الباحث القرآني
﴿قُلْ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ ﴿مَتاعٌ في الدُّنْيا ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُهم ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾
اسْتِئْنافٌ افْتُتِحَ بِأمْرِ النَّبِيءِ ﷺ أنْ يَقُولَ لِتَنْبِيهِ السّامِعِينَ إلى وعْيِ ما يَرِدُ بَعْدَ الأمْرِ بِالقَوْلِ بِأنَّهُ أمْرٌ مُهِمٌّ بِحَيْثُ يُطْلَبُ تَبْلِيغُهُ، وذَلِكَ أنَّ المَقُولَ قَضِيَّةٌ عامَّةٌ يَحْصُلُ مِنها وعِيدٌ لِلَّذِينَ قالُوا:﴿اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾ [يونس: ٦٨]، عَلى مَقالَتِهِمْ تِلْكَ، وعَلى أمْثالِها كَقَوْلِهِمْ ﴿ما في بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ومُحَرَّمٌ عَلى أزْواجِنا﴾ [الأنعام: ١٣٩] وقَوْلِهِمْ: ما كانَ لِآلِهَتِهِمْ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ لا يَصِلُ إلى اللَّهِ وما كانَ لِلَّهِ مِن ذَلِكَ يَصِلُ إلى آلِهَتِهِمْ، وقَوْلِهِمْ ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] (p-٢٣٣)وأمْثالِ ذَلِكَ. فَذَلِكَ كُلُّهُ افْتِراءٌ عَلى اللَّهِ؛ لِأنَّهم يَقُولُونَهُ عَلى أنَّهُ دِينٌ، وماهِيَّةُ الدِّينِ أنَّهُ وضْعٌ إلَهِيٌّ فَهو مَنسُوبٌ إلَيْهِ، ويَحْصُلُ مِن تِلْكَ القَضِيَّةِ وعِيدٌ لِأمْثالِ المُشْرِكِينَ مِن كُلِّ مَن يَفْتَرِي عَلى اللَّهِ ما لَمْ يَقُلْهُ، فالمَقُولُ لَهُمُ ابْتِداءً هُمُ المُشْرِكُونَ.
والفَلاحُ: حُصُولُ ما قَصَدَهُ العامِلُ مِن عَمَلِهِ بِدُونِ انْتِقاضٍ ولا عاقِبَةِ سُوءٍ. وتَقَدَّمَ في طالِعِ سُورَةِ البَقَرَةِ. فَنَفْيُ الفَلاحِ هُنا نَفْيٌ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِمْ مِنَ الكَذِبِ وتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ ﷺ .
وجُمْلَةُ ”مَتاعٌ في الدُّنْيا“ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ؛ لِأنَّ القَضاءَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الفَلاحِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أنْ يَسْألَ سائِلٌ كَيْفَ نَراهم في عِزَّةٍ وقُدْرَةٍ عَلى أذى المُسْلِمِينَ وصَدِّ النّاسِ عَنِ اتِّباعِ الرَّسُولِ ﷺ فَيُجابُ السّائِلُ بِأنَّ ذَلِكَ تَمْتِيعٌ في الدُّنْيا لا يُعْبَأُ بِهِ، وإنَّما عَدَمُ الفَلاحِ مَظْهَرُهُ الآخِرَةُ، فَـ ”مَتاعٌ“ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يُعْلَمُ مِنَ الجُمْلَةِ السّابِقَةِ، أيْ أمْرُهم مَتاعٌ.
والمَتاعُ: المَنفَعَةُ القَلِيلَةُ في الدُّنْيا إذْ يُقِيمُونَ بِكَذِبِهِمْ سِيادَتَهم وعِزَّتَهم بَيْنَ قَوْمِهِمْ ثُمَّ يَزُولُ ذَلِكَ.
ومادَّةُ ”مَتاعٌ“ مُؤْذِنَةٌ بِأنَّهُ غَيْرُ دائِمٍ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ [الأعراف: ٢٤] في أوائِلِ سُورَةِ الأعْرافِ.
وتَنْكِيرُهُ مُؤْذِنٌ بِتَقْلِيلِهِ، وتَقْيِيدُهُ بِأنَّهُ في الدُّنْيا مُؤَكِّدٌ لِلزَّوالِ ولِلتَّقْلِيلِ، و”ثُمَّ“ مِن قَوْلِهِ: ”﴿ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُهُمْ﴾“ لِلتَّراخِي الرُّتْبِيِّ لِأنَّ مَضْمُونَهُ هو مَحَقَّةُ أنَّهم لا يُفْلِحُونَ فَهو أهَمُّ مَرْتَبَةً مِن مَضْمُونِ لا يُفْلِحُونَ.
والمَرْجِعُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنى الرُّجُوعِ. ومَعْنى الرُّجُوعِ إلى اللَّهِ الرُّجُوعُ إلى وقْتِ نَفاذِ حُكْمِهِ المُباشِرِ فِيهِمْ.
وتَقْدِيمُ ”إلَيْنا“ عَلى مُتَعَلِّقِهِ وهو المَرْجِعُ لِلِاهْتِمامِ بِالتَّذْكِيرِ بِهِ واسْتِحْضارِهِ كَقَوْلِهِ: ”﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ [النور: ٣٩]“ إلى قَوْلِهِ: ”﴿ووَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ﴾ [النور: ٣٩]“ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَرْجِعُ كِنايَةً عَنِ المَوْتِ.
(p-٢٣٤)وجُمْلَةُ ”﴿ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذابَ الشَّدِيدَ﴾“ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ”ثُمَّ إلَيْنا مَرْجِعُهم“
وحَرْفُ ثُمَّ هَذا مُؤَكِّدٌ لِنَظِيرِهِ الَّذِي في الجُمْلَةِ المُبَيَّنَةِ عَلى أنَّ المُرادَ بِالمَرْجِعِ الحُصُولُ في نَفاذِ حُكْمِ اللَّهِ.
والجُمَلُ الأرْبَعُ هي مِنَ المَقُولِ المَأْمُورِ بِهِ النَّبِيءُ ﷺ تَبْلِيغًا عَنِ اللَّهِ تَعالى.
وإذاقَةُ العَذابِ إيصالُهُ إلى الإحْساسِ، أُطْلِقَ عَلَيْهِ الإذاقَةُ لِتَشْبِيهِهِ بِإحْساسِ الذَّوْقِ في التَّمَكُّنِ مِن أقْوى أعْضاءِ الجِسْمِ حاسِّيَّةَ لَمْسٍ وهو اللِّسانُ.
والباءُ في ”بِما كانُوا يَكْفُرُونَ“ لِلتَّعْلِيلِ.
وقَوْلُهُ: ”﴿كانُوا يَكْفُرُونَ﴾“ يُؤْذِنُ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنهم وتَجَدُّدِهِ بِأنْواعِ الكُفْرِ.
{"ayahs_start":69,"ayahs":["قُلۡ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ","مَتَـٰعࣱ فِی ٱلدُّنۡیَا ثُمَّ إِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ نُذِیقُهُمُ ٱلۡعَذَابَ ٱلشَّدِیدَ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ"],"ayah":"مَتَـٰعࣱ فِی ٱلدُّنۡیَا ثُمَّ إِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ نُذِیقُهُمُ ٱلۡعَذَابَ ٱلشَّدِیدَ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق