﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئًا ولَكِنَّ النّاسَ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾
تَذْيِيلٌ، وشَمِلَ عُمُومُ النّاسِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ولا يَهْتَدُونَ ويَنْظُرُونَ ولا يَعْتَبِرُونَ. والمَقْصُودُ مِن هَذا التَّذْيِيلِ التَّعْرِيضُ بِالوَعِيدِ بِأنْ سَيَنالُهم ما نالَ جَمِيعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِتَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ. وعُمُومُ النّاسِ الأوَّلُ عَلى بابِهِ وعُمُومُ النّاسِ الثّانِي مُرادٌ بِهِ خُصُوصُ النّاسِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِقَرِينَةِ الخَبَرِ. وإنَّما حَسُنَ الإتْيانُ في جانِبِ هَؤُلاءِ بِصِيغَةِ العُمُومِ تَنْزِيلًا لِلْكَثْرَةِ مَنزِلَةَ الإحاطَةِ لِأنَّ ذَلِكَ غالِبُ حالِ النّاسِ في ذَلِكَ الوَقْتِ.
وهَذا الِاسْتِدْراكُ أشْعَرَ بِكَلامٍ مَطْوِيٍّ بَعْدَ نَفْيِ الظُّلْمِ عَنِ اللَّهِ، وهو أنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ بِعِقابِهِ مَن لَمْ يَسْتَوْجِبِ العِقابَ ولَكِنَّ النّاسَ يَظْلِمُونَ فَيَسْتَحِقُّونَ العِقابَ، فَصارَ المَعْنى أنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ بِالعِقابِ ولَكِنَّهم يَظْلِمُونَ أنْفُسَهم بِالِاعْتِداءِ عَلى ما أرادَ مِنهم فَيُعاقِبُهم عَدْلًا لِأنَّهم ظَلَمُوا فاسْتَوْجَبُوا العِقابَ.
وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ عَلى عامِلِهِ لِإفادَةِ تَغْلِيطِهِمْ بِأنَّهم ما جَنُوا بِكُفْرِهِمْ إلّا عَلى أنْفُسِهِمْ وما ظَلَمُوا اللَّهَ ولا رُسُلَهُ فَما أضَرُّوا بِعَمَلِهِمْ إلّا أنْفُسَهم.
وقَرَأ الجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ نُونِ ”لَكِنَّ“ ونَصْبِ ”النّاسَ“ وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِتَخْفِيفِ النُّونِ ورَفْعِ ”النّاسَ“
{"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَیۡـࣰٔا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ"}