الباحث القرآني
﴿ولَمّا دَخَلُوا مِن حَيْثُ أمَرَهم أبُوهم ما كانَ يُغْنِي عَنْهم مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إلّا حاجَةً في نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وإنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ. والواوُ اعْتِراضِيَّةٌ.
ودَلَّتْ (حَيْثُ) عَلى الجِهَةِ، أيْ لَمّا دَخَلُوا مِنَ الجِهاتِ الَّتِي أمَرَهم أبُوهم بِالدُّخُولِ مِنها. فالجُمْلَةُ الَّتِي تُضافُ إلَيْها حَيْثُ هي الَّتِي تُبَيِّنُ المُرادَ مِنَ الجِهَةِ.
وقَدْ أغْنَتْ جُمْلَةُ ﴿ولَمّا دَخَلُوا مِن حَيْثُ أمَرَهم أبُوهُمْ﴾ عَنْ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ، وهي أنَّهُمُ ارْتَحَلُوا ودَخَلُوا مِن حَيْثُ أمَرَهم أبُوهم، ولَمّا دَخَلُوا مِن حَيْثُ أمَرَهم سَلِمُوا مِمّا كانَ يَخافُهُ عَلَيْهِمْ. وما كانَ دُخُولُهم مِن حَيْثُ أمَرَهم يُغْنِي عَنْهم مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَوْ قَدَّرَ اللَّهُ أنْ يُحاطَ بِهِمْ، فالكَلامُ إيجازٌ. ومَعْنى ﴿ما كانَ يُغْنِي عَنْهم مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ﴾ أنَّهُ ما كانَ يَرُدُّ عَنْهم قَضاءَ اللَّهِ لَوْلا أنَّ اللَّهَ قَدَّرَ سَلامَتَهم.
والِاسْتِثْناءُ في قَوْلِهِ ﴿إلّا حاجَةً﴾ مُنْقَطِعٌ؛ لِأنَّ الحاجَةَ الَّتِي في نَفْسِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسَتْ بَعْضًا مِنَ الشَّيْءِ المَنفِيِّ إغْناؤُهُ عَنْهم مِنَ اللَّهِ، فالتَّقْدِيرُ: لَكِنَّ حاجَةً في نَفْسِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَضاها.
والقَضاءُ: الإنْفاذُ، ومَعْنى قَضاها أنْفَذَها. يُقالُ: قَضى حاجَةً لِنَفْسِهِ، إذا أنْفَذَ ما أضْمَرَهُ في نَفْسِهِ، أيْ نَصِيحَةً لِأبْنائِهِ أدّاها لَهم ولَمْ يَدَّخِرْها عَنْهم لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِأنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَظُنُّهُ نافِعًا لَهم إلّا أبْلَغَهُ إلَيْهِمْ.
(p-٢٥)والحاجَةُ: الأمْرُ المَرْغُوبُ فِيهِ. سُمِّيَ حاجَةً لِأنَّهُ مُحْتاجٌ إلَيْهِ، فَهي مِنَ التَّسْمِيَةِ بِاسْمِ المَصْدَرِ. والحاجَةُ الَّتِي في نَفْسِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ هي حِرْصُهُ عَلى تَنْبِيهِهِمْ لِلْأخْطارِ الَّتِي تَعْرِضُ لِأمْثالِهِمْ في مِثْلِ هَذِهِ الرِّحْلَةِ إذا دَخَلُوا مِن بابٍ واحِدٍ. وتَعْلِيمُهُمُ الأخْذَ بِالأسْبابِ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ.
وجُمْلَةُ ﴿وإنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ﴾ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ولَمّا دَخَلُوا مِن حَيْثُ أمَرَهم أبُوهُمْ﴾ إلَخْ وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ .
وهُوَ ثَناءٌ عَلى يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالعِلْمِ والتَّدْبِيرِ، وأنَّ ما أسْداهُ مِنَ النُّصْحِ لَهم هو مِنَ العِلْمِ الَّذِي آتاهُ اللَّهُ وهو مِن عِلْمِ النُّبُوءَةِ.
وقَوْلُهُ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ اسْتِدْراكٌ نَشَأ عَنْ جُمْلَةِ ﴿ولَمّا دَخَلُوا مِن حَيْثُ أمَرَهم أبُوهُمْ﴾ إلَخَّ. والمَعْنى أنَّ اللَّهَ أمَرَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأخْذِ أسْبابِ الِاحْتِياطِ والنَّصِيحَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِأنَّ ذَلِكَ لا يُغْنِي عَنْهم مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَدَّرَهُ لَهم، فَإنَّ مُرادَ اللَّهِ تَعالى خَفِيٌّ عَنِ النّاسِ، وقَدْ أمَرَ بِسُلُوكِ الأسْبابِ المُعْتادَةِ. وعَلِمَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَلِكَ، ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ تَطَلُّبَ الأمْرَيْنِ فَيُهْمِلُونَ أحَدَهُما. فَمِنهم مَن يُهْمِلُ مَعْرِفَةَ أنَّ الأسْبابَ الظّاهِرِيَّةَ لا تَدْفَعُ أمْرًا قَدَّرَهُ اللَّهُ وعَلِمَ أنَّهُ واقِعٌ، ومِنهم مَن يُهْمِلُ الأسْبابَ وهو لا يَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ أرادَ في بَعْضِ الأحْوالِ عَدَمَ تَأْثِيرِها.
وقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ ﴿وإنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ﴾ بِصَرِيحِهِ عَلى أنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَمِلَ بِما عَلَّمَهُ اللَّهُ. ودَلَّ قَوْلُهُ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ بِتَعْرِيضِهِ عَلى أنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ القَلِيلِ مِنَ النّاسِ الَّذِينَ عَلِمُوا مُراعاةَ الأمْرَيْنِ لِيَتَقَرَّرَ الثَّناءُ عَلى يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِاسْتِفادَتِهِ مِنَ الكَلامِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِالصَّراحَةِ ومَرَّةً بِالِاسْتِدْراكِ.
والمَعْنى أنَّ أكْثَرَ النّاسِ في جَهالَةٍ عَنْ وضْعِ هاتِهِ الحَقائِقِ مَوْضِعَها ولا يَخْلُونَ عَنْ مُضَيِّعٍ لِإحْداهِما. ويُفَسِّرُ هَذا المَعْنى قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ (p-٢٦)اللَّهُ عَنْهُ لَمّا أمَرَ المُسْلِمِينَ بِالقُفُولِ عَنْ عَمْواسَ لَمّا بَلَغَهُ ظُهُورُ الطّاعُونِ بِها وقالَ لَهُ أبُو عُبَيْدَةَ: أفِرارًا مِن قَدَرِ اللَّهِ ؟ فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ غَيْرُكَ قالَها يا أبا عُبَيْدَةَ ألَسْنا نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ. . . إلى آخِرِ الخَبَرِ.
{"ayah":"وَلَمَّا دَخَلُوا۟ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَهُمۡ أَبُوهُم مَّا كَانَ یُغۡنِی عَنۡهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَیۡءٍ إِلَّا حَاجَةࣰ فِی نَفۡسِ یَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ وَإِنَّهُۥ لَذُو عِلۡمࣲ لِّمَا عَلَّمۡنَـٰهُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق