الباحث القرآني
(p-١٣٧)﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهم وحُسْنُ مَآبٍ﴾
اسْتِئْنافٌ اعْتِراضِيٌّ مُناسَبَتُهُ المُضادَّةُ لِحالِ الَّذِينَ أضَلَّهُمُ اللَّهُ، والبَيانُ لِحالِ الَّذِينَ هَداهم مَعَ التَّنْبِيهِ عَلى أنَّ مِثالَ الَّذِينَ ضَلُّوا هو عَدَمُ اطْمِئْنانِ قُلُوبِهِمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، وهو القُرْآنُ؛ لِأنَّ قَوْلَهم ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ [الرعد: ٢٧] يَتَضَمَّنُ أنَّهم لَمْ يَعُدُّوا القُرْآنَ آيَةً مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ التَّصْرِيحُ بِجِنْسِ عاقِبَةِ هَؤُلاءِ، والتَّعْرِيضُ بِضِدِّ ذَلِكَ لِأُولَئِكَ، فَذِكْرُها عَقِبَ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ يُفِيدُ الغَرَضَيْنِ ويُشِيرُ إلى السَّبَبَيْنِ. ولِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلِ الَّذِينَ آمَنُوا بَدَلًا مِن مَن أنابَ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ عَلى الصِّلَةِ جُمْلَةُ ﴿وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ﴾ ولا عَطْفُ وعَمِلُوا الصّالِحاتِ عَلى الصِّلَةِ الثّانِيَةِ، فَـ الَّذِينَ آمَنُوا الأوَّلُ مُبْتَدَأٌ، وجُمْلَةُ ﴿ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ مُعْتَرِضَةٌ، والَّذِينَ آمَنُوا الثّانِي بَدَلٌ مُطابِقٌ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الأوَّلِ، وجُمْلَةُ طُوبى لَهم خَبَرُ المُبْتَدَأِ.
والِاطْمِئْنانُ: السُّكُونُ، واسْتُعِيرَ هُنا لِلْيَقِينِ وعَدَمِ الشَّكِّ؛ لِأنَّ الشَّكَّ يُسْتَعارُ لَهُ الِاضْطِرابُ. وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وبِذِكْرِ اللَّهِ يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ خَشْيَةُ اللَّهِ ومُراقَبَتُهُ بِالوُقُوفِ عِنْدَ أمْرِهِ ونَهْيِهِ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ القُرْآنُ قالَ ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤]، وهو المُناسِبُ قَوْلِهِمْ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ [الرعد: ٢٧] لِأنَّهم لَمْ يَكْتَفُوا بِالقُرْآنِ آيَةً عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ فَقالُوا ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ [الرعد: ٢٧]، وعَلى هَذا المَعْنى جاءَ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ الزُّمَرِ ﴿فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهم مِن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٢]، أيْ لِلَّذِينَ كانَ قَدْ زادَهم قَسْوَةَ قُلُوبٍ، وقَوْلُهُ في آخِرِها ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهم وقُلُوبُهم إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٢٣] .
(p-١٣٨)والذِّكْرُ مِن أسْماءِ القُرْآنِ. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ ذِكْرُ اللَّهِ بِاللِّسانِ فَإنَّ إجْراءَهُ عَلى اللِّسانِ يُنَبِّهُ القُلُوبَ إلى مُراقَبَتِهِ.
وهَذا وصْفٌ لِحُسْنِ حالِ المُؤْمِنِينَ ومُقايَسَتِهِ بِسُوءِ حالَةِ الكافِرِينَ الَّذِينَ غَمَرَ الشَّكُّ قُلُوبَهم، قالَ تَعالى ﴿بَلْ قُلُوبُهم في غَمْرَةٍ مِن هَذا﴾ [المؤمنون: ٦٣] .
واخْتِيرَ المُضارِعُ في تَطْمَئِنُّ مَرَّتَيْنِ لِدَلالَتِهِ عَلى تَجَدُّدِ الِاطْمِئْنانِ واسْتِمْرارِهِ وأنَّهُ لا يَتَخَلَّلُهُ شَكٌّ ولا تَرَدُّدٌ.
وافْتُتِحَتْ جُمْلَةُ ﴿ألا بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ اهْتِمامًا بِمَضْمُونِها وإغْراءً بِوَعْيِهِ. وهي بِمَنزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِما في تَعْرِيفِ القُلُوبُ مِنَ التَّعْمِيمِ. وفِيهِ إثارَةُ الباقِينَ عَلى الكُفْرِ عَلى أنْ يَتَّسِمُوا بِسِمَةِ المُؤْمِنِينَ مِنَ التَّدَبُّرِ في القُرْآنِ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهم، كَأنَّهُ يَقُولُ: إذا عَلِمْتُمْ راحَةَ بالِ المُؤْمِنِينَ فَماذا يَمْنَعُكم بِأنْ تَكُونُوا مِثْلَهم فَإنَّ تِلْكَ في مُتَناوَلِكم؛ لِأنَّ ذِكْرَ اللَّهِ بِمَسامِعِكم.
وطُوبى: مَصْدَرٌ مِن طابَ طِيبًا إذا حَسُنَ. وهي بِوَزْنِ البُشْرى والزُّلْفى، قُلِبَتْ ياؤُها واوًا لِمُناسَبَةِ الضَّمَّةِ، أيْ لَهُمُ الخَيْرُ الكامِلُ لِأنَّهُمُ اطْمَأنَّتْ قُلُوبُهم بِالذِّكْرِ. فَهم في طِيبِ حالٍ: في الدُّنْيا بِالِاطْمِئْنانِ، وفي الآخِرَةِ بِالنَّعِيمِ الدّائِمِ وهو حُسْنُ المَئابِ وهو مَرْجِعُهم في آخِرِ أمْرِهِمْ.
وإطْلاقُ المَآبِ عَلَيْهِ بِاعْتِبارِ أنَّهُ آخِرُ أمْرِهِمْ وقَرارِهِمْ كَما أنَّ قَرارَ المَرْءِ بَيْتُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِشارِ مِنهُ. عَلى أنَّهُ يُناسِبُ ما تَقَرَّرَ أنَّ الأرْواحَ مِن أمْرِ اللَّهِ، أيْ مِن عالَمِ المَلَكُوتِ وهو عالَمُ الخُلْدِ فَمَصِيرُها إلى الخُلْدِ رُجُوعٌ إلى عالَمِها الأوَّلِ. وهَذا مُقابِلُ قَوْلِهِ في المُشْرِكِينَ ﴿ولَهم سُوءُ الدّارِ﴾ [الرعد: ٢٥] .
واللّامُ في قَوْلِهِ (لَهم) لِلْمِلْكِ.
{"ayahs_start":28,"ayahs":["ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ","ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ طُوبَىٰ لَهُمۡ وَحُسۡنُ مَـَٔابࣲ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق