الباحث القرآني
﴿ويَصْنَعُ الفُلْكَ وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنهُ قالَ إنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإنّا نَسْخَرُ مِنكم كَما تَسْخَرُونَ﴾ ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ ويَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿واصْنَعِ الفُلْكَ﴾ [هود: ٣٧] . أيْ أُوحِيَ إلَيْهِ ﴿اصْنَعِ الفُلْكَ﴾ [المؤمنون: ٢٧]، وصَنَعَ الفُلْكَ. وإنَّما عَبَّرَ عَنْ صُنْعِهِ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ الحالَةِ لِتَخْيِيلِ السّامِعِ أنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِصَدَدِ العَمَلِ، كَقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا﴾ [فاطر: ٩] وقَوْلِهِ ﴿يُجادِلُنا في قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤]
وجُمْلَةُ ﴿وكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ يَصْنَعُ
(p-٦٨)وكُلَّما كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِن (كُلَّ) و(ما) الظَّرْفِيَّةِ المَصْدَرِيَّةِ. وانْتَصَبَتْ (كُلَّ) عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِأنَّها اكْتَسَبَتِ الظَّرْفِيَّةَ بِالإضافَةِ إلى الظَّرْفِ، وهو مُتَعَلِّقُ سَخِرُوا، وهو جَوابُهُ مِن جِهَةٍ أُخْرى. والمَعْنى: وسَخِرَ مِنهُ مَلَأٌ مِن قَوْمِهِ في كُلِّ زَمَنِ مُرُورِهِمْ عَلَيْهِ.
ولَمّا في كُلَّما مِنَ العُمُومِ مَعَ الظَّرْفِيَّةِ أُشْرِبَتْ مَعْنى الشَّرْطِ مِثْلُ إذا فاحْتاجَتْ إلى جَوابٍ وهو ﴿سَخِرُوا مِنهُ﴾
وجُمْلَةُ ﴿قالَ إنْ تَسْخَرُوا مِنّا﴾ حِكايَةٌ لِما يُجِيبُ بِهِ سُخْرِيَتَهم، أُجْرِيَتْ عَلى طَرِيقَةِ فِعْلِ القَوْلِ إذا وقَعَ في سِياقِ المُحاوَرَةِ؛ لِأنَّ جُمْلَةَ سَخِرُوا تَتَضَمَّنُ أقْوالًا تَنْبَنِي عَنْ سُخْرِيَتِهِمْ أوْ تُبِينُ عَنْ كَلامٍ في نُفُوسِهِمْ.
وجَمْعُ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ: مِنّا يُشِيرُ إلى أنَّهم يَسْخَرُونَ مِنهُ في عَمَلِ السَّفِينَةِ ومِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ إذْ كانُوا حَوْلَهُ واثِقِينَ بِأنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلًا عَظِيمًا، وكَذَلِكَ جَمْعُهُ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾
والسُّخْرِيَةُ: الِاسْتِهْزاءُ. وهو تَعَجُّبٌ بِاحْتِقارٍ واسْتِحْماقٍ. وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠] في أوَّلِ سُورَةِ الأنْعامِ، وفِعْلُها يَتَعَدّى بِـ مِن
وسُخْرِيَتُهم مِنهُ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلى العَبَثِ بِناءً عَلى اعْتِقادِهِمْ أنَّ ما يَصْنَعُهُ لا يَأْتِي بِتَصْدِيقِ مُدَّعاهُ.
وسُخْرِيَةُ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - والمُؤْمِنِينَ. مِنَ الكافِرِينَ مِن سَفَهِ عُقُولِهِمْ وجَهْلِهِمْ بِاللَّهِ وصِفاتِهِ. فالسُّخْرِيَتانِ مُقْتَرِنَتانِ في الزَّمَنِ.
وبِذَلِكَ يَتَّضِحُ وجْهُ التَّشْبِيهِ في قَوْلِهِ: ﴿كَما تَسْخَرُونَ﴾ فَهو تَشْبِيهٌ في السَّبَبِ الباعِثِ عَلى السُّخْرِيَةِ، وإنْ كانَ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ بَوْنٌ.
(p-٦٩)ويَجُوزُ أنْ تَجْعَلَ كافَ التَّشْبِيهِ مُفِيدَةً مَعْنى التَّعْلِيلِ كالَّتِي في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿واذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَيُفِيدُ التَّفاوُتَ بَيْنَ السُّخْرِيَتَيْنِ؛ لِأنَّ السُّخْرِيَةَ المُعَلَّلَةَ أحَقُّ مِنَ الأُخْرى، فالكُفّارُ سَخِرُوا مِن نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِعَمَلٍ يَجْهَلُونَ غايَتَهُ، ونُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وأتْباعُهُ سَخِرُوا مِنَ الكُفّارِ لِعِلْمِهِمْ بِأنَّهم جاهِلُونَ في غُرُورٍ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ﴾ فَهو تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَإنّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾ أيْ سَيَظْهَرُ مَن هو الأحَقُّ بِأنْ يُسْخَرَ مِنهُ.
وفِي إسْنادِ العِلْمِ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ دُونَ الضَّمِيرِ المُشارِكِ بِأنْ يُقالَ: فَسَوْفَ نَعْلَمُ، إيماءٌ إلى أنَّ المُخاطَبِينَ هُمُ الأحَقُّ بِعِلْمِ ذَلِكَ. وهَذا يُفِيدُ أدَبًا شَرِيفًا بِأنَّ الواثِقَ بِأنَّهُ عَلى الحَقِّ لا يُزَعْزِعُ ثِقَتَهُ مُقابَلَةُ السُّفَهاءِ أعْمالَهُ النّافِعَةَ بِالسُّخْرِيَةِ، وأنَّ عَلَيْهِ وعَلى أتْباعِهِ أنْ يَسْخَرُوا مِنَ السّاخِرِينَ.
والخِزْيُ: الإهانَةُ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾ [آل عمران: ١٩٢] في آخِرِ سُورَةِ آلَ عِمْرانَ.
والعَذابُ المُقِيمُ: عَذابُ الآخِرَةِ، أيْ مَن يَأْتِيهِ عَذابُ الخِزْيِ في الحَياةِ الدُّنْيا، والعَذابُ الخالِدُ في الآخِرَةِ.
ومَنِ اسْتِفْهامِيَّةٌ مُعَلِّقَةٌ لِفِعْلِ العِلْمِ عَنِ العَمَلِ، وحُلُولُ العَذابِ: حُصُولُهُ؛ شَبَّهَ الحُصُولَ بِحُلُولِ القادِمِ إلى المَكانِ وهو إطْلاقٌ شائِعٌ حَتّى ساوى الحَقِيقَةَ.
{"ayahs_start":38,"ayahs":["وَیَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَیۡهِ مَلَأࣱ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ","فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن یَأۡتِیهِ عَذَابࣱ یُخۡزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیۡهِ عَذَابࣱ مُّقِیمٌ"],"ayah":"فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن یَأۡتِیهِ عَذَابࣱ یُخۡزِیهِ وَیَحِلُّ عَلَیۡهِ عَذَابࣱ مُّقِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق