الباحث القرآني

(p-٧٨)﴿المر﴾ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نَظائِرِ (المر) مِمّا وقَعَ في أوائِلِ بَعْضِ السُّورِ مِنَ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ * * * ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ والَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ القَوْلُ في ﴿تِلْكَ آياتُ الكِتابِ﴾ كالقَوْلِ في نَظِيرِهِ مِن طالِعَةِ سُورَةِ يُونُسَ. والمُشارُ إلَيْهِ بِ (تِلْكَ) هو ما سَبَقَ نُزُولُهُ مِنَ القُرْآنِ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ أخْبَرَ عَنْها بِأنَّها آياتٌ، أيْ دَلائِلُ إعْجازٍ، ولِذَلِكَ أُشِيرَ إلَيْهِ بِاسْمِ إشارَةِ المُؤَنَّثِ مُراعاةً لِتَأْنِيثِ الخَبَرِ. وقَوْلُهُ ﴿والَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ تِلْكَ آياتُ الكِتابِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ﴿والَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ إظْهارًا في مَقامِ الإضْمارٍ. ولَمْ يُكْتَفَ بِعَطْفِ خَبَرٍ عَلى خَبَرِ اسْمِ الإشارَةِ بَلْ جِيءَ بِجُمْلَةٍ كامِلَةٍ مُبْتَدِئَةٍ بِالمَوْصُولِ لِلتَّعْرِيفِ بِأنَّ آياتِ الكِتابِ مُنَزَّلَةٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ لِأنَّها لَمّا تَقَرَّرَ أنَّها آياتٌ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ أنَّها مُنَزَّلَةٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ ولَوْلا أنَّها كَذَلِكَ لَما كانَتْ آياتٍ. وأخْبَرَ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ بِأنَّهُ الحَقُّ بِصِيغَةِ القَصْرِ، أيْ هو الحَقُّ لا غَيْرُهُ مِنَ الكُتُبِ، فالقَصْرُ إضافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلى كُتُبٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهم مِثْلَ قِصَّةِ رُسْتَمَ وإسْفِنْدِيارَ اللَّتَيْنِ عَرَفَهُما النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ. فالمَقْصُودُ الرَّدُّ عَلى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ زَعَمُوهُ كَأساطِيرِ الأوَّلِينَ، أوِ القَصْرُ حَقِيقِيٌّ ادِّعائِيٌّ مُبالَغَةً لِعَدَمِ الِاعْتِدادِ بِغَيْرِهِ مِنَ الكُتُبِ السّابِقَةِ، أيْ هو الحَقُّ الكامِلُ؛ لِأنَّ غَيْرَهُ مِنَ الكُتُبِ لَمْ يَسْتَكْمِلْ مُنْتَهى مُرادِ (p-٧٩)اللَّهِ مِنَ النّاسِ إذْ كانَتْ دَرَجاتٍ مُوَصِّلَةً إلى الدَّرَجَةِ العُلْيا، فَلِذَلِكَ ما جاءَ مِنها كِتابٌ إلّا ونُسِخَ العَمَلُ بِهِ أوْ عُيِّنَ لِأُمَّةٍ خاصَّةٍ ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفَ مُفْرَدٍ عَلى قَوْلِهِ (الكِتابِ) مُفْرَدٍ، مِن بابِ عَطْفِ الصِّفَةِ عَلى الِاسْمِ، مِثْلَ ما أنْشَدَ الفَرّاءُ: ؎إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمَـ ـامِ ولَيْثِ الكَتِيبَةِ بِالمُزْدَحَمْ والإتْيانُ بِـ (رَبِّكَ) دُونَ اسْمِ الجَلالَةِ لِلتَّلَطُّفِ. والِاسْتِدْراكُ بِقَوْلِهِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ راجِعٌ إلى ما أفادَهُ القَصْرُ مِن إبْطالِ مُساواةِ غَيْرِهِ لَهُ في الحَقِّيَّةِ إبْطالًا يَقْتَضِي ارْتِفاعَ النِّزاعِ في أحَقِّيَّتِهِ، أيْ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ بِما دَلَّتِ الأدِلَّةُ عَلى الإيمانِ بِهِ، فَمِن أجْلِ هَذا الخُلُقِ الذَّمِيمِ فِيهِمْ يَسْتَمِرُّ النِّزاعُ مِنهم في كَوْنِهِ حَقًّا. وابْتِداءُ السُّورَةِ بِهَذا تَنْوِيهٌ بِما في القُرْآنِ الَّذِي هَذِهِ السُّورَةُ جُزْءٌ مِنهُ، مَقْصُودٌ بِهِ تَهْيِئَةُ السّامِعِ لِلتَّأمُّلِ مِمّا سَيَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الكَلامِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب