الباحث القرآني
﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هو وإنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وهْوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
عَطَفٌ عَلى جُمْلَةِ ولا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ لِقَصْدِ التَّعْرِيضِ بِإبْطالِ عَقِيدَةِ المُشْرِكِينَ أنَّ الأصْنامَ شُفَعاءٌ عِنْدَ اللَّهِ، فَلَمّا أبْطَلَتِ الآيَةُ السّابِقَةُ أنْ تَكُونَ الأصْنامُ نافِعَةً أوْ ضارَّةً، وكانَ إسْنادُ النَّفْعِ أوِ الضُّرِّ أكْثَرَ ما يَقَعُ عَلى مَعْنى صُدُورِهِما مِن فاعِلِهِما ابْتِداءً، ولا يَتَبادَرُ مِن ذَلِكَ الإسْنادِ مَعْنى الوَساطَةِ في تَحْصِيلِهِما مِن فاعِلٍ، عُقِّبَتْ جُمْلَةُ ﴿ولا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ﴾ [يونس: ١٠٦] بِهَذِهِ الجُمْلَةِ لِلْإعْلامِ بِأنَّ إرادَةَ اللَّهِ النَّفْعَ أوِ الضُّرَّ لِأحَدٍ لا يَسْتَطِيعُ غَيْرُهُ أنْ يَصْرِفَهُ عَنْها أوْ يَتَعَرَّضَ فِيها إلّا مَن جَعَلَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ بِدُعاءٍ أوْ شَفاعَةٍ.
ووَجْهُ عَطْفِها عَلى الجُمْلَةِ السّابِقَةِ لِما بَيْنَهُما مِن تَغايُرٍ في المَعْنى بِالتَّفْصِيلِ والزِّيادَةِ، وبِصِيغَتَيِ العُمُومِ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هُوَ﴾ وفي قَوْلِهِ: ﴿فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ﴾ الدّاخِلِ فِيهِما أصْنامُهم وهي المَقْصُودَةُ، كَما صُرِّحَ بِهِ في قَوْلِهِ - تَعالى - في سُورَةِ الزُّمَرِ ﴿أفَرَأيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إنْ أرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أوْ أرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ﴾ [الزمر: ٣٨]
(p-٣٠٦)وتَوْجِيهُ الخِطابِ لِلنَّبِيءِ ﷺ لِأنَّهُ أوْلى النّاسِ بِالخَيْرِ ونَفْيِ الضُّرِّ. فَيَعْلَمُ أنَّ غَيْرَهُ أوْلى بِهَذا الحَكَمِ وهَذا المَقْصُودُ.
والمَسُّ: حَقِيقَتُهُ وضْعُ اليَدِ عَلى جِسْمٍ لِاخْتِبارِ مَلْمَسِهِ، وقَدْ يُطْلَقُ عَلى الإصابَةِ مَجازًا مُرْسَلًا. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ﴾ [الأعراف: ٢٠١] في آخِرِ سُورَةِ الأعْرافِ.
والإرادَةُ بِالخَيْرِ: تَقْدِيرُهُ والقَصْدُ إلَيْهِ. ولَمّا كانَ الَّذِي لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ولا يَتَرَدَّدُ عِلْمُهُ فَإذا أرادَ شَيْئًا فَعَلَهُ، فَإطْلاقُ الإرادَةِ هُنا كِنايَةٌ عَنِ الإصابَةِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿يُصِيبُ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ . وقَدْ عَبَّرَ بِالمَسِّ في مَوْضِعِ الإرادَةِ في نَظِيرِها في سُورَةِ الأنْعامِ ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: ١٧] . ولَكِنْ عَبَّرَ هُنا بِالإرادَةِ مُبالَغَةً في سَلْبِ المَقْدِرَةِ عَمَّنْ يُرِيدُ مُعارَضَةَ مُرادِهِ - تَعالى - كائِنًا مَن كانَ بِحَيْثُ لا يَسْتَطِيعُ التَّعَرُّضَ لِلَّهِ في خَيْرِهِ ولَوْ كانَ بِمُجَرَّدِ إرادَتِهِ قَبْلَ حُصُولِ فِعْلِهِ، فَإنَّ التَّعَرُّضَ حِينَئِذٍ أهْوَنُ لِأنَّ الدَّفْعَ أسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ، وأمّا آيَةُ سُورَةِ الأنْعامِ فَسِياقُها في بَيانِ قُدْرَةِ اللَّهِ - تَعالى - لا في تَنْزِيهِهِ عَنِ المُعارِضِ والمُعانِدِ.
والفَضْلُ: هو الخَيْرُ، ولِذَلِكَ فَإيقاعُهُ مَوْقِعَ الضَّمِيرِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الخَيْرَ الواصِلَ إلى النّاسِ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لا اسْتِحْقاقَ لَهم بِهِ لِأنَّهم عَبِيدٌ إلَيْهِ يُصِيبُهم بِما يَشاءُ.
وتَنْكِيرُ ضُرٍّ وخَيْرٍ لِلنَّوْعِيَّةِ الصّالِحَةِ لِلْقِلَّةِ والكَثْرَةِ.
وكُلٌّ مِن جُمْلَةِ ﴿فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هُوَ﴾ وجُمْلَةِ ﴿فَلا رادَّ لِفَضْلِهِ﴾ جَوابٌ لِلشَّرْطِ المَذْكُورِ مَعَها، ولَيْسَ الجَوابُ بِمَحْذُوفٍ.
وجُمْلَةُ ﴿يُصِيبُ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ واقِعَةٌ مَوْقِعَ البَيانِ لِما قَبْلَها والحَوْصَلَةِ لَهُ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنْها.
والضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِالباءِ عائِدٌ إلى الخَيْرِ، فَيَكُونُ امْتِنانًا وحَثًّا عَلى التَّعَرُّضِ لِمَرْضاةِ اللَّهِ حَتّى يَكُونَ مِمّا حَقَّتْ عَلَيْهِمْ مَشِيئَةُ اللَّهِ أنْ يُصِيبَهم بِالخَيْرِ، أوْ يَعُودَ (p-٣٠٧)إلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الضُّرِّ، والضَّمِيرُ بِاعْتِبارِ أنَّهُ مَذْكُورٌ فَيَكُونُ تَخْوِيفًا وتَبْشِيرًا وتَحْذِيرًا وتَرْغِيبًا.
وقَدْ أُجْمِلَتِ المَشِيئَةُ هُنا ولَمْ تُبَيَّنْ أسْبابُها لِيَسْلُكَ لَها النّاسُ كُلَّ مَسْلَكٍ يَأْمُلُونَ مِنهُ تَحْصِيلَها في العَطاءِ وكُلَّ مَسْلَكٍ يَتَّقُونَ يُوقِعُهم فِيها في الحِرْمانِ.
والإصابَةُ: اتِّصالُ شَيْءٍ بِآخَرَ ووُرُودُهُ عَلَيْهِ، وهي في مَعْنى المَسِّ المُتَقَدِّمِ، فَقَوْلُهُ: ﴿يُصِيبُ بِهِ مَن يَشاءُ﴾ هو في مَعْنى قَوْلِهِ في سُورَةِ الأنْعامِ ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: ١٧]
والتَّذْيِيلُ بِجُمْلَةِ ﴿وهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ يُشِيرُ إلى أنَّ إعْطاءَ الخَيْرِ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ ورَحْمَةٌ وتَجاوُزٌ مِنهُ - تَعالى - عَنْ سَيِّئاتِ عِبادِهِ الصّالِحِينَ، وتَقْصِيرِهِمْ وغَفَلاتِهِمْ، فَلَوْ شاءَ لَما تَجاوَزَ لَهم عَنْ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ فَتَوَرَّطُوا كُلُّهم.
ولَوْلا غُفْرانُهُ لَما كانُوا أهْلًا لِإصابَةِ الخَيْرِ؛ لِأنَّهم مَعَ تَفاوُتِهِمْ في الكَمالِ لا يَخْلُونَ مِن قُصُورٍ عَنِ الفَضْلِ الخاَلِدِ الَّذِي هو الكَمالُ عِنْدَ اللَّهِ، كَما أشارَ إلَيْهِ النَّبِيءُ ﷺ بِقَوْلِهِ «إنِّي لَيُغانُ عَلى قَلْبِي فَأسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» .
ويُشِيرُ أيْضًا إلى أنَّ اللَّهَ قَدْ تَجاوَزَ عَنْ كَثِيرٍ مِن سَيِّئاتِ عِبادِهِ المُسْرِفِينَ ولَمْ يُؤاخِذْهم إلّا بِما لا يَرْضى عَنْهُ بِحالٍ كَما قالَ ﴿ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧]، وأنَّهُ لَوْلا تَجاوُزُهُ عَنْ كَثِيرٍ لَمَسَّهُمُ اللَّهُ بِضُرٍّ شَدِيدٍ في الدُّنْيا والآخِرَةِ.
{"ayah":"وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرࣲّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یُرِدۡكَ بِخَیۡرࣲ فَلَا رَاۤدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ یُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق