﴿أفَمَن يَعْلَمُ أنَّما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ كَمَن هو أعْمى إنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبابِ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الحُسْنى﴾ [الرعد: ١٨] الآيَةَ. فالكَلامُ لِنَفْيِ اسْتِواءِ المُؤْمِنِ والكافِرِ في صُورَةِ الِاسْتِفْهامِ تَنْبِيهًا عَلى غَفْلَةِ الضّالِّينَ عَنْ عَدَمِ الِاسْتِواءِ، كَقَوْلِهِ ﴿أفَمَن كانَ مُؤْمِنًا كَمَن كانَ فاسِقًا لا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: ١٨] .
واسْتُعِيرَ لِمَن لا يَعْلَمُ أنَّ القُرْآنَ حَقٌّ اسْمُ الأعْمى لِأنَّهُ انْتَفى عِلْمُهُ بِشَيْءٍ ظاهِرٍ بَيِّنٍ فَأشْبَهَ الأعْمى. فالكافُ لِلتَّشابُهِ مُسْتَعْمَلٌ في التَّماثُلِ. والِاسْتِواءُ المُرادُ بِهِ التَّماثُلُ في الفَضْلِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ العَمى. ولِهَذِهِ الجُمْلَةِ في المَعْنى اتِّصالٌ بِقَوْلِهِ في أوَّلِ السُّورَةِ ﴿والَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ﴾ [الرعد: ١] إلى لا يُؤْمِنُونَ.
وجُمْلَةُ إنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبابِ تَعْلِيلٌ لِلْإنْكارِ الَّذِي هو بِمَعْنى الِانْتِفاءِ بِأنَّ سَبَبَ عَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالحَقِّ أنَّهم لَيْسُوا أهْلًا لِلتَّذَكُّرِ؛ لِأنَّ التَّذَكُّرَ مِن شِعارِ أُولِي الألْبابِ. أيِ العُقُولِ.
والقَصْرُ بِـ (إنَّما) إضافِيٌّ، أيْ لا غَيْرَ أُولِي الألْبابِ. فَهو تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ بِأنَّهم لا عُقُولَ لَهم إذِ انْتَفَتْ عَنْهم فائِدَةُ عُقُولِهِمْ.
(p-١٢٤)والألْبابُ: العُقُولُ. وتَقَدَّمَ في آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
{"ayah":"۞ أَفَمَن یَعۡلَمُ أَنَّمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰۤۚ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}