الباحث القرآني
(p-٥)
﴿وما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ إلّا عَلى اللَّهِ رِزْقُها ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعَها كُلٌّ في كِتاب مُبِينٍ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ: ﴿يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ [هود: ٥] . والتَّقْدِيرُ: وما مِن دابَّةٍ إلّا يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعَها، وإنَّما نُظِمَ الكَلامُ عَلى هَذا الأُسْلُوبِ تَفَنُّنًا لِإفادَةِ التَّنْصِيصِ عَلى العُمُومِ بِالنَّفْيِ المُؤَكَّدِ بِـ مِن، ولِإدْماجِ تَعْمِيمِ رِزْقِ اللَّهِ كُلَّ دابَّةٍ في الأرْضِ في أثْناءِ إفادَةِ عُمُومِ عِلْمِهِ بِأحْوالِ كُلِّ دابَّةٍ، فَلِأجْلِ ذَلِكَ أُخِّرَ الفِعْلُ المَعْطُوفُ لِأنَّ في التَّذْكِيرِ بِأنَّ اللَّهَ رازِقُ الدَّوابِّ الَّتِي لا حِيلَةَ لَها في الِاكْتِسابِ اسْتِدْلالًا عَلى أنَّهُ عَلِيمٌ بِأحْوالِها، فَإنَّ كَوْنَهُ رازِقًا لِلدَّوابِّ قَضِيَّةٌ مِنَ الأُصُولِ المَوْضُوعَةِ المَقْبُولَةِ عِنْدَ عُمُومِ البَشَرِ، فَمِن أجْلِ ذَلِكَ جُعِلَ رِزْقُ اللَّهِ إيّاها دَلِيلًا عَلى عِلْمِهِ بِما تَحْتاجُهُ.
والدّابَّةُ في اللُّغَةِ اسْمٌ لِما يَدِبُّ أيْ يَمْشِي عَلى الأرْضِ غَيْرِ الإنْسانِ.
وزِيادَةُ في الأرْضِ تَأْكِيدٌ لِمَعْنى دابَّةٍ في التَّنْصِيصِ عَلى أنَّ العُمُومَ مُسْتَعْمَلٌ في حَقِيقَتِهِ.
والرِّزْقُ: الطَّعامُ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَدَ عِنْدَها رِزْقًا﴾ [آل عمران: ٣٧]
والِاسْتِثْناءُ مِن عُمُومِ الأحْوالِ التّابِعِ لِعُمُومِ الذَّواتِ والمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِذِكْرِ رِزْقِها الَّذِي هو مِن أحْوالِها.
وتَقْدِيمُ عَلى اللَّهِ قَبْلَ مُتَعَلِّقِهِ وهو رِزْقُها لِإفادَةِ القَصْرِ، أيْ عَلى اللَّهِ لا عَلى غَيْرِهِ، ولِإفادَةِ تَرْكِيبِ عَلى اللَّهِ رِزْقُها مَعْنى أنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ بِرِزْقِها ولَمْ (p-٦)يُهْمِلْهُ؛ لِأنَّ عَلى تَدُلُّ عَلى اللُّزُومِ والمَحْقُوقِيَّةِ، ومَعْلُومٌ أنَّ اللَّهَ لا يُلْزِمُهُ أحَدٌ شَيْئًا، فَما أفادَ مَعْنى اللُّزُومِ فَإنَّما هو التِزامُهُ بِنَفْسِهِ بِمُقْتَضى صِفاتِهِ المُقْتَضِيَةِ ذَلِكَ لَهُ كَما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعْدًا عَلَيْنا﴾ [الأنبياء: ١٠٤] وقَوْلُهُ: ﴿حَقًّا عَلَيْنا﴾ [يونس: ١٠٣]
والِاسْتِثْناءُ مِن عُمُومِ ما يُسْنَدُ إلَيْهِ رِزْقُ الدَّوابِّ في ظاهِرِ ما يَبْدُو لِلنّاسِ أنَّهُ رِزْقٌ مِن أصْحابِ الدَّوابِّ ومَن يُرَبُّونَها، أيْ رِزْقُها عَلى اللَّهِ لا عَلى غَيْرِهِ، فالمُسْتَثْنى هو الكَوْنُ عَلى اللَّهِ والمُسْتَثْنى مِنهُ مُطْلَقُ الكَوْنِ مِمّا يُتَخَيَّلُ أنَّهُ رَزّاقٌ فَحَصْرُ الرِّزْقِ في الكَوْنِ عَلى اللَّهِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ في العُرْفِ بِاعْتِبارِ أنَّ اللَّهَ مُسَبِّبٌ ذَلِكَ الرِّزْقَ ومُقَدِّرُهُ.
وجُمْلَةُ ﴿ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعَها﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ الِاسْتِثْناءِ لا عَلى المُسْتَثْنى، أيْ واللَّهُ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّ كُلِّ دابَّةٍ ومُسْتَوْدَعِها. فَلَيْسَ حُكْمُ هَذِهِ الجُمْلَةِ بِداخِلٍ في حَيِّزِ الحَصْرِ.
والمُسْتَقَرُّ: مَحَلُّ اسْتِقْرارِها. والمُسْتَوْدَعُ: مَحَلُّ الإيداعِ، والإيداعُ: الوَضْعُ والدَّخَرُ. والمُرادُ بِهِ مُسْتَوْدَعُها في الرَّحِمِ قَبْلَ بُرُوزِها إلى الأرْضِ كَقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] في سُورَةِ الأنْعامِ.
وتَنْوِينُ ”كُلٌّ“ تَنْوِينِ عِوَضٍ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ اخْتِصارٌ، أيْ كُلُّ رِزْقِها ومُسْتَقَرِّها ومُسْتَوْدَعِها في كِتابٍ مُبِينٍ، أيْ كِتابَةٍ، فالكِتابُ هُنا مَصْدَرٌ كَقَوْلِهِ: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكم. وهو مُسْتَعْمَلٌ في تَقْدِيرِ العِلْمِ وتَحْقِيقِهِ بِحَيْثُ لا يَقْبَلُ زِيادَةً ولا نُقْصانًا ولا تَخَلُّفًا. كَما أنَّ الكِتابَةَ يُقْصَدُ مِنها أنْ لا يُزادَ في الأمْرِ ولا يُنْقَصَ ولا يُبْطَلَ. قالَ الحارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
؎حَذَرَ الجَوْرِ والتَّطاخِي وهَلْ يَنْقُ ضُ ما في المَهارِقِ الأهْـواءُ
والمُبِينُ: اسْمُ فاعِلِ أبانَ بِمَعْنى أظْهَرَ، وهو تَخْيِيلٌ لِاسْتِعارَةِ الكِتابِ لِلتَّقْدِيرِ. ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَن يُطالِعُهُ لِأنَّ عِلْمَ اللَّهِ وقَدَرَهُ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أحَدٌ.
{"ayah":"۞ وَمَا مِن دَاۤبَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَیَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلࣱّ فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق