الباحث القرآني

اللّامُ الأُولى، وهي ﴿لَئِنْ آتانا مِن فَضْلِهِ﴾ لامُ القَسَمِ، واللّامُ الثّانِيَةُ، وهي ( لَنَصَّدَّقَنَّ ) لامُ الجَوابِ لِلْقِسْمِ (p-٥٨٧)والشَّرْطِ. ومَعْنى ( لَنَصَّدَّقَنَّ ) لَنُخْرِجُ الصَّدَقَةَ، وهي أعَمُّ مِنَ المَفْرُوضَةِ وغَيْرِها ﴿ولَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ أيْ مِن جُمْلَةِ أهْلِ الصَّلاحِ، مِنَ المُؤْمِنِينَ القائِمِينَ بِواجِباتِ الدِّينِ التّارِكِينَ لِمُحَرَّماتِهِ. ﴿فَلَمّا آتاهم مِن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ أيْ لَمّا أعْطاهم ما طَلَبُوا مِنَ الرِّزْقِ بَخِلُوا بِهِ: أيْ بِما آتاهم مِن فَضْلِهِ، فَلَمْ يَتَصَدَّقُوا بِشَيْءٍ مِنهُ كَما حَلَفُوا بِهِ، ( وتَوَلَّوْا ) أيْ أعْرَضُوا عَنْ طاعَةِ اللَّهِ وإخْراجِ صَدَقاتِ ما أعْطاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ، والحالُ أنَّ ( وهم مُعْرِضُونَ ) في جَمِيعِ الأوْقاتِ قَبْلَ أنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ ما أعْطاهم مِنَ الرِّزْقِ وبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: ﴿فَأعْقَبَهم نِفاقًا في قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ الفاعِلُ هو اللَّهُ سُبْحانَهُ: أيْ فَأعْقَبَهُمُ اللَّهُ بِسَبَبِ البُخْلِ الَّذِي وقَعَ مِنهم والإعْراضِ نِفاقًا كائِنًا في قُلُوبِهِمْ، مُتَمَكِّنًا مِنها، مُسْتَمِرًّا فِيها إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ، وقِيلَ: إنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلى البُخْلِ: أيْ فَأعْقَبَهُمُ البُخْلُ بِما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، نِفاقًا كائِنًا في قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَ بُخْلَهم: أيْ جَزاءَ بُخْلِهِمْ. ومَعْنى ﴿فَأعْقَبَهُمْ﴾ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ جَعَلَ النِّفاقَ المُتَمَكِّنَ في قُلُوبِهِمْ إلى تِلْكَ الغايَةِ عاقِبَةَ ما وقَعَ مِنهم مِنَ البُخْلِ، والباءُ في ﴿بِما أخْلَفُوا اللَّهَ ما وعَدُوهُ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ: أيْ بِسَبَبِ إخْلافِهِمْ لِما وعَدُوهُ مِنَ التَّصَدُّقِ والصَّلاحِ، وكَذَلِكَ الباءُ في ﴿وبِما كانُوا يَكْذِبُونَ﴾ أيْ وبِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِما جاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - . ثُمَّ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ فَقالَ: ﴿ألَمْ يَعْلَمُوا﴾ أيِ المُنافِقُونَ، وقُرِئَ بِالفَوْقِيَّةِ خِطابًا لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهم ونَجْواهُمْ﴾ أيْ جَمِيعَ ما يُسِرُّونَهُ مِنَ النِّفاقِ وجَمِيعَ ما يَتَناجَوْنَ بِهِ فِيما بَيْنَهم، مِنَ الطَّعْنِ عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وعَلى أصْحابِهِ، وعَلى دِينِ الإسْلامِ ﴿وأنَّ اللَّهَ عَلّامُ الغُيُوبِ﴾ فَلا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الأشْياءِ المَغِيبَةِ كائِنًا ما كانَ، ومِن جُمْلَةِ ذَلِكَ ما يَصْدُرُ عَنِ المُنافِقِينَ. قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ﴾ المَوْصُولُ مَحَلُّهُ النَّصْبُ، أوِ الرَّفْعُ عَلى الذَّمِّ، أوِ الجَرُّ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ في ( سِرَّهم ونَجْواهم )، ومَعْنى ﴿يَلْمِزُونَ﴾ يَعِيبُونَ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، و( المُطَّوِّعِينَ ): أيِ المُتَطَوِّعِينَ، والتَّطَوُّعُ: التَّبَرُّعُ. والمَعْنى: أنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يَعِيبُونَ المُسْلِمِينَ إذا تَطَوَّعُوا بِشَيْءٍ مِن أمْوالِهِمْ وأخْرَجُوهُ لِلصَّدَقَةِ فَكانُوا يَقُولُونَ: ما أغْنى اللَّهَ عَنْ هَذا ! ويَقُولُونَ: ما فَعَلُوا هَذا إلّا رِياءً، ولَمْ يَكُنْ لِلَّهِ خالِصًا، و﴿فِي الصَّدَقاتِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( يَلْمِزُونَ ): أيْ يَعِيبُونَهم في شَأْنِها. قَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلّا جُهْدَهُمْ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى المُطَّوِّعِينَ: أيْ يَلْمِزُونَ المُتَطَوِّعِينَ، ويَلْمِزُونَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلّا جُهْدَهم، وقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلى المُؤْمِنِينَ: أيْ يَلْمِزُونَ المُتَطَوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، ومِنَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إلّا جُهْدَهم، وقُرِئَ " جَهْدَهم " بِفَتْحِ الجِيمِ، والجُهْدُ بِالضَّمِّ: الطّاقَةُ، وبِالفَتْحِ: المَشَقَّةُ، وقِيلَ: هُما لُغَتانِ ومَعْناهُما واحِدٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ. والمَعْنى: أنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يَعِيبُونَ فُقَراءَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كانُوا يَتَصَدَّقُونَ بِما فَضَلَ عَنْ كِفايَتِهِمْ. قَوْلُهُ: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنهُمْ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى يَلْمِزُونَ: أيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ لِحَقارَةِ ما يُخْرِجُونَهُ في الصَّدَقَةِ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ جَهْدَ المُقِلِّ، وغايَةَ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ ويَتَمَكَّنُ مِنهُ. قَوْلُهُ: ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنهُمْ﴾ أيْ جازاهم عَلى ما فَعَلُوهُ مِنَ السُّخْرِيَةِ بِالمُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَسَخِرَ اللَّهُ مِنهم بِأنْ أهانَهم وأذَلَّهم وعَذَّبَهم. والتَّعْبِيرُ بِذَلِكَ مِن بابِ المُشاكَلَةِ كَما في غَيْرِهِ، وقِيلَ: هو دُعاءٌ عَلَيْهِمْ بِأنْ يَسْخَرَ اللَّهُ بِهِمْ كَما سَخِرُوا بِالمُسْلِمِينَ، ( ولَهم عَذابٌ ) ألِيمٌ أيْ ثابِتٌ مُسْتَمِرٌّ شَدِيدُ الألَمِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، والعَسْكَرِيُّ في الأمْثالِ، والطَّبَرانِيُّ، وابْنُ مَندَهْ، والبارُودِيُّ، وأبُو نُعَيْمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ قالَ: «جاءَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حاطِبٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَنِي مالًا، قالَ: ويْلَكَ يا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِن كَثِيرٍ لا تُطِيقُهُ، قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَنِي مالًا، قالَ: ويَحَكَ يا ثَعْلَبَةُ: أما تُحِبُّ أنْ تَكُونَ مِثْلِي، فَلَوْ شِئْتُ أنْ يُسَيِّرَ رَبِّي هَذِهِ الجِبالَ مَعِيَ ذَهَبًا لَسارَتْ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَنِي مالًا، فَوالَّذِي بَعْثَكَ بِالحَقِّ إنْ آتانِي اللَّهُ مالًا لَأُعْطِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، قالَ: ويَحَكَ يا ثَعْلَبَةُ قَلِيلٌ تُطِيقُ شُكْرَهُ خَيْرٌ مِن كَثِيرٍ لا تُطِيقُهُ، قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ تَعالى، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مالًا، قالَ: فاتَّخَذَ غَنَمًا فَنَمَتْ كَما تَنْمُو الدُّودُ حَتّى ضاقَتْ بِها المَدِينَةُ، فَتَنَحّى بِها فَكانَ يَشْهَدُ الصَّلاةَ بِالنَّهارِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولا يَشْهَدُها بِاللَّيْلِ، ثُمَّ نَمَتْ كَما تَنْمُو الدُّودُ فَتَنَحّى بِها، فَكانَ لا يَشْهَدُ الصَّلاةَ بِاللَّيْلِ ولا بِالنَّهارِ، إلّا مِن جُمْعَةٍ إلى جُمُعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ثُمَّ نَمَتْ كَما تَنْمُو الدُّودُ فَضاقَ بِها مَكانُهُ، فَتَنَحّى بِها فَكانَ لا يَشْهَدُ جُمْعَةً ولا جِنازَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَجَعَلَ يَتَلَقّى الرُّكْبانَ ويَسْألُهم عَنِ الأخْبارِ، وفَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَسَألَ عَنْهُ، فَأخْبَرُوهُ أنَّهُ اشْتَرى غَنَمًا، وأنَّ المَدِينَةَ ضاقَتْ بِهِ، وأخْبَرُوهُ خَبَرَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: ويْحَ ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطِبٍ ويْحَ ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطِبٍ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ رَسُولَهُ أنْ يَأْخُذَ الصَّدَقاتِ، وأنْزَلَ: ﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: ١٠٣] الآيَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - رَجُلَيْنِ، رَجُلًا مِن جُهَيْنَةَ ورَجُلًا مِن بَنِي سَلِمَةَ يَأْخُذانِ الصَّدَقاتِ، وكَتَبَ لَهُما أسْنانَ الإبِلِ والغَنَمِ كَيْفَ يَأْخُذانِها ووُجُوهَها، وأمْرَهُما أنْ يَمُرّا عَلى ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطِبٍ، وبِرَجُلٍ مِن بَنِي سُلَيْمٍ، فَخَرَجا فَمَرّا بِثَعْلَبَةَ فَسَألا الصَّدَقَةَ، فَقالَ: أرَيانِي كِتابَكُما، فَنَظَرَ فِيهِ فَقالَ: ما هَذِهِ إلّا جِزْيَةٌ، انْطَلِقا حَتّى أرى رَأْيِي، فانْطَلَقا حَتّى قَدِما المَدِينَةَ، فَلَمّا رَآهُما رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ قَبْلَ أنْ يُكَلِّمَهُما: ويْحَ ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطِبٍ، ودَعا لِلسُّلَمِيِّ بِالبَرَكَةِ، وأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ومِنهم مَن عاهَدَ اللَّهَ﴾ الثَّلاثَ الآياتِ، قالَ: فَسَمِعَ بَعْضُ أقارِبِ ثَعْلَبَةَ، فَأتى ثَعْلَبَةَ فَقالَ: ويَحَكَ يا ثَعْلَبَةُ أُنْزِلَ فِيكَ كَذا وكَذا، قالَ: فَقَدِمَ ثَعْلَبَةُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ صَدَقَةُ مالِي، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ قَدْ مَنَعَنِي أنْ أقْبَلَ مِنكَ، فَجَعَلَ يَبْكِي ويَحْثِي التُّرابَ عَلى رَأْسِهِ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: هَذا عَمَلُكَ بِنَفْسِكَ أمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - حَتّى مَضى، ثُمَّ أتى أبا بَكْرٍ، فَقالَ: يا أبا بَكْرٍ: (p-٥٨٨)اقْبَلْ مِنِّي صَدَقَتِي فَقَدْ عَرَفْتَ مَنزِلَتِي مِنَ الأنْصارِ، فَقالَ أبُو بَكْرٍ: لَمْ يَقْبَلْها رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وأقْبَلُها ؟ فَلَمْ يَقْبَلْها أبُو بَكْرٍ، ثُمَّ ولِيَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ فَأتاهُ فَقالَ: يا أبا حَفْصٍ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ: اقْبَلْ مِنِّي صَدَقَتِي، قالَ: ويُثْقِلُ عَلَيْهِ بِالمُهاجِرِينَ والأنْصارِ وأزْواجِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فَقالَ عُمَرُ: لَمْ يَقْبَلْها رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولا أبُو بَكْرٍ أقْبَلُها أنا ؟ فَأبى أنْ يَقْبَلَها، ثُمَّ ولِيَ عُثْمانُ فَسَألَهُ أنْ يَقْبَلَ صَدَقَتَهُ، فَقالَ: لَمْ يَقْبَلْها رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ولا أبُو بَكْرٍ ولا عُمَرُ وأنا أقْبَلُها مِنكَ ؟ ! فَلَمْ يَقْبَلْها مِنهُ، فَهَلَكَ في خِلافَةِ عُثْمانَ، وفِيهِ نَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقاتِ﴾» قالَ: وذَلِكَ في الصَّدَقَةِ، وهَذا الحَدِيثُ هو مَرْوِيٌّ مِن حَدِيثِ مُعاذِ بْنِ رَفاعَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ القاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ، عَنْ أبِي أُمامَةَ الباهِلِيِّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿ومِنهم مَن عاهَدَ اللَّهَ﴾ الآيَةَ، وذَلِكَ أنَّ رَجُلًا كانَ يُقالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ مِنَ الأنْصارِ أتى مَجْلِسًا فَأشْهَدَهم فَقالَ: لَئِنْ آتانِي اللَّهُ مِن فَضْلِهِ آتَيْتُ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، وتَصَدَّقْتُ مِنهُ، وجَعَلْتُ مِنهُ لِلْقَرابَةِ، فابْتَلاهُ اللَّهُ فَآتاهُ مِن فَضْلِهِ فَأخْلَفَ ما وعَدَهُ، فَأغْضَبَ اللَّهَ بِما أخْلَفَهُ ما وعَدَهُ، فَقَصَّ اللَّهُ شَأْنَهُ في القُرْآنِ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الحَسَنِ، أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ هو الَّذِي قالَ هَذا، فَماتَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَوَرِثَ مِنهُ مالًا، فَبَخِلَ بِهِ ولَمْ يَفِ بِما عاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ، فَأعْقَبَهُ بِذَلِكَ نِفاقًا في قَلْبِهِ إلى أنْ يَلْقاهُ، قالَ ذَلِكَ ﴿بِما أخْلَفُوا اللَّهَ ما وعَدُوهُ وبِما كانُوا يَكْذِبُونَ﴾ . وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وغَيْرُهُما، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: لَمّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنّا نَتَحامَلُ عَلى ظُهُورِنا، فَجاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقالُوا: مُراءٍ، وجاءَ أبُو عَقِيلٍ: بِنِصْفِ صاعٍ، فَقالَ المُنافِقُونَ: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذا، فَنَزَلَتِ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ﴾ الآيَةَ، وفي البابِ رِواياتٌ كَثِيرَةٌ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ﴾ أيْ يَطْعَنُونَ عَلى المُطَّوِّعِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب