الباحث القرآني
(p-٥٢)﴿ولَمّا فَصَلَتِ العِيرُ قالَ أبُوهم إنِّي لَأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنِّدُونِ﴾ ﴿قالُوا تاللَّهِ إنَّكَ لَفي ضَلالِكَ القَدِيمِ﴾ ﴿فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ ألْقاهُ عَلى وجْهِهِ فارْتَدَّ بَصِيرًا﴾ [يوسف: ٩٦] التَّقْدِيرُ: فَخَرَجُوا وارْتَحَلُوا في عِيرٍ.
ومَعْنى فَصَلَتِ: ابْتَعَدَتْ عَنِ المَكانِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالجُنُودِ﴾ [البقرة: ٢٤٩] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
والعِيرُ تَقَدَّمَ آنِفًا، وهي العِيرُ الَّتِي أقْبَلُوا فِيها مِن فِلَسْطِينَ.
ووِجْدانُ يَعْقُوبَ رِيحَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلْهامٌ خارِقٌ لِلْعادَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ بِشارَةً لَهُ إذْ ذَكَّرَهُ بِشَمِّهِ الرِّيحَ الَّذِي ضَمَّخَ بِهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ خُرُوجِهِ مَعَ إخْوَتِهِ وهَذا مِن صِنْفِ الوَحْيِ بِدُونِ كَلامِ مَلَكٍ مُرْسَلٍ، وهو داخِلٌ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وحْيًا﴾ [الشورى: ٥١] .
والرِّيحُ: الرّائِحَةُ، وهي ما يَعْبَقُ مِن طِيبٍ تُدْرِكُهُ حاسَّةُ الشَّمِّ.
وأكَّدَ هَذا الخَبَرَ بِـ (أنْ) واللّامِ لِأنَّهُ مَظِنَّةُ الإنْكارِ، ولِذَلِكَ أعْقَبَهُ بِـ (﴿لَوْلا أنْ تُفَنِّدُونِ﴾) .
وجَوابُ (لَوْلا) مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ التَّأْكِيدُ، أيْ لَوْلا أنْ تُفَنِّدُونِي لَتَحَقَّقْتُمْ ذَلِكَ.
والتَّفْنِيدُ: النِّسْبَةُ لِلْفَنَدِ بِفَتْحَتَيْنِ، وهو اخْتِلالُ العَقْلِ مِنَ الخَوْفِ.
وحُذِفَتْ ياءُ المُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا بَعْدَ نُونِ الوِقايَةِ وبَقِيَتِ الكِسْرَةُ.
والَّذِينَ ﴿قالُوا تاللَّهِ إنَّكَ لَفي ضَلالِكَ القَدِيمِ﴾ هُمُ الحاضِرُونَ مِن أهْلِهِ ولَمْ يَسْبِقْ ذِكْرُهم لِظُهُورِ المُرادِ مِنهم ولَيْسُوا أبْناءَهُ لِأنَّهم كانُوا سائِرِينَ في طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ.
(p-٥٣)والضَّلالُ: البُعْدُ عَنِ الطَّرِيقِ المُوَصِّلَةِ. والظَّرْفِيَّةُ مَجازٌ في قُوَّةِ الِاتِّصافِ والتَّلَبُّسِ وأنَّهُ كَتَلَبُّسِ المَظْرُوفِ بِالظَّرْفِ. والمَعْنى: أنَّكَ مُسْتَمِرٌّ في التَّلَبُّسِ بِتَطَلُّبِ شَيْءٍ مِن غَيْرِ طَرِيقِهِ. أرادُوا طَمَعَهُ في لِقاءِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ ووَصَفُوا ذَلِكَ بِالقَدِيمِ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وكانَتْ مُدَّةُ غَيْبَةِ يُوسُفَ عَنْ أبِيهِ عَلَيْهِما السَّلامُ اثْنَيْنِ وعِشْرِينَ سَنَةً. وكانَ خِطابُهم إيّاهُ بِهَذا مُشْتَمِلًا عَلى شَيْءٍ مِنَ الخُشُونَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ أدَبُ عَشِيرَتِهِ مُنافِيًا لِذَلِكَ في عُرْفِهِمْ.
و(أنْ) في قَوْلِهِ (﴿فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ﴾ [يوسف: ٩٦]) مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. ووُقُوعُ (أنْ) بَعْدَ (لَمّا) التَّوْقِيتِيَّةِ كَثِيرٌ مِنَ الكَلامِ كَما في مُغْنِي اللَّبِيبِ.
وفائِدَةُ التَّأْكِيدِ في هَذِهِ الآيَةِ تَحْقِيقُ هَذِهِ الكَرامَةِ الحاصِلَةِ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأنَّها خارِقُ عادَةٍ، ولِذَلِكَ لَمْ يُؤْتَ بِـ (أنْ) في نَظائِرِ هَذِهِ الآيَةِ مِمّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ داعٍ لِلتَّأْكِيدِ.
والبَشِيرُ: فَعِيلٌ بِمَعْنى مُفَعِّلٍ، أيِ المُبَشِّرُ مِثْلَ السَّمِيعِ في قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ:
؎أمِن رَيْحانَةِ الدّاعِي السَّمِيعِ
والتَّبْشِيرُ: المُبادَرَةُ بِإبْلاغِ الخَبَرِ المُسِرِّ بِقَصْدِ إدْخالِ السُّرُورِ. وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يُبَشِّرُهم رَبُّهم بِرَحْمَةٍ مِنهُ﴾ [التوبة: ٢١] في سُورَةِ بَراءَةَ. وهَذا البَشِيرُ هو يَهُوذا بْنُ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيِ العِيرِ لِيَكُونَ أوَّلَ مَن يُخْبِرُ أباهُ بِخَبَرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ
وارْتَدَّ: رَجَعَ، وهو افْتِعالٌ مُطاوِعُ رَدَّهُ، أيْ رَدَّ اللَّهُ إلَيْهِ قُوَّةَ بَصَرِهِ كَرامَةً لَهُ ولِيُوسُفَ عَلَيْهِما السَّلامُ وخارِقَةً لِلْعادَةِ. وقَدْ أشَرْتُ إلى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الحُزْنِ﴾ [يوسف: ٨٤] .
{"ayahs_start":94,"ayahs":["وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِیرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَۖ لَوۡلَاۤ أَن تُفَنِّدُونِ","قَالُوا۟ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِی ضَلَـٰلِكَ ٱلۡقَدِیمِ"],"ayah":"وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِیرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّی لَأَجِدُ رِیحَ یُوسُفَۖ لَوۡلَاۤ أَن تُفَنِّدُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق