الباحث القرآني
﴿فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَألْتُكم مِن أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلّا عَلى اللَّهِ وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾
الفاءُ لِتَفْرِيعِ الكَلامِ عَلى الكَلامِ فَجُمْلَةُ الشَّرْطِ وجَوابُهُ مُفَرَّعَتانِ عَلى الجُمْلَتَيْنِ السّابِقَتَيْنِ، ولَمّا كانَ تَوَلِّيهِمْ عَنْ دَعْوَتِهِ قَدْ وقَعَ واسْتَمَرَّ تَعَيَّنَ أنَّ جَعْلَ التَّوَلِّي في جُمْلَةِ الشَّرْطِ مُرادٌ بِهِ ما كانَ حَصَلَ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ جَوابَ الشَّرْطِ الَّذِي هو شَيْءٌ قَدْ وقَعَ أيْضًا. وإنَّما قُصِدَ إقْرارُهم بِهِ قَطْعًا لِتَعَلُّلاتِهِمْ واسْتِقْصاءً لِقَطْعِ مَعاذِيرِهِمْ. والمَعْنى: (p-٢٤١)فَإنْ كُنْتُمْ قَدْ تَوَلَّيْتُمْ فَقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي ما سَألْتُكم أجْرًا فَتَتَّهِمُونِي بِرَغْبَةٍ في نَفْعٍ يَنْجَرُّ لِي مِن دَعْوَتِكم حَتّى تُعْرِضُوا عَنْها شُحًّا بِأمْوالِكم أوِ اتِّهامًا بِتَكْذِيبِي، وهَذا إلْزامٌ لَهم بِأنَّ تَوَلِّيَهم لَمْ يَكُنْ فِيهِ احْتِمالُ تُهْمَتِهِمْ إيّاهُ بِتَطَلُّبِ نَفْعٍ لِنَفْسِهِ. وبِذَلِكَ بَرَّأ نَفْسَهُ مِن أنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَوَلِّيهِمْ، وبِهَذا تَعَيَّنَ أنَّ المُعَلَّقَ بِهَذا الشَّرْطِ هو التَّحَقُّقُ بَيْنَ مَضْمُونِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ وجُمْلَةِ الجَزاءِ لا وُقُوعُ جُمْلَةِ الجَزاءِ عِنْدَ وُقُوعِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ. وذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ [المائدة: ١١٦] في آخِرِ سُورَةِ العُقُودِ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وإنْ كانَ طائِفَةٌ مِنكم آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فاصْبِرُوا حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا﴾ [الأعراف: ٨٧] في سُورَةِ الأعْرافِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنْ أجْرِيَ إلّا عَلى اللَّهِ﴾ تَعْمِيمٌ لِنَفْيِ تَطَلُّبِهِ أجْرًا عَلى دَعْوَتِهِمْ سَواءٌ مِنهم أمْ مِن غَيْرِهِمْ، فالقَصْرُ حَقِيقِيٌّ وبِهِ يَحْصُلُ تَأْكِيدُ جُمْلَةِ ﴿فَما سَألْتُكم مِن أجْرٍ﴾ مَعَ زِيادَةِ التَّعْمِيمِ. وطَرِيقُ جَزْمِهِ بِأنَّ اللَّهَ يُؤْجِرُهُ عَلى ذَلِكَ هو وعْدُ اللَّهِ إيّاهُ بِهِ بِما أوْحى إلَيْهِ.
وأتى بِحَرْفِ ”عَلى“ المُفِيدِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ بِناءً عَلى وعْدِ اللَّهِ إيّاهُ وأعْلَمَهُ بِأنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ وعْدَهُ، فَصارَ بِالوَعْدِ حَقًّا عَلى اللَّهِ التَزَمَ اللَّهُ بِهِ.
والأجْرُ: العِوَضُ الَّذِي يُعْطى لِأجْلِ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ آخِذُ العِوَضِ.
وجُمْلَةُ ﴿وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ الجَوابِ، والتَّقْدِيرُ فَإنْ تَوَلَّيْتُمْ فَأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ، أيْ أمَرَنِي اللَّهُ أنْ أتَّبِعَ الدِّينَ الحَقَّ ولَوْ كُنْتُ وحْدِي. وهَذا تَأْيِيسٌ لَهم بِأنَّ إجْماعَهم عَلى التَّوَلِّي عَنْهُ لا يَفُلُّ حَدَّهُ ولا يَصُدُّهُ عَنْ مُخالَفَةِ دِينِهِمُ الضَّلّالِ.
وبُنِيَ فِعْلُ ”أُمِرْتُ“ لِلْمَجْهُولِ في اللَّفْظِ لِلْعِلْمِ بِهِ، إذْ مِنَ المَعْلُومِ مِن سِياقِ الكَلامِ أنَّ الَّذِي أمَرَهُ هو اللَّهُ تَعالى.
وقَوْلُهُ: ﴿أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ أيْ مِنَ الفِئَةِ الَّتِي يَصْدُقُ عَلَيْها هَذا الوَصْفُ وهو الإسْلامُ، أيْ تَوْحِيدُ اللَّهِ دُونَ عِبادَةِ شَرِيكٍ؛ لِأنَّهُ مُشْتَقٌّ مِن إسْلامِ العِبادَةِ (p-٢٤٢)وتَخْلِيصِها لِلَّهِ - تَعالى - دُونَ غَيْرِهِ. كَما في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَقُلْ أسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ ومَنِ اتَّبَعَنِ﴾ [آل عمران: ٢٠]
وقَدْ سُمِّيَ التَّوْحِيدُ ودِينُ الحَقِّ الخالِصُ إسْلامًا في مُخْتَلِفِ العُصُورِ وسَمّى اللَّهُ بِهِ سُنَنَ الرُّسُلِ فَحَكاهُ عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - هُنا وعَنْ إبْراهِيمَ بِقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿إذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِمْ قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١]، وعَنْ إسْماعِيلَ ﴿رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨]، ويَعْقُوبَ وبَنِيهِ إذْ حَكى عَنْهم ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، وعَنْ يُوسُفَ ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا﴾ [يوسف: ١٠١]، وعَنْ مُوسى قالَ ﴿وقالَ مُوسى يا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٨٤]، وعَنْ سُلَيْمانَ ﴿ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١]، وعَنْ عِيسى والحَوارِيِّينَ ﴿قالُوا آمَنّا واشْهَدْ بِأنَّنا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة: ١١١] . وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وقَوْلُهُ: ﴿أنْ أكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ أقْوى في الدَّلالَةِ عَلى الِاتِّصافِ بِالإسْلامِ مِن: أنْ أكُونَ مُسْلِمًا، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩] في سُورَةِ ”بَراءَةٌ“ .
{"ayah":"فَإِن تَوَلَّیۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق