْ عَنِ الكَرَمِ.
وقَرَأ نافِعٌ وأبُو جَعْفَرٍ (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّياحُ)، وقَرَأهُ البَقِيَّةُ ﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ﴾ بِالإفْرادِ، وهَما سَواءٌ؛ لِأنَّ التَّعْرِيفَ تَعْرِيفُ الجِنْسِ.
وجُمْلَةُ ﴿لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ التَّشْبِيهِ، أيْ: ذَهَبَتْ أعْمالُهم سُدًى فَلا يَقْدِرُونَ أنْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنها.
وجُمْلَةُ ﴿ذَلِكَ هو الضَّلالُ البَعِيدُ﴾ تَذْيِيلٌ جامِعٌ لِخُلاصَةِ حالِهِمْ، وهي أنَّها ضَلالٌ بَعِيدٌ.
والمُرادُ بِالبَعِيدِ البالِغُ نِهايَةَ ما تَنْتَهِي إلَيْهِ ماهِيَّتُهُ، أيْ: بِعِيدٌ في مَسافاتِ الضَّلالِ، فَهو كَقَوْلِكَ: أقْصى الضَّلالِ أوْ جِدُّ ضَلالٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ومَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١١٦] في سُورَةِ النِّساءِ.
{"ayah":"مَّثَلُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّیحُ فِی یَوۡمٍ عَاصِفࣲۖ لَّا یَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَیۡءࣲۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلۡبَعِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق