الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وتَرْهَقُهم ذِلَّةٌ ما لَهم مِنَ اللَّهِ مِن عاصِمٍ كَأنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهم قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى﴾ [يونس: ٢٦] . وعَبَّرَ في جانِبِ المُسِيئِينَ بِفِعْلِ ﴿كَسَبُوا السَّيِّئاتِ﴾ دُونَ فِعْلِ أساءُوا الَّذِي عَبَّرَ بِهِ في جانِبِ الَّذِينَ أحْسَنُوا لِلْإشارَةِ إلى أنَّ إساءَتَهم مِن فِعْلِهِمْ وسَعْيِهِمْ فَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ.
(p-١٤٨)والمَوْصُولُ مُرادٌ بِهِ خُصُوصُ المُشْرِكِينَ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ . فَإنَّ الخُلُودَ في النّارِ لا يَقَعُ إلّا لِلْكافِرِينَ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ الأدِلَّةُ المُتَظافِرَةُ خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ والخَوارِجِ.
وجُمْلَةُ ﴿جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها﴾ خَبَرٌ عَنْ (الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) . وتَنْكِيرُ سَيِّئَةٍ لِلْعُمُومِ، أيْ جَزاءُ كُلِّ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها، وهو وإنْ كانَ في سِياقِ الإثْباتِ فالعُمُومُ مُسْتَفادٌ مِنَ المَقامِ وهو مَقامُ عُمُومِ المُبْتَدَأِ، كَقَوْلِ الحَرِيرِيِّ:
؎يا أهْلَ ذا المَغْنى وُقِيتُمُ ضُرًّا
أيْ كُلَّ ضُرٍّ. وذَلِكَ العُمُومُ مُغْنٍ عَنِ الرّابِطِ بَيْنَ الجُمْلَةِ الخَبَرِيَّةِ والمُبْتَدَأِ، أوْ يُقَدَّرُ مَجْرُورٌ، أيْ جَزاءُ سَيِّئَةٍ مِنهم، كَما قُدِّرَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا أوْ بِهِ أذًى مِن رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] أيْ فَعَلَيْهِ.
واقْتَصَرَ عَلى الذِّلَّةِ لَهم دُونَ زِيادَةِ ويَرْهَقُهم قَتَرٌ؛ لِأنَّهُ سَيَجِيءُ ما هو أشَدُّ مِنهُ وهو قَوْلُهُ: ﴿كَأنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهم قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾
وجُمْلَةُ ﴿ما لَهم مِنَ اللَّهِ مِن عاصِمٍ﴾ خَبَرٌ ثانٍ، أوْ حالٌ مِنَ (الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ)، أوْ مُعْتَرِضَةٌ. وهو تَهْدِيدٌ وتَأْيِيسٌ.
والعاصِمُ: المانِعُ والحافِظُ. ومَعْنى ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ مِنِ انْتِقامِهِ وجَزائِهِ. وهَذا مِن تَعْلِيقِ الفِعْلِ بِاسْمِ الذّاتِ، والمُرادُ بَعْضُ أحْوالِ الذّاتِ مِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ مِثْلَ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣]
وجُمْلَةُ ﴿كَأنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ﴾ إلَخْ بَيانٌ لِجُمْلَةِ ﴿تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ﴾ [القلم: ٤٣] بَيانَ تَمْثِيلٍ، أوْ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ: وتَرْهَقُهُمْ
و﴿أُغْشِيَتْ﴾ مُعَدّى غَشِيَ إذا أحاطَ وغَطّا، فَصارَ بِالهَمْزَةِ مُعَدًّى إلى مَفْعُولَيْنِ مِن بابِ كَسا. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ [الأعراف: ٥٤] في الأعْرافِ، وقَوْلِهِ: ﴿إذْ يُغْشِيكُمُ النُّعاسَ﴾ [الأنفال: ١١] في الأنْفالِ.
(p-١٤٩)والقِطَعُ - بِفَتْحِ الطّاءِ - في قِراءَةِ الجُمْهُورِ: جَمْعُ قِطْعَةٍ، وهي الجُزْءُ مِنَ الشَّيْءِ، سُمِّيَ قِطْعَةً لِأنَّهُ يُقْتَطَعُ مِن كُلٍّ غالِبًا، فَهي فِعْلَةٌ بِمَعْنى مُفَعْوِلَةٍ نُقِلَتْ إلى الِاسْمِيَّةِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ والكِسائِيُّ ويَعْقُوبُ قِطْعًا بِسُكُونِ الطّاءِ. وهو اسْمٌ لِلْجُزْءِ مِن زَمَنِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، قالَ - تَعالى: ﴿فَأسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١]
وقَوْلُهُ: ﴿مُظْلِمًا﴾ حالٌ مِنَ اللَّيْلِ. ووَصْفُ اللَّيْلِ وهو زَمَنُ الظُّلْمَةِ بِكَوْنِهِ مُظْلِمًا لِإفادَةِ تَمَكُّنِ الوَصْفِ مِنهُ كَقَوْلِهِمْ: لَيْلٌ ألْيَلُ، وظِلٌّ ظَلِيلٌ، وشِعْرٌ شاعِرٌ، فالمُرادُ مِنَ اللَّيْلِ الشَّدِيدِ الإظْلامِ بِاحْتِجابِ نُجُومِهِ وتَمَكُّنِ ظُلْمَتِهِ. شُبِّهَتْ قَتَرَةُ وُجُوهِهِمْ بِظَلامِ اللَّيْلِ.
وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ هي كَجُمْلَةِ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٦]
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ كَسَبُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ جَزَاۤءُ سَیِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةࣱۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمࣲۖ كَأَنَّمَاۤ أُغۡشِیَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق