الباحث القرآني
﴿هو الَّذِي يُسَيِّرُكم في البَرِّ والبَحْرِ حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وجاءَهُمُ المَوْجُ مِن كُلِّ مَكانٍ وظَنُّوا أنَّهم أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أنْجَيْتَنا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ ﴿فَلَمّا أنْجاهم إذا هم يَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [يونس: ٢٣]
هَذِهِ الجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿وإذا أذَقْنا النّاسَ رَحْمَةً﴾ [يونس: ٢١] إلى آخِرِها لِأنَّ البَغْيَ في الأرْضِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ المَكْرُ في آياتِ اللَّهِ. والمَقْصُودُ مِن هَذِهِ الجُمْلَةِ هو قَوْلُهُ: (p-١٣٥)﴿فَلَمّا أنْجاهم إذا هم يَبْغُونَ في الأرْضِ﴾ [يونس: ٢٣] وما سِواهُ تَمْهِيدٌ وإدْماجٌ لِلِامْتِنانِ. أعْقَبَ التَّهْدِيدَ عَلى كُفْرانِ النِّعْمَةِ بِذِكْرِ بَعْضِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ضَرّاءَ تَعْقُبَ النِّعْمَةَ لِلِابْتِلاءِ والتَّذْكِيرِ بِخالِقِهِمْ، ثُمَّ كَيْفَ تُفْرَجُ عَنْهم رَحْمَةً بِهِمْ فَيَكْفُرُ فَرِيقٌ مِنهم كِلْتا النِّعْمَتَيْنِ ولا يَتَذَكَّرُ، فَكانَ المَقْصُودُ أنَّ في ذَلِكَ أعْظَمَ الآياتِ عَلى الوَحْدانِيَّةِ فَكَيْفَ يَقُولُونَ ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ [يونس: ٢٠] وفي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ، وفي كُلِّ ذَلِكَ امْتِنانٌ عَلَيْهِمْ بِالنِّعْمَةِ وتَسْجِيلٌ لِكُفْرانِها ولِتَوارُدِ الآياتِ عَلَيْهِمْ ولِكَيْلا يَغْتَرُّوا بِالإمْهالِ فَيَحْسَبُوهُ رِضًى بِكُفْرِهِمْ أوْ عَجْزًا عَنْ أخْذِهِمْ، وهَذا مَوْقِعٌ رَشِيقٌ جِدُّ الرَّشاقَةِ لِهَذِهِ الآيَةِ القُرْآنِيَّةِ.
وإسْنادُ التَّسْيِيرِ إلى اللَّهِ - تَعالى - بِاعْتِبارِ أنَّهُ سَبَبُهُ لِأنَّهُ خالِقُ إلْهامِ التَّفْكِيرِ وقُوى الحَرَكَةِ العَقْلِيَّةِ والجَسَدِيَّةِ، فالإسْنادُ مَجازٌ عَقْلِيٌّ، فالقَصْرُ المُفادُ مِن جُمْلَةِ ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ. والكَلامُ مُسْتَعْمَلٌ في الِامْتِنانِ والتَّعْرِيضِ بِإخْلالِهِمْ بِواجِبِ الشُّكْرِ.
وحَتّى ابْتِدائِيَّةٌ، وهي غايَةٌ لِلتَّسْيِيرِ في البِحارِ خاصَّةً. وإنَّما كانَتْ غايَةً بِاعْتِبارِ ما عُطِفَ عَلى مَدْخُولِها مِن قَوْلِهِ: ﴿دَعَوُا اللَّهَ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [يونس: ٢٣]، والمُغَيّا هو ما في قَوْلِهِ: يُسَيِّرُكم مِنَ المِنَّةِ المُؤْذِنَةِ بِأنَّهُ تَسْيِيرُ رِفْقٍ مُلائِمٍ لِلنّاسِ، فَكانَ ما بَعْدَ حَتّى ومَعْطُوفاتِها نِهايَةَ ذَلِكَ الرِّفْقِ؛ لِأنَّ تِلْكَ الحالَةَ الَّتِي بَعْدَ حَتّى يَنْتَهِي عِنْدَها السَّيْرُ المُنْعَمُ بِهِ ويَدْخُلُونَ في حالَةِ البَأْساءِ والضَّرّاءِ، وهَذا النَّظْمُ نَسْجٌ بَدِيعٌ في أفانِينِ الكَلامِ.
ومِن بَدِيعِ الأُسْلُوبِ في الآيَةِ أنَّها لَمّا كانَتْ بِصَدَدِ ذِكْرِ النِّعْمَةِ جاءَتْ بِضَمائِرِ الخِطابِ الصّالِحَةِ لِجَمِيعِ السّامِعِينَ، فَلَمّا تَهَيَّأتْ لِلِانْتِقالِ إلى ذِكْرِ الضَّرّاءِ وقَعَ الِانْتِقالُ مِن ضَمائِرِ الخِطابِ إلى ضَمِيرِ الغَيْبَةِ لِتَلْوِينِ الأُسْلُوبِ بِما يُخَلِّصُهُ إلى الإفْضاءِ إلى ما يَخُصُّ المُشْرِكِينَ فَقالَ وجَرَيْنَ بِهِمْ عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ، أيْ وجَرَيْنَ بِكم. وهَكَذا أُجْرِيَتِ الضَّمائِرُ جامِعَةً لِلْفَرِيقَيْنِ إلى أنْ قالَ ﴿فَلَمّا أنْجاهم إذا هم يَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [يونس: ٢٣] فَإنَّ هَذا لَيْسَ مِن شِيَمِ المُؤْمِنِينَ فَتَمَحَّضَ ضَمِيرُ الغَيْبَةِ هَذا لِلْمُشْرِكِينَ، فَقَدْ أخْرَجَ مِنَ الخَبَرِ مَن عَدا الَّذِينَ يَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ تَعْوِيلًا عَلى القَرِينَةِ لِأنَّ الَّذِينَ يَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ لا يَشْمَلُ المُسْلِمِينَ.
وهَذا ضَرْبٌ مِنَ الِالتِفاتِ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أهْلُ المَعانِي وهو كالتَّخْصِيصِ بِطَرِيقِ الرَّمْزِ.
(p-١٣٦)وقَدْ عُدَّتْ هَذِهِ الآيَةُ مِن أمْثِلَةِ الِالتِفاتِ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ في ضَمائِرِ الغَيْبَةِ كُلِّها تَبَعًا لِلْكَشّافِ بِناءً عَلى جَعْلِ ضَمائِرِ الخِطابِ لِلْمُشْرِكِينَ وجَعْلِ ضَمائِرِ الغَيْبَةِ لَهم أيْضًا، وما نَحَوْتُهُ أنا ألْيَقُ.
وابْتُدِئَ الإتْيانُ بِضَمِيرِ الغَيْبَةِ مِن آخِرِ ذِكْرِ النِّعْمَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ لِلتَّصْرِيحِ بِأنَّ النِّعْمَةَ شَمِلَتْهم، ولِلْإشارَةِ إلى أنَّ مَجِيءَ العاصِفَةِ فَجْأةً في حالِ الفَرَحِ مُرادٌ مِنهُ ابْتِلاؤُهم وتَخْوِيفُهم. فَهو تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: ﴿وجاءَهُمُ المَوْجُ مِن كُلِّ مَكانٍ﴾
والسَّيْرُ في البَرِّ مَعْرُوفٌ لِلْعَرَبِ. وكَذَلِكَ السَّيْرُ في البَحْرِ. كانُوا يَرْكَبُونَ البَحْرَ إلى اليَمَنِ وإلى بِلادِ الحَبَشَةِ. وكانَتْ لِقُرَيْشٍ رِحْلَةُ الشِّتاءِ إلى اليَمَنِ وقَدْ يَرْكَبُونَ البَحْرَ لِذَلِكَ. وقَدْ وصَفَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ السُّفُنَ وسَيْرَها، وذَكَرَها عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ في مُعَلَّقَتِهِ، والنّابِغَةُ في دالِيَّتِهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ يُسَيِّرُكم بِتَحْتِيَّةٍ في أوَّلِهِ مَضْمُومَةٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ بَعْدَها تَحْتِيَّةٌ بَعْدَها راءٌ مِنَ السَّيْرِ، أيْ يَجْعَلُكم تَسِيرُونَ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ (يَنْشُرُكم) بِتَحْتِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ في أوَّلِهِ بَعْدَها نُونٌ ثُمَّ شِينٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ راءٌ مِنَ النَّشْرِ، وهو التَّفْرِيقُ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿إذا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠] وقَوْلِهِ: ﴿فانْتَشِرُوا في الأرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠] . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ أبِي جَمِيلَةَ وأبِي الزَّغَلِ: كانُوا (أيْ أهْلُ الكُوفَةِ) يَقْرَءُونَ ”يَنْشُرُكم“ فَنَظَرُوا في مُصْحَفِ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ فَوَجَدُوها يُسَيِّرُكم (أيْ بِتَحْتِيَّةٍ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ) فَأوَّلُ مَن كَتَبَها كَذَلِكَ الحَجّاجُ بْنُ يُوسُفَ، أيْ أمَرَ بِكَتْبِها في مَصاحِفِ أهْلِ الكُوفَةِ.
وحَتّى غايَةٌ لِلتَّسْيِيرِ. وهي هُنا ابْتِدائِيَّةٌ أُعْقِبَتْ بِحَرْفِ المُفاجَأةِ وجَوابِهِ، والجُمْلَةُ والغايَةُ هي مُفادُ جَوابِ إذا وهو قَوْلُهُ: ﴿جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ﴾، فَمَجِيءُ الرِّيحِ العاصِفِ هو غايَةُ التَّسْيِيرِ الهَنِيءِ المُنْعَمِ بِهِ، إذْ حِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ التَّسْيِيرُ كارِثَةً ومُصِيبَةً.
والفُلْكُ: اسْمٌ لِمَرْكَبِ البَحْرِ، واسْمُ جَمْعٍ لَهُ بِصِيغَةٍ واحِدَةٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿والفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي في البَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ [البقرة: ١٦٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وهو هَنا مُرادٌ بِهِ الجَمْعُ.
(p-١٣٧)والجَرْيُ: السَّيْرُ السَّرِيعُ في الأرْضِ أوْ في البَحْرِ، قالَ - تَعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها﴾ [هود: ٤١] والظّاهِرُ أنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِما.
والرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ في كَلامِ العَرَبِ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: (﴿وهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ [الأعراف: ٥٧]) في سُورَةِ الأعْرافِ. والطَّيِّبَةُ: المُلائِمَةُ الرَّفِيقَةُ بِالرّاكِبِينَ.
والطَّيِّبُ: المَوْصُوفُ بِالطِّيبِ الشَّدِيدِ. وأصْلُ مَعْنى الطَّيِّبِ المُلاءَمَةُ فِيما يُرادُ مِنَ الشَّيْءِ، كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: ٩٧]، ويُقالُ: طابَ لَهُ المُقامُ في مَكانِ كَذا. ومِنهُ سُمِّيَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ رِيحٌ وعُرْفٌ طِيبًا.
وجُمْلَةُ ﴿جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ﴾ جَوابُ إذا. وفي ذِكْرِ جَرْيِهِنَّ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرَحِهِمْ بِها إيماءٌ إلى أنَّ مَجِيءَ العاصِفَةِ حَدَثَ فَجْأةً دُونَ تَوَقُّعٍ مِن دَلالَةِ عَلاماتِ النَّوْتِيَّةِ كَما هو الغالِبُ. وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرٍ مُرادٍ لِلَّهِ - تَعالى - لِيُخَوِّفَهم ويُذَكِّرَهم بِوَحْدانِيَّتِهِ.
وضَمِيرُ جاءَتْها عائِدٌ إلى الفُلْكِ لِأنَّ جَمْعَ غَيْرِ العاقِلِ يُعامَلُ مُعامَلَةَ المُفْرَدِ المُؤَنَّثِ.
والعاصِفُ: وصْفٌ خاصٌّ بِالرِّيحِ، أيْ شَدِيدَةُ السُّرْعَةِ. وإنَّما لَمْ تَلْحَقْهُ عَلامَةُ التَّأْنِيثِ لِأنَّهُ مُخْتَصٌّ بِوَصْفِ الرِّيحِ فاسْتَغْنى عَنِ التَّأْنِيثِ، مِثْلُ: نافِسٍ وحائِضٍ ومُرْضِعٍ، فَشاعَ اسْتِعْمالُهُ كَذَلِكَ، وذُكِرَ وصْفًا لِلرِّيحِ فَبَقِيَ لا تَلْحَقُهُ التّاءُ. وقالُوا: إنَّما لَمْ تَلْحَقْهُ التّاءُ لِأنَّهُ في مَعْنى النَّسَبِ، مِثْلُ: لابِنٍ، وتامِرٍ، وفِيهِ نَظَرٌ.
ومَعْنى ﴿مِن كُلِّ مَكانٍ﴾ مِن كُلِّ جِهَةٍ مِن جِهاتِ الفُلْكِ، فالِابْتِداءُ الَّذِي تُفِيدُهُ مِن ابْتِداءُ الأمْكِنَةِ المُتَّجِهَةِ إلى الفُلْكِ.
ومَعْنى ﴿أُحِيطَ بِهِمْ﴾ أُخِذُوا وأُهْلِكُوا، فالعَرَبُ يَقُولُونَ: أحاطَ العَدُوُّ بِالقَبِيلَةِ إذا تَمَكَّنَ مِنها وغَلَبَها؛ لِأنَّ الإحاطَةَ بِها تَدُلُّ عَلى الإحْداقِ بِها وتَطْوِيقِها. ولَمّا كانَ ذَلِكَ هَزِيمَةً وامْتِلاكًا لَها صارَ تَرْتِيبُ ﴿أُحِيطَ بِهِمْ﴾ اسْتِعارَةً تَمْثِيلِيَّةً لِلْهَلاكِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالكافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٩] وقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إلّا أنْ يُحاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف: ٦٦] وقَوْلِهِ: ﴿وأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] أيْ هَلَكَتْ. فَمَعْنى ﴿وظَنُّوا أنَّهم أُحِيطَ بِهِمْ﴾ ظَنُّوا الهَلاكَ.
(p-١٣٨)وجُمْلَةُ ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾ جَوابُ إذا. ومَعْنى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ مُمْحِضِينَ لَهُ العِبادَةَ في دُعائِهِمْ، أيْ دَعَوْهُ ولَمْ يَدْعُوا مَعَهُ أصْنامَهم. ولَيْسَ المُرادَ أنَّهم أقْلَعُوا عَنِ الإشْراكِ في جَمِيعِ أحْوالِهِمْ بَلْ تِلْكَ حالَتُهم في الدُّعاءِ عِنْدَ الشَّدائِدِ. وهَذا إقامَةُ حُجَّةٍ عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ أحْوالِهِمْ، مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [الأنعام: ٤٠] ﴿بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ﴾ [الأنعام: ٤١]
وجُمْلَةُ ﴿لَئِنْ أنْجَيْتَنا﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ دَعَوُا لِأنَّ مَضْمُونَها هو الدُّعاءُ.
والإشارَةُ بـِ هَذِهِ إلى حالَةٍ حاضِرَةٍ لَهم، وهي حالَةُ إشْرافِهِمْ عَلى الغَرَقِ، فالمُشارُ إلَيْهِ هو الحالَةُ المُشاهَدَةُ لَهم.
وقَدْ أكَّدَ وعْدَهم بِالشُّكْرِ بِثَلاثِ مُؤَكِّداتٍ: لامِ تَوْطِئَةِ القَسَمِ، ونُونِ التَّوْكِيدِ، والتَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ ﴿مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ دُونَ ”لَنَكُونَنَّ شاكِرِينَ“، لِما يُفِيدُهُ مِن كَوْنِهِمْ مِن هَذِهِ الزُّمْرَةِ الَّتِي دَيْدَنُها الشُّكْرُ، كَما تَقَدَّمَ بَيانُ خُصُوصِيَّةِ مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إذًا وما أنا مِنَ المُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ٥٦] في سُورَةِ الأنْعامِ.
وأتى بِحَرْفِ إذا الفُجائِيَّةِ في جَوابِ لَمّا لِلدَّلالَةِ عَلى تَعْجِيلِهِمْ بِالبَغْيِ في الأرْضِ عَقِبَ النَّجاةِ.
والبَغْيُ: الِاعْتِداءُ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿والإثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [الأعراف: ٣٣] في سُورَةِ الأعْرافِ. والمُرادُ بِهِ هُنا الإشْراكُ كَما صَرَّحَ بِهِ في نَظِيرِها ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ إذا هم يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] . وسُمِّيَ الشِّرْكُ بَغْيًا لِأنَّهُ اعْتِداءٌ عَلى حَقِّ الخالِقِ وهو أعْظَمُ اعْتِداءٍ، كَما يُسَمّى ظُلْمًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ مِنها قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] . ولا يَحْسُنُ تَفْسِيرُ البَغْيِ هُنا بِالظُّلْمِ والفَسادِ في الأرْضِ، إذْ لَيْسَ ذَلِكَ شَأْنُ جَمِيعِهِمْ فَإنَّ مِنهم حُلَماءَ قَوْمِهِمْ، ولِأنَّهُ لا يُناسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَ ﴿إنَّما بَغْيُكم عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [يونس: ٢٣] . ولِمَعْنى هَذِهِ الآيَةِ في القُرْآنِ نَظائِرُ، كَقَوْلِهِ: ﴿وإذا مَسَّ الإنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إلَيْهِ ثُمَّ إذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُو إلَيْهِ مِن قَبْلُ وجَعَلَ لِلَّهِ أنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الزمر: ٨] الآيَةَ.
وزِيادَةُ (في الأرْضِ) لِمُجَرَّدِ تَأْكِيدِ تَمَكُّنِهِمْ مِنَ النَّجاةِ. وهو كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ فَمِنهم مُقْتَصِدٌ﴾ [لقمان: ٣٢] أيْ جَعَلُوا مَكانَ أثَرِ النِّعْمَةِ بِالنَّجاةِ مَكانًا لِلْبَغْيِ.
(p-١٣٩)وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ [يونس: ٢٣] هو قَيْدٌ كاشِفٌ لِمَعْنى البَغْيِ، إذِ البَغْيُ لا يَكُونُ بِحَقٍّ، فَهو كالتَّقْيِيدِ في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ومَن أضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص: ٥٠]
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی یُسَیِّرُكُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا كُنتُمۡ فِی ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَیۡنَ بِهِم بِرِیحࣲ طَیِّبَةࣲ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَاۤءَتۡهَا رِیحٌ عَاصِفࣱ وَجَاۤءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ أُحِیطَ بِهِمۡ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ لَىِٕنۡ أَنجَیۡتَنَا مِنۡ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق