الباحث القرآني
﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهم قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾
هَذِهِ الجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿ويَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: ٢٥] لِأنَّ الهِدايَةَ (p-١٤٦)بِمَن يَشاءُ تُفِيدُ مَهْدِيًّا وغَيْرَ مَهْدِيٍّ. فَفي هَذِهِ الجُمْلَةِ ذِكْرُ ما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ كِلا الفَرِيقَيْنِ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَها بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِن مُجْمَلٍ.
ولَمّا أوْقَعَ ذِكْرَ الَّذِينَ أحْسَنُوا في جُمْلَةِ البَيانِ عَلِمَ السّامِعُ أنَّهم هُمُ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وأنَّ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ هو العَمَلُ الحَسَنُ، وأنَّ الحُسْنى هي دارُ السَّلامِ. ويَشْرَحُ هَذِهِ الآيَةَ قَوْلُهُ - تَعالى - في سُورَةِ الأنْعامِ: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ ومَن يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأنَّما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٥] ﴿وهَذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٦] ﴿لَهم دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وهو ولِيُّهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٧]
والحُسْنى: في الأصْلِ صِفَةُ أُنْثى الأحْسَنِ، ثُمَّ عُومِلَتْ مُعامَلَةَ الجِنْسِ فَأُدْخِلَتْ عَلَيْها لامُ تَعْرِيفِ الجِنْسِ فَبَعُدَتْ عَنِ الوَصْفِيَّةِ ولَمْ تَتْبَعْ مَوْصُوفَها.
وتَعْرِيفُها يُفِيدُ الِاسْتِغْراقَ، مِثْلَ البُشْرى، ومِثْلَ الصّالِحَةِ الَّتِي جَمْعُها الصّالِحاتُ. والمَعْنى: لِلَّذِينَ أحْسَنُوا جِنْسُ الأحْوالِ الحُسْنى عِنْدَهم، أيْ لَهم ذَلِكَ في الآخِرَةِ. وبِذَلِكَ تَعَيَّنَ أنَّ ماصَدَقَها الَّذِي أُرِيدَ بِها هو الجَنَّةُ لِأنَّها أحْسَنُ مَثُوبَةً يَصِيرُ إلَيْها الَّذِينَ أحْسَنُوا وبِذَلِكَ صَيَّرَها القُرْآنُ عَلَمًا بِالغَلَبَةِ عَلى الجَنَّةِ ونَعِيمِها مِن حُصُولِ المَلاذِّ العَظِيمَةِ.
والزِّيادَةُ يَتَعَيَّنُ أنَّها زِيادَةٌ لَهم لَيْسَتْ داخِلَةً في نَوْعِ الحُسْنى بِالمَعْنى الَّذِي صارَ عَلَمًا بِالغَلَبَةِ، فَلا يَنْبَغِي أنْ تُفَسَّرَ بِنَوْعٍ مِمّا في الجَنَّةِ لِأنَّها تَكُونُ حِينَئِذٍ مِمّا يَسْتَغْرِقُهُ لَفْظُ الحُسْنى فَتَعَيَّنَ أنَّها أمْرٌ يَرْجِعُ إلى رِفْعَةِ الأقْدارِ، فَقِيلَ: هي رِضى اللَّهِ - تَعالى - كَما قالَ ﴿ومَساكِنَ طَيِّبَةً في جَنّاتِ عَدْنٍ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ [التوبة: ٧٢]، وقِيلَ: هي رُؤْيَتُهُمُ اللَّهَ تَعالى. وقَدْ ورَدَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وجامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ قالَ: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ نادى مُنادٍ: إنَّ لَكم عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، قالُوا: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا وتُنْجِنا مِنَ النّارِ وتُدْخِلْنا الجَنَّةَ، قالَ: فَيُكْشَفُ الحِجابُ، قالَ: فَواللَّهِ ما أعْطاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَيْهِ» . وهو أصْرَحُ ما ورَدَ في تَفْسِيرِها.
(p-١٤٧)والرَّهَقُ: الغَشَيانُ. وفِعْلُهُ مِن بابِ فَرِحَ.
والقَتَرُ: لَوْنٌ هو غُبْرَةٌ إلى السَّوادِ. ويُقالُ لَهُ قَتَرَةٌ والَّذِي تَخَلَّصَ لِي مِن كَلامِ الأيِمَّةِ والِاسْتِعْمالِ أنَّ القَتَرَةَ لَوْنٌ يَغْشى جِلْدَةَ الوَجْهِ مِن شِدَّةِ البُؤْسِ والشَّقاءِ والخَوْفِ. وهو مِن آثارِ تَهَيُّجِ الكَبِدِ مِنِ ارْتِجافِ الفُؤادِ خَوْفًا وتَوَقُّعًا.
والذِّلَّةُ: الهَوانُ. والمُرادُ أثَرُ الذِّلَّةِ الَّذِي يَبْدُو عَلى وجْهِ الذَّلِيلِ. والكَلامُ مُسْتَعْمَلٌ في صَرِيحِهِ وكِنايَتِهِ، أيْ لا تَتَشَوَّهُ وُجُوهُهم بِالقَتَرِ وأثَرِ الذِّلَّةِ ولا يَحْصُلُ لَهم ما يُؤَثِّرُ القَتَرَ وهَيْئَةَ الذِّلَّةِ.
ولَيْسَ مَعْنى نَفْيِ القَتَرِ والذِّلَّةِ عَنْهم في جُمْلَةِ أوْصافِهِمْ مَدِيحًا لَهم لِأنَّ ذَلِكَ لا يَخْطُرُ بِالبالِ وُقُوعًا بَعْدَ أنْ أثْبَتَ لَهُمُ الحُسْنى وزِيادَةً بَلِ المَعْنى التَّعْرِيضُ بِالَّذِينَ لَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهُمُ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ تَعْجِيلًا لِلْمَساءَةِ إلَيْهِمْ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ قَبْلَ التَّصْرِيحِ الَّذِي يَأْتِي في قَوْلِهِ: ﴿وتَرْهَقُهم ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٧] إلى قَوْلِهِ: مُظْلِمًا
وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ نَتِيجَةٌ لِلْمُقَدِّمَةِ، فَبَيْنَها وبَيْنَ الَّتِي قَبْلَها كَمالُ الِاتِّصالِ ولِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنْها ولَمْ تُعْطَفْ.
واسْمُ الإشارَةِ يَرْجِعُ إلى ﴿الَّذِينَ أحْسَنُوا﴾ [النجم: ٣١] . وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الخُلُودَ لِأجْلِ إحْسانِهِمْ نَظِيرَ قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥]
{"ayah":"۞ لِّلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِیَادَةࣱۖ وَلَا یَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرࣱ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق