الباحث القرآني
﴿قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكم أنْفُسُكم أمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾
حَرْفُ الإضْرابِ إبْطالٌ لِدَعْواهم أنَّ الذِّئْبَ أكَلَهُ فَقَدْ صَرَّحَ لَهم بِكَذِبِهِمْ.
والتَّسْوِيلُ: التَّسْهِيلُ وتَزْيِينُ النَّفْسِ ما تَحْرِصُ عَلى حُصُولِهِ.
والإبْهامُ الَّذِي في كَلِمَةِ (أمْرًا) يَحْتَمِلُ عِدَّةَ أشْياءَ مِمّا يُمْكِنُ أنْ يُؤْذُوا بِهِ (p-٢٣٩)يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ: مِن قَتْلٍ، أوْ بَيْعٍ، أوْ تَغْرِيبٍ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ تَعْيِينَ ما فَعَلُوهُ. وتَنْكِيرُ (أمْرًا) لِلتَّهْوِيلِ.
وفُرِّعَ عَلى ذَلِكَ إنْشاءُ التَّصَبُّرِ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ نائِبٌ مَنابَ اصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا. عَدَلَ بِهِ عَنِ النَّصْبِ إلى الرَّفْعِ لِلدَّلالَةِ عَلى الثَّباتِ والدَّوامِ، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿قالُوا سَلامًا قالَ سَلامٌ﴾ [هود: ٦٩] في سُورَةِ هُودٍ. ويَكُونُ ذَلِكَ اعْتِراضًا في أثْناءِ خِطابِ أبْنائِهِ، أوْ يَكُونُ تَقْدِيرُ: اصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا، عَلى أنَّهُ خِطابٌ لِنَفْسِهِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ صَبْرٌ جَمِيلٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ، أيْ فَأمْرِي صَبْرٌ. أوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ كَذَلِكَ. والمَعْنى عَلى الإنْشاءِ أوْقَعُ، وتَقَدَّمَ الصَّبْرُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
ووَصْفُ جَمِيلٌ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وصْفًا كاشِفًا إذِ الصَّبْرُ كُلُّهُ حَسَنٌ دُونَ الجَزَعِ. كَما قالَ إبْراهِيمُ بْنُ كُنَيفٍ النَّبْهانِيُّ:
؎تَصَبَّرْ فَإنَّ الصَّبْرَ بِالحُرِّ أجْمَلُ ولَيْسَ عَلى رَيْبِ الزَّمانِ مُعَوَّلُ
أيْ: أجْمَلُ مِنَ الجَزَعِ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وصْفًا مُخَصَّصًا. وقَدْ فُسِّرَ الصَّبْرُ الجَمِيلُ بِالَّذِي لا يُخالِطُهُ جَزَعٌ.
والجَمالُ: حُسْنُ الشَّيْءِ في صِفاتِ مَحاسِنِ صِنْفِهِ، فَجَمالُ الصَّبْرِ أحْسَنُ أحْوالِهِ، وهو أنْ لا يُقارِنُهُ شَيْءٌ يُقَلِّلُ خَصائِصَ ماهِيَّتِهِ.
وفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ مَرَّ بِامْرَأةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقالَ لَها: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي، فَقالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي فَإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي - ولَمْ تَعْرِفْهُ - فَلَمّا انْصَرَفَ مَرَّ بِها رَجُلٌ، فَقالَ لَها: إنَّهُ النَّبِيءُ ﷺ . فَأتَتْ بابَ النَّبِيِّ ﷺ (p-٢٤٠)فَقالَتْ: لَمْ أعْرِفْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى»، أيِ الصَّبْرُ الكامِلُ.
وقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فَتَكُونُ مُحْتَمِلَةً لِلْمَعْنَيَيْنِ المَذْكُورَيْنِ مِن إنْشاءِ الِاسْتِعانَةِ أوِ الإخْبارِ بِحُصُولِ اسْتِعانَتِهِ بِاللَّهِ عَلى تَحَمُّلِ الصَّبْرِ عَلى ذَلِكَ، أوْ أرادَ الِاسْتِعانَةَ بِاللَّهِ لِيُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى الخَلاصِ مِمّا أحاطَ بِهِ.
والتَّعْبِيرُ عَمّا أصابَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِما تَصِفُونَ في غايَةِ البَلاغَةِ لِأنَّهُ كانَ واثِقًا بِأنَّهم كاذِبُونَ في الصِّفَةِ وواثِقًا بِأنَّهم ألْحَقُوا بِيُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ضُرًّا فَلَمّا لَمْ يَتَعَيَّنْ عِنْدَهُ المُصابُ أجْمَلَ التَّعْبِيرَ عَنْهُ إجْمالًا مُوَجَّهًا لِأنَّهم يَحْسَبُونَ أنَّ ما يَصِفُونَهُ هو مَوْتُهُ بِأكْلِ الذِّئْبِ إيّاهُ ويَعْقُوبُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يُرِيدُ أنَّ ما يَصِفُونَهُ هو المُصابُ الواقِعُ الَّذِي وصَفُوهُ وصْفًا كاذِبًا. فَهو قَرِيبٌ مِن قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: ١٨٠] .
وإنَّما فَوَّضَ يَعْقُوبُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - الأمْرَ إلى اللَّهِ ولَمْ يَسْعَ لِلْكَشْفِ عَنْ مَصِيرِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِأنَّهُ عَلِمَ تَعَذُّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِكِبَرِ سِنِّهِ، ولِأنَّهُ لا عَضُدَ لَهُ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلى أبْنائِهِ أُولَئِكَ. وقَدْ صارُوا هُمُ السّاعِينَ في البُعْدِ بَيْنَهُ وبَيْنَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فَأيِسَ مِنِ اسْتِطاعَةِ الكَشْفِ عَنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِدُونِهِمْ، ألا تَرى أنَّهُ لَمّا وجَدَ مِنهم فُرْصَةً قالَ لَهُمُ ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأخِيهِ﴾ [يوسف: ٨٧] .
{"ayah":"وَجَاۤءُو عَلَىٰ قَمِیصِهِۦ بِدَمࣲ كَذِبࣲۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرࣰاۖ فَصَبۡرࣱ جَمِیلࣱۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق