الباحث القرآني

وهي مَكِّيَّةٌ بِلا خِلافٍ. وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ ألَمْ نَشْرَحْ بِمَكَّةَ، وزادَ: بَعْدَ الضُّحى. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: نَزَلَتْ سُورَةُ ألَمْ نَشْرَحْ بِمَكَّةَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَعْنى شَرْحِ الصَّدْرِ: فَتْحُهُ بِإذْهابِ ما يَصُدُّ عَنِ الإدْراكِ، والِاسْتِفْهامُ إذا دَخَلَ عَلى النَّفْيِ قَرَّرَهُ، فَصارَ المَعْنى: قَدْ شَرَحْنا لَكَ صَدْرَكَ، وإنَّما خَصَّ الصَّدْرَ لِأنَّهُ مَحَلُّ أحْوالِ النَّفْسِ مِنَ العُلُومِ والإدْراكاتِ، والمُرادُ الِامْتِنانُ عَلَيْهِ ﷺ بِفَتْحِ صَدْرِهِ وتَوْسِيعِهِ حَتّى قامَ بِما قالَ بِهِ مِنَ الدَّعْوَةِ، وقَدَرَ عَلى ما قَدَرَ عَلَيْهِ مِن حَمْلِ أعْباءِ النُّبُوَّةِ وحِفْظِ الوَحْيِ، وقَدْ مَضى القَوْلُ في هَذا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿أفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ فَهو عَلى نُورٍ مِن رَبِّهِ﴾ [الزمر: ٢٢] . ﴿ووَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى مَعْنى ما تَقَدَّمَ، لا عَلى لَفْظِهِ: أيْ قَدْ شَرَحْنا لَكَ صَدْرَكَ ووَضَعْنا إلَخْ، ومِنهُ قَوْلُ جَرِيرٍ يَمْدَحُ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوانَ: ألَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا وأنْدى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ أيْ أنْتُمْ خَيْرُ مَن رَكِبَ المَطايا، وأنْدى إلَخْ. قَرَأ الجُمْهُورُ نَشْرَحْ بِسُكُونِ الحاءِ بِالجَزْمِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ المَنصُورُ العَبّاسِيُّ بِفَتْحِها. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قالُوا لَعَلَّهُ بَيَّنَ الحاءَ وأشْبَعَها في مَخْرَجِها، فَظَنَّ السّامِعُ أنَّهُ فَتَحَها. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنَّ الأصْلَ " ألَمْ نَشْرَحَنَ " بِالنُّونِ الخَفِيفَةِ، ثُمَّ إبْدالُها ألِفًا، ثُمَّ حَذْفُها تَخْفِيفًا كَما أنْشَدَ أبُو زَيْدٍ: ؎مِن أيِّ يَوْمَيَّ مِنَ المَوْتِ أفِرُّ ∗∗∗ أيَوْمَ لَمْ يُقَدَّرَ أمْ يَوْمَ قُدِّرْ بِفَتْحِ الرّاءِ مِن " لَمْ يُقَدَّرَ "، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ؎اضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طارِقَها ∗∗∗ ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ بِفَتْحِ الباءِ مِنِ " اضْرِبَ "، وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى جَوازِ تَوْكِيدِ المَجْزُومِ بِلَمْ، وهو قَلِيلٌ جِدًّا كَقَوْلِهِ: ؎يَحْسَبُهُ الجاهِلُ ما لَمْ يَعْلَما ∗∗∗ شَيْخًا عَلى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمًا فَقَدْ تَرَكَّبَتْ هَذِهِ القِراءَةُ مِن ثَلاثَةِ أُصُولٍ كُلُّها ضَعِيفَةٌ: الأوَّلُ تَوْكِيدُ المَجْزُومِ بِلَمْ، وهو ضَعِيفٌ. الثّانِي إبْدالُها ألِفًا، وهو خاصٌّ بِالوَقْفِ، فَإجْراءُ الوَصْلِ مَجْرى الوَقْفِ ضَعِيفٌ. والثّالِثُ حَذْفُ الألِفِ، وهو ضَعِيفٌ أيْضًا لِأنَّهُ خِلافُ الأصْلِ، وخَرَّجَها بَعْضُهم عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ الَّذِينَ يَنْصِبُونَ بِلَمْ ويَجْزِمُونَ بِلَنْ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: (p-١٦٣٥)فِي كُلِّ ما هَمَّ أمْضى رَأْيَهُ قُدُمًا ولَمْ يُشاوِرَ في إقْدامِهِ أحَدًا بِنَصْبِ الرّاءِ مِن يُشاوِرُ، وهَذِهِ اللُّغَةُ لِبَعْضِ العَرَبِ ما أظُنُّها تَصِحُّ، وإنْ صَحَّتْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللُّغاتِ المُعْتَبَرَةِ فَإنَّها جاءَتْ بِعَكْسِ ما عَلَيْهِ لُغَةُ العَرَبِ بِأسْرِها. وعَلى كُلِّ حالٍ فَقِراءَةُ هَذا الرَّجُلِ مَعَ شِدَّةِ جَوْرِهِ ومَزِيدِ ظُلْمِهِ وكَثْرَةِ جَبَرُوتِهِ وقِلَّةِ عِلْمِهِ لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ بِالِاشْتِغالِ بِها. والوِزْرُ: الذَّنْبُ أيْ وضَعْنا عَنْكَ ما كُنْتَ فِيهِ مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ. قالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، والضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ: المَعْنى حَطَطْنا عَنْكَ الَّذِي سَلَفَ مِنكَ في الجاهِلِيَّةِ، وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ [الفتح: ٢] . ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: أيْ أثْقَلَ ظَهْرَكَ. قالَ الزَّجّاجُ: أثْقَلَهُ حَتّى سُمِعَ لَهُ نَقِيضٌ: أيْ صَوْتٌ، وهَذا مِثْلُ مَعْناهُ: أنَّهُ لَوْ كانَ حَمْلًا يُحْمَلُ لَسُمِعَ نَقِيضُ ظَهْرِهِ، وأهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: أنْقَضَ الحَمْلُ ظَهْرَ النّاقَةِ: إذا سُمِعَ لَهُ صَرِيرٌ، ومِنهُ قَوْلُ جَمِيلٍ: ؎وحَتّى تَداعَتْ بِالنَّقِيضِ حِبالُهُ ∗∗∗ وهَمَّتْ ثَوانِي زَوْرِهِ أنْ تَحَطَّما وقَوْلُ العَبّاسِ بْنِ مِرْداسٍ: ؎وأنْقَضَ ظَهْرِي ما تَطَوَّيْتُ مِنهم ∗∗∗ وكُنْتُ عَلَيْهِمْ مُشْفِقًا مُتَحَنِّنا قالَ قَتادَةُ: كانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ ذُنُوبٌ قَدْ أثْقَلَتْهُ فَغَفَرَها اللَّهُ لَهُ، وقَوْمٌ يَذْهَبُونَ إلى أنَّ هَذا تَخْفِيفُ أعْباءِ النُّبُوَّةِ الَّتِي تُثْقِلُ الظَّهْرَ مِنَ القِيامِ بِأمْرِها سَهَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتّى تَيَسَّرَتْ لَهُ. وكَذا قالَ أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ " وحَلَلْنا عَنْكَ وقْرَكَ " . ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ مِنَّتَهُ عَلَيْهِ وكَرامَتَهُ فَقالَ: ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قالَ الحَسَنُ: وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ لا يُذْكَرُ في مَوْضِعٍ إلّا ذُكِرَ مَعَهُ ﷺ . قالَ قَتادَةُ: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَلَيْسَ خَطِيبٌ ولا مُتَشَهِّدٌ ولا صاحِبُ صَلاةٍ إلّا يُنادِي، فَيَقُولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قالَ مُجاهِدٌ: ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ يَعْنِي بِالتَّأْذِينِ. وقِيلَ المَعْنى: ذَكَّرْناكَ في الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ عَلى الأنْبِياءِ قَبْلَهُ وأمَرْناهم بِالبِشارَةِ بِهِ، وقِيلَ رَفَعْنا ذِكْرَكَ عِنْدَ المَلائِكَةِ في السَّماءِ وعِنْدَ المُؤْمِنِينَ في الأرْضِ. والظّاهِرُ أنَّ هَذا الرَّفْعَ لِذِكْرِهِ الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ يَتَناوَلُ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ، فَكُلُّ واحِدٍ مِنها مِن أسْبابِ رَفْعِ الذِّكْرِ، وكَذَلِكَ أمْرُهُ بِالصَّلاةِ والسَّلامِ عَلَيْهِ، وإخْبارُهُ ﷺ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أنَّ مَن صَلّى عَلَيْهِ واحِدَةً صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِها عَشْرًا، وأمْرُ اللَّهِ بِطاعَتِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النور: ٥٤] وقَوْلِهِ: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] وغَيْرِ ذَلِكَ. وبِالجُمْلَةِ فَقَدْ مَلَأ ذِكْرُهُ الجَلِيلُ السَّماواتِ والأرَضِينَ، وجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِن لِسانِ الصِّدْقِ والذِّكْرِ الحَسَنِ والثَّناءِ الصّالِحِ ما لَمْ يَجْعَلْهُ لِأحَدٍ مِن عِبادِهِ ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢١] اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ عَدَدَ ما صَلّى عَلَيْهِ المُصَلُّونَ بِكُلِّ لِسانٍ في كُلِّ زَمانٍ، وما أحْسَنَ قَوْلَ حَسّانَ: ؎أغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خاتَمٌ ∗∗∗ مِنَ اللَّهِ مَشْهُورٌ يَلُوحُ ويَشْهَدُ ؎وضَمَّ الإلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ مَعَ اسْمِهِ ∗∗∗ إذا قالَ في الخَمْسِ المُؤَذِّنِ أشْهَدُ ؎وشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ∗∗∗ فَذُو العَرْشِ مَحْمُودٌ وهَذا مُحَمَّدُ ﴿فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾ أيْ إنَّ مَعَ الضِّيقَةِ سَعَةً، ومَعَ الشِّدَّةِ رَخاءٌ، ومَعَ الكَرْبِ فَرَجٌ. وفِي هَذا وعْدٌ مِنهُ سُبْحانَهُ بِأنَّ كُلَّ عَسِيرٍ يَتَيَسَّرُ، وكُلَّ شَدِيدٍ يَهُونُ، وكُلَّ صَعْبٍ يَلِينُ. ثُمَّ زادَ سُبْحانَهُ هَذا الوَعْدَ تَقْرِيرًا وتَأْكِيدًا، فَقالَ مُكَرِّرًا لَهُ بِلَفْظِ ﴿إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾ أيْ إنَّ مَعَ ذَلِكَ العُسْرِ المَذْكُورِ سابِقًا يُسْرًا آخَرَ لِما تَقَرَّرَ مِن أنَّهُ إذا أُعِيدَ المُعَرَّفُ يَكُونُ الثّانِي عَيْنَ الأوَّلِ سَواءٌ كانَ المُرادُ بِهِ الجِنْسَ أوِ العَهْدَ، بِخِلافِ المُنْكَّرِ إذا أُعِيدَ فَإنَّهُ يُرادُ بِالثّانِي فَرْدٌ مُغايِرٌ لِما أُرِيدَ بِالفَرْدِ الأوَّلِ في الغالِبِ، ولِهَذا قالَ النَّبِيُّ ﷺ في مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» قالَ الواحِدِيُّ: وهَذا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ والصَّحابَةِ والمُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ العُسْرَ واحِدٌ واليُسْرَ اثْنانِ. قالَ الزَّجّاجُ: ذَكَرَ العُسْرَ مَعَ الألِفِ واللّامِ ثُمَّ ثَنّى ذِكْرَهُ، فَصارَ المَعْنى: إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَيْنِ. قِيلَ والتَّنْكِيرُ في اليُسْرِ لِلتَّفْخِيمِ والتَّعْظِيمِ، وهو في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ غَيْرُ مُكَرَّرٍ. قَرَأ الجُمْهُورُ بِسُكُونِ السِّينِ في العُسْرِ واليُسْرِ في المَوْضِعَيْنِ. وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وعِيسى بِضَمِّها في الجَمِيعِ. ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ أيْ إذا فَرَغْتَ مِن صَلاتِكَ، أوْ مِنَ التَّبْلِيغِ، أوْ مِنَ الغَزْوِ فانْصَبْ أيْ: فاجْتَهِدْ في الدُّعاءِ واطْلُبْ مِنَ اللَّهِ حاجَتَكَ، أوْ فانْصَبْ في العِبادَةِ، والنَّصَبُ التَّعَبُ، يُقالُ نَصَبَ يَنْصَبُ نَصَبًا: أيْ تَعِبَ. قالَ قَتادَةُ، والضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ، والكَلْبِيُّ: إذا فَرَغْتَ مِنَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ فانْصَبْ إلى رَبِّكَ في الدُّعاءِ وارْغَبْ إلَيْهِ في المَسْألَةِ يُعْطِكَ، وكَذا قالَ مُجاهِدٌ. قالَ الشَّعْبِيُّ: إذا فَرَغْتَ مِن تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ فانْصَبْ: أيِ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ. وقالَ الحَسَنُ، وقَتادَةُ: إذا فَرَغْتَ مِن جِهادِ عَدُوِّكَ فانْصَبْ لِعِبادَةِ رَبِّكَ. وقالَ مُجاهِدٌ أيْضًا: إذا فَرَغْتَ مِن دُنْياكَ فانْصَبْ في صَلاتِكَ. ﴿وإلى رَبِّكَ فارْغَبْ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيِ اجْعَلْ رَغْبَتَكَ إلى اللَّهِ وحْدَهُ. قالَ عَطاءٌ: يُرِيدُ أنَّهُ يَضْرَعُ إلَيْهِ راهِبًا مِنَ النّارِ، راغِبًا في الجَنَّةِ، والمَعْنى: أنَّهُ يَرْغَبُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ لا إلى غَيْرِهِ كائِنًا مَن كانَ، فَلا يَطْلُبُ حاجاتِهِ إلّا مِنهُ، ولا يُعَوِّلُ في جَمِيعِ أُمُورِهِ إلّا عَلَيْهِ. قَرَأ الجُمْهُورُ فارْغَبْ وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ " فَرَغِّبْ " بِتَشْدِيدِ الغَيْنِ: أيْ فَرَغِّبِ النّاسَ إلى اللَّهِ وشَوِّقْهم إلى ما عِنْدَهُ مِنَ الخَيْرِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ قالَ: شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ. وأخْرَجَ أبُو يَعْلى وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ حِبّانَ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أتانِي (p-١٦٣٦)جِبْرِيلُ فَقالَ: إنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: تَدْرِي كَيْفَ رَفَعْتَ ذِكْرَكَ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: إذا ذُكْرِتُ ذُكِرْتَ مَعِيَ» . وإسْنادُ ابْنِ جَرِيرٍ هَكَذا: حَدَّثَنِي يُونُسُ أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ أخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ الحارِثِ عَنْ دَرّاجٍ عَنْ أبِي الهَيْثَمِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ. وأخْرَجَهُ أبُو يَعْلى مِن طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ دَرّاجٍ. وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأعْلى بِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ الكَلْبِيِّ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ الآيَةَ قالَ: لا يُذْكَرُ اللَّهُ إلّا ذُكِرَ مَعَهُ. وأخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أنَسٍ قالَ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ جالِسًا وحِيالُهُ جُحْرٌ، فَقالَ: العُسْرُ لَوْ دَخَلَ العُسْرُ هَذا الجُحْرَ لَجاءَ اليُسْرُ حَتّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ فَيُخْرِجَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾» ولَفْظُ الطَّبَرانِيِّ «وتَلا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾» . وأخْرَجَ ابْنُ النَّجّارِ عَنْهُ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. قالَ السُّيُوطِيُّ وسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في الصَّبْرِ وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «لَوْ كانَ العُسْرُ في جُحْرٍ لَتَبِعَهُ اليُسْرُ حَتّى يَدْخُلَ فِيهِ فَيُخْرِجَهُ، ولَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا﴾» قالَ البَزّارُ: لا نَعْلَمُ رَواهُ عَنْ أنَسٍ إلّا عائِذُ بْنُ شُرَيْحٍ. قالَ فِيهِ أبُو حاتِمٍ الرّازِيُّ في حَدِيثِهِ ضَعْفٌ، ولَكِنْ رَواهُ شُعْبَةُ عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، والحاكِمُ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ الحَسَنِ قالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَرِحًا مَسْرُورًا وهو يَضْحَكُ ويَقُولُ: لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا» وهَذا مُرْسَلٌ. ورُوِيَ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا عَنْ قَتادَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ الآيَةَ قالَ: إذا فَرَغْتَ مِنَ الصَّلاةِ فانْصَبْ في الدُّعاءِ واسْألِ اللَّهَ وارْغَبْ إلَيْهِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ: قالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ: إذا فَرَغْتَ مِنَ الصَّلاةِ وتَشَهَّدْتَ فانْصَبْ إلى رَبِّكَ واسْألْهُ حاجَتَكَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في الذِّكْرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ إلى الدُّعاءِ ﴿وإلى رَبِّكَ فارْغَبْ﴾ في المَسْألَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ﴿فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ﴾ قالَ: إذا فَرَغْتَ مِنَ الفَرائِضِ فانْصَبْ في قِيامِ اللَّيْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب