الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ إنِّي لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أنْ لا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ إنِّيَ أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ ألِيمٍ﴾
انْتِقالٌ مِن إنْذارِ المُشْرِكِينَ ووَصْفِ أحْوالِهِمْ وما ناسَبَ ذَلِكَ إلى مَوْعِظَتِهِمْ بِما أصابَ المُكَذِّبِينَ قَبْلَهم مِنَ المَصائِبِ، وفي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيءِ ﷺ بِما لاقاهُ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ قَبْلَهُ مِن أقْوامِهِمْ.
فالعَطْفُ مِن عَطْفِ القِصَّةِ عَلى القِصَّةِ وهي الَّتِي تُسَمّى الواوَ الِابْتِدائِيَّةُ.
وأُكِّدَتِ الجُمْلَةُ بِلامِ القَسَمِ وقَدْ لِأنَّ المُخاطَبِينَ لِما غَفَلُوا عَنِ الحَذَرِ مِمّا بِقَوْمِ نُوحٍ مَعَ مُماثَلَةِ حالِهِمْ نَزَلُوا مَنزِلَةَ المُنْكِرِ لِوُقُوعِ رِسالَتِهِ.
(p-٤٤)وقَرَأ نافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ إنِّي بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّهُ مَحْكِيٌّ بِفِعْلِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ في مَحَلِّ حالٍ، أيْ قائِلًا.
وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ، وأبُو جَعْفَرٍ، ويَعْقُوبُ، وخَلَفُ - بِفَتْحِ الهَمْزَةِ - عَلى تَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ وهو الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، أيْ أرْسَلْناهُ مُتَلَبِّسًا بِذَلِكَ، أيْ بِمَعْنى المَصْدَرِ المُنْسَبِكِ مِن أنِّي نَذِيرٌ، أيْ مُتَلَبِّسًا بِالنِّذارَةِ البَيِّنَةِ.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وقَوْمِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحًا﴾ [آل عمران: ٣٣] في آلِ عِمْرانَ. وعِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ﴾ [الأعراف: ٥٩] في سُورَةِ الأعْرافِ.
وجُمْلَةُ ﴿لا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ﴾ مُفَسِّرَةٌ لِجُمْلَةِ أرْسَلْنا لِأنَّ الإرْسالَ فِيهِ مَعْنى القَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ، ويَجُوزُ كَوْنُها تَفْسِيرًا لِـ نَذِيرٌ لِما في ”نَذِيرٌ“ مِن مَعْنى القَوْلِ، كَقَوْلِهِ في سُورَةِ نُوحٍ ﴿قالَ يا قَوْمِ إنِّي لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [نوح: ٢] ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ﴾ [نوح: ٣] . وهَذا الوَجْهُ مُتَعَيِّنٌ عَلى قِراءَةِ فَتْحِ هَمْزَةِ أنِّي إذا اعْتُبِرَتْ أنْ تَفْسِيرِيَّةً. ويَجُوزُ جَعْلُ أنْ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ فَيَكُونُ بَدَلًا مِن (أنِّي لَكم نَذِيرٌ مُبِينٌ) عَلى قِراءَةِ - فَتْحِ الهَمْزَةِ - واسْمُها ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ، أيْ أنَّهُ لا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ.
وجُمْلَةُ ﴿إنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ ألِيمٍ﴾ تَعْلِيلٌ لِـ ”نَذِيرٌ“ لِأنَّ شَأْنَ النِّذارَةِ أنْ تَثْقُلَ عَلى النُّفُوسِ وتُخْزِهِمْ فَكانَتْ جَدِيرَةً بِالتَّعْلِيلِ لِدَفْعِ حَرَجِ ما يُلاقُونَهُ.
ووَصْفُ اليَوْمِ بِالألِيمِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ، وهو أبْلَغُ مِن أنْ يُوصَفَ العَذابُ بِالألِيمِ؛ لِأنَّ شِدَّةَ العَذابِ لَمّا بَلَغَتِ الغايَةَ جُعِلَ زَمانُهُ ألِيمًا، أيْ مُؤْلِمًا.
وجُمْلَةُ أخافُ عَلَيْكم ونَحْوُها مِثْلُ أخْشى عَلَيْكَ، تُسْتَعْمَلُ لِلتَّوَقُّعِ في الأمْرِ المَظْنُونِ أوِ المَقْطُوعِ بِهِ بِاعْتِبارِ إمْكانِ الِانْفِلاتِ مِنَ المَقْطُوعِ بِهِ، كَقَوْلِ لَبِيَدٍ:
؎أخْشى عَلى أرْبَدَ الحُتُوفَ ولا أخْشى عَلَيْهِ الرِّياحَ والمَطَرا
فَيَتَعَدّى الفِعْلُ بِنَفْسِهِ إلى الخَوْفِ مِنهُ ويَتَعَدّى إلى المَخُوفِ عَلَيْهِ بِحَرْفِ عَلى كَما في الآيَةِ وبَيْتِ لَبِيَدٍ.
(p-٤٥)والعَذابُ هُنا نَكِرَةٌ في المَعْنى؛ لِأنَّهُ أُضِيفَ إلى نَكِرَةٍ فَكانَ مُحْتَمِلًا لِعَذابِ الدُّنْيا وعَذابِ الآخِرَةِ. فَأمّا عَذابُ الدُّنْيا فَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِنُزُولِهِ بِهِمْ ولَكِنَّهُ مَظْنُونٌ مِن نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِناءً عَلى ما عَلِمَهُ مِن عِنايَةِ اللَّهِ بِإيمانِ قَوْمِهِ وما أُوحِيَ إلَيْهِ مِنَ الحِرْصِ في التَّبْلِيغِ، فَعَلِمَ أنَّ شَأْنَ ذَلِكَ أنْ لا يَتْرُكَ مَن عَصَوْهُ دُونَ عُقُوبَةٍ. ولِذَلِكَ قالَ في كَلامِهِ الآتِي ﴿إنَّما يَأْتِيكم بِهِ اللَّهُ إنْ شاءَ﴾ [هود: ٣٣] عَلى ما يَأْتِي هُنالِكَ. وكانَ العَذابُ شامِلًا لِعَذابِ الآخِرَةِ أيْضًا إنْ بَقَوْا عَلى الكُفْرِ، وهو مَقْطُوعٌ بِهِ لِأنَّ اللَّهَ يَقْرِنُ الوَعِيدَ بِالدَّعْوَةِ، فَلِذَلِكَ قالَ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - في كَلامِهِ الآتِي ﴿وما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [هود: ٣٣]، وقَدْ تَبادَرَ إلى أذْهانِ قَوْمِهِ عَذابُ الدُّنْيا لِأنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِالبَعْثِ فَلِذَلِكَ قالُوا في كَلامِهِمُ الآتِي ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [هود: ٣٢] . ولَعَلَّ في كَلامِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ما تُفِيدُهم أنَّهُ تَوَعَّدَهم بِعَذابٍ في الدُّنْيا وهو الطُّوفانُ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦۤ إِنِّی لَكُمۡ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ","أَن لَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ أَلِیمࣲ"],"ayah":"أَن لَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ أَلِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق