الباحث القرآني

النَّجَسُ: مَصْدَرٌ لا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ، يُقالُ: رَجُلٌ نَجَسٌ، وامْرَأةٌ نَجَسٌ، ورَجُلانِ نَجَسٌ، وامْرَأتانِ نَجَسٌ، ورِجالٌ نَجَسٌ، ونِساءٌ نَجِسٌ، ويُقالُ: نَجِسٌ ونَجُسٌ بِكَسْرِ الجِيمِ وضَمِّها؛ ويُقالُ: نِجْسٌ بِكَسْرِ النُّونِ وسُكُونِ الجِيمِ وهو تَخْفِيفٌ مِن (p-٥٦٥)المُحَرَّكِ، قِيلَ: لا تُسْتَعْمَلُ إلّا إذا قِيلَ: مَعَهُ رِجْسٌ، وقِيلَ: ذَلِكَ أكْثَرِيٌّ لا كُلِّيٌّ. والمُشْرِكُونَ مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ المَصْدَرُ مُبالَغَةً في وصْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتّى كَأنَّهم عَيْنُ النَّجاسَةِ، أوْ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ: أيْ ذَوُو نَجَسٍ؛ لِأنَّ مَعَهُمُ الشِّرْكَ وهو بِمَنزِلَةِ النَّجَسِ. وقالَ قَتادَةُ،، ومَعْمَرٌ وغَيْرُهُما،: إنَّهم وُصِفُوا بِذَلِكَ لِأنَّهم لا يَتَطَهَّرُونَ ولا يَغْتَسِلُونَ ولا يَتَجَنَّبُونَ النَّجاساتِ. وقَدِ اسْتُدِلَّ بِالآيَةِ مَن قالَ بِأنَّ المُشْرِكَ نَجَسُ الذّاتِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الظّاهِرِيَّةِ والزَّيْدِيَّةِ، ورُوِيَ، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ وهو مَحْكِيٌّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وذَهَبَ الجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ ومِنهم أهْلُ المَذاهِبِ الأرْبَعَةِ إلى أنَّ الكافِرَ لَيْسَ بِنَجَسِ الذّاتِ؛ لِأنَّ اللَّهَ - سُبْحانَهُ - أحَلَّ طَعامَهم، وثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في ذَلِكَ مِن فِعْلِهِ وقَوْلِهِ ما يُفِيدُ عَدَمَ نَجاسَةِ ذَواتِهِمْ، فَأكَلَ في آنِيَتِهِمْ، وشَرِبَ مِنها، وتَوَضَّأ فِيها، وأنْزَلَهم في مَسْجِدِهِ. قَوْلُهُ: ﴿فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرامَ﴾ الفاءُ لِلتَّفْرِيعِ، فَعَدَمُ قُرْبانِهِمْ لِلْمَسْجِدِ الحَرامِ مُتَفَرِّعٌ عَلى نَجاسَتِهِمْ. والمُرادُ بِالمَسْجِدِ الحَرامِ جَمِيعُ الحَرَمِ، رُوِيَ ذَلِكَ، عَنْ عَطاءٍ، فَيُمْنَعُونَ عِنْدَهُ مِن جَمِيعِ الحَرَمِ، وذَهَبَ غَيْرُهُ مِن أهْلِ العِلْمِ إلى أنَّ المُرادَ المَسْجِدُ الحَرامُ نَفْسُهُ فَلا يُمْنَعُ المُشْرِكُ مِن دُخُولِ سائِرِ الحَرَمِ. وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في دُخُولِ المُشْرِكِ غَيْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ مِنَ المَساجِدِ، فَذَهَبَ أهْلُ المَدِينَةِ إلى مَنعِ كُلِّ مُشْرِكٍ عَنْ كُلِّ مَسْجِدٍ. وقالَ الشّافِعِيُّ: الآيَةُ عامَّةٌ في سائِرِ المُشْرِكِينَ، خاصَّةٌ في المَسْجِدِ الحَرامِ، فَلا يُمْنَعُونَ مِن دُخُولِ غَيْرِهِ مِنَ المَساجِدِ. قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: وهَذا جُمُودٌ مِنهُ عَلى الظّاهِرِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ - تَعالى -: ﴿إنَّما المُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾، تَنْبِيهٌ عَلى العِلَّةِ بِالشِّرْكِ والنَّجاسَةِ، ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّ هَذا القِياسَ مَرْدُودٌ بِرَبْطِهِ ﷺ لِثُمامَةَ بْنِ أثالٍ في مَسْجِدِهِ، وإنْزالِ وفْدِ ثَقِيفٍ فِيهِ. ورُوِيَ، عَنْ أبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ الشّافِعِيِّ، وزادَ أنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ الذِّمِّيِّ سائِرَ المَساجِدِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ، وقَيَّدَهُ الشّافِعِيُّ بِالحاجَةِ، وقالَ قَتادَةُ: إنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلذِّمِّيِّ دُونَ المُشْرِكِ. ورُوِيَ، عَنْ أبِي حَنِيفَةَ أيْضًا أنَّهُ يَجُوزُ لَهم دُخُولُ الحَرَمِ والمَسْجِدِ الحَرامِ وسائِرِ المَساجِدِ. ونَهْيُ المُشْرِكِينَ عَنْ أنْ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرامَ هو نَهْيٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ أنْ يُمَكِّنُوهم مِن ذَلِكَ، فَهو مِن بابِ قَوْلِهِمْ: لا أرَيَنَّكَ هاهُنا. قَوْلُهُ: ﴿بَعْدَ عامِهِمْ هَذا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ سَنَةُ تِسْعٍ، وهي الَّتِي حَجَّ فِيها أبُو بَكْرٍ عَلى المَوْسِمِ. الثّانِي: أنَّهُ سَنَةُ عَشْرٍ قالَهُ قَتادَةُ، قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: وهو الصَّحِيحُ الَّذِي يُعْطِيهِ مُقْتَضى اللَّفْظِ، ومِنَ العَجَبِ أنْ يُقالَ إنَّهُ سَنَةُ تِسْعٍ، وهو العامُ الَّذِي وقَعَ فِيهِ الأذانُ، ولَوْ دَخْلَ غُلامُ رَجُلٍ دارَهُ يَوْمًا فَقالَ لَهُ مَوْلاهُ: لا تَدْخُلْ هَذِهِ الدّارَ بَعْدَ يَوْمِكَ لَمْ يَكُنِ المُرادُ اليَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ. انْتَهى. ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّ الَّذِي يُعْطِيهِ مُقْتَضى اللَّفْظِ هو خِلافُ ما زَعَمَهُ، فَإنَّ الإشارَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿بَعْدَ عامِهِمْ هَذا﴾ إلى العامِ المَذْكُورِ قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ وهو عامُ النِّداءِ، وهَكَذا في المِثالِ الَّذِي ذَكَرَهُ، المُرادُ النَّهْيُ عَنْ دُخُولِها بَعْدَ يَوْمِ الدُّخُولِ الَّذِي وقَعَ فِيهِ الخِطابُ، والأمْرُ ظاهِرٌ لا يَخْفى، ولَعَلَّهُ أرادَ تَفْسِيرَ ما بَعْدَ المُضافِ إلى عامِهِمْ ولا شَكَّ أنَّهُ عامُ عَشْرٍ، وأمّا تَفْسِيرُ العامِ المُشارِ إلَيْهِ بِهَذا، فَلا شَكَّ ولا رَيْبَ أنَّهُ عامُ تِسْعٍ، وعَلى هَذا يُحْمَلُ قَوْلُ قَتادَةَ، . وقَدِ اسْتَدَلَّ مَن قالَ بِأنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْرِكِينَ دُخُولُ المَسْجِدِ الحَرامِ وغَيْرِهِ مِنَ المَساجِدِ بِهَذا القَيْدِ، أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿بَعْدَ عامِهِمْ هَذا﴾ قائِلًا إنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِوَقْتِ الحَجِّ والعُمْرَةِ، فَهم مَمْنُوعُونَ عَنِ الحَجِّ والعُمْرَةِ فَقَطْ لا عَنْ مُطْلَقِ الدُّخُولِ. ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّ ظاهِرَ النَّهْيِ عَنِ القُرْبانِ بَعْدَ هَذا العامِ يُفِيدُ المَنعَ مِنَ القُرْبانِ في كُلِّ وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ الكائِنَةِ بَعْدَهُ، وتَخْصِيصُ بَعْضِها بِالجَوازِ يَحْتاجُ إلى مُخَصِّصٍ. قَوْلُهُ: ﴿وإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ العَيْلَةُ الفَقْرُ، يُقالُ: عالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ: إذا افْتَقَرَ، قالَ الشّاعِرُ: ؎وما يَدْرِي الفَقِيرُ مَتى غِناهُ وما يَدْرِي الغَنِيُّ مَتى يَعِيلُ وقَرَأ عَلْقَمَةُ وغَيْرُهُ مِن أصْحابِ ابْنِ مَسْعُودٍ " عايِلَةً " وهو مَصْدَرٌ كالقايِلَةِ والعافِيَةِ والعاقِبَةِ؛ وقِيلَ: مَعْناهُ: خَصْلَةٌ شاقَّةٌ، يُقالُ: عالَنِي الأمْرُ يَعُولُنِي: أيْ شَقَّ عَلَيَّ واشْتَدَّ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرَيُّ أنَّهُ يُقالُ عالَ يَعُولُ: إذا افْتَقَرَ، وكانَ المُسْلِمُونَ لَمّا مَنَعُوا المُشْرِكِينَ مِنَ المَوْسِمِ وهم كانُوا يَجْلِبُونَ إلَيْهِ الأطْعِمَةَ والتِّجاراتِ، قَذَفَ الشَّيْطانُ في قُلُوبِهِمُ الخَوْفَ مِنَ الفَقْرِ وقالُوا: مَن أيْنَ نَعِيشُ ؟ فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ أنْ يُغْنِيَهم مِن فَضْلِهِ. قالَ الضَّحّاكُ،: فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بابَ الجِزْيَةِ مِن أهْلِ الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ الآيَةَ. وقالَ عِكْرِمَةُ: أغْناهم بِإدْرارِ المَطَرِ والنَّباتِ وخَصْبِ الأرْضِ، وأسْلَمَتِ العَرَبُ فَحَمَلُوا إلى مَكَّةَ ما أغْناهُمُ اللَّهُ بِهِ. وقِيلَ: أغْناهم بِالفَيْءِ، وفائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالمَشِيئَةِ التَّعْلِيمُ لِلْعِبادِ بِأنْ يَقُولُوا ذَلِكَ في كُلِّ ما يَتَكَلَّمُونَ بِهِ، مِمّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالزَّمَنِ المُسْتَقْبَلِ، ولِئَلّا يَفْتُرُوا عَنِ الدُّعاءِ والتَّضَرُّعِ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِأحْوالِكم حَكِيمٌ في إعْطائِهِ ومَنعِهِ، ما شاءَ كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ الآيَةَ، فِيهِ الأمْرُ بِقِتالِ مَن جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الأوْصافِ. قالَ أبُو الوَفاءِ بْنُ عَقِيلٍ: إنَّ قَوْلَهُ " قاتِلُوا " أمْرٌ بِالعُقُوبَةِ، ثُمَّ قالَ: ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فَبَيَّنَ الذَّنْبَ الَّذِي تُوجِبُهُ العُقُوبَةُ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولا بِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ فَأكَّدَ الذَّنْبَ في جانِبِ الِاعْتِقادِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ ورَسُولُهُ﴾ فِيهِ زِيادَةٌ لِلذَّنْبِ في مُخالَفَةِ الأعْمالِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى تَأْكِيدِ المَعْصِيَةِ بِالِانْحِرافِ والمُعانَدَةِ والأنَفَةِ عَنِ الِاسْتِسْلامِ، ثُمَّ قالَ: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ تَأْكِيدٌ لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِأنَّهم كانُوا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، ثُمَّ قالَ: ﴿حَتّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ﴾ فَبَيَّنَ الغايَةَ الَّتِي تَمْتَدُّ إلَيْها العُقُوبَةُ انْتَهى. قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ بَيانٌ لِلْمَوْصُولِ مَعَ ما في حَيِّزِهِ وهم أهْلُ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ. قَوْلُهُ: ﴿حَتّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾ الجِزْيَةُ وزْنُها فِعْلَةٌ مَن جَزى يَجْزِي: إذا كافَأ عَمّا أُسْدِيَ إلَيْهِ، فَكَأنَّهم أعْطَوْها جَزاءً عَمّا مُنِحُوا مِنَ الأمْنِ، وقِيلَ: سُمِّيَتْ جِزْيَةً لِأنَّها طائِفَةٌ مِمّا عَلى أهْلِ الذِّمَّةِ أنْ يَجْزُوهُ: أيْ يَقْضُوهُ، (p-٥٦٦)وهِيَ في الشَّرْعِ ما يُعْطِيهِ المُعاهِدُ عَلى عَهْدِهِ، و" عَنْ يَدٍ " في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ. والمَعْنى: عَنْ يَدٍ مُواتِيَةٍ غَيْرِ مُمْتَنِعَةٍ وقِيلَ: مَعْناهُ: يُعْطُونَها بِأيْدِيهِمْ غَيْرُ مُسْتَنِيبِينَ فِيها أحَدًا، وقِيلَ: مَعْناهُ: نَقْدٍ غَيْرِ نَسِيئَةٍ، وقِيلَ: عَنْ قَهْرٍ؛ وقِيلَ: مَعْناهُ: عَنْ إنْعامٍ مِنكم عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّ أخْذَها مِنهم نَوْعٌ مِن أنْواعِ الإنْعامِ عَلَيْهِمْ، وقِيلَ: مَعْناهُ: مَذْمُومُونَ. وقَدْ ذَهَبَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ مِنهُمُ الشّافِعِيُّ،، وأحْمَدُ،، وأبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ، والثَّوْرِيُّ،، وأبُو ثَوْرٍ، إلى أنَّها لا تُقْبَلُ الجِزْيَةُ إلّا مِن أهْلِ الكِتابِ. وقالَ الأوْزاعِيُّ، ومالِكٌ: إنَّ الجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِن جَمِيعِ أجْناسِ الكَفَرَةِ كائِنًا مَن كانَ، ويَدْخُلُ في أهْلِ الكِتابِ عَلى القَوْلِ الأوَّلِ المَجُوسُ. قالَ ابْنُ المُنْذِرِ: لا أعْلَمُ خِلافًا في أنَّ الجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنهم. وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في مِقْدارِ الجِزْيَةِ، فَقالَ عَطاءٌ: لا مِقْدارَ لَها، وإنَّما تُؤْخَذُ عَلى ما صُولِحُوا عَلَيْهِ، وبِهِ قالَ يَحْيى بْنُ آدَمَ، وأبُو عُبَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ إلّا أنَّهُ قالَ: أقَلُّها دِينارٌ وأكْثَرُها لا حَدَّ لَهُ. وقالَ الشّافِعِيُّ: دِينارٌ عَلى الغَنِيِّ والفَقِيرِ مِنَ الأحْرارِ البالِغِينَ لا يَنْقُصُ مِنهُ شَيْءٌ، وبِهِ قالَ أبُو ثَوْرٍ. قالَ الشّافِعِيُّ: وإنْ صُولِحُوا عَلى أكْثَرِ مِن دِينارٍ جازَ، وإذا زادُوا وطابَتْ بِذَلِكَ أنْفُسُهم قُبِلَ مِنهم. وقالَ مالِكٌ: إنَّها أرْبَعَةُ دَنانِيرَ عَلى أهْلِ الذَّهَبِ، وأرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلى أهْلِ الوَرِقِ، الغَنِيُّ والفَقِيرُ سَواءٌ، ولَوْ كانَ مَجُوسِيًّا لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ ومُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ، وأحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: اثْنا عَشَرَ، وأرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ، وثَمانِيَةٌ وأرْبَعُونَ. والكَلامُ في الجِزْيَةِ مُقَرَّرٌ في مَواطِنِهِ، والحَقُّ مِن هَذِهِ الأقْوالِ قَدْ قَرَّرْناهُ في شَرْحِنا لِلْمُنْتَقى وغَيْرِهِ مِن مُؤَلَّفاتِنا. قَوْلُهُ: ﴿وهم صاغِرُونَ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، والصَّغارُ الذُّلُّ. والمَعْنى: إنَّ الذِّمِّيَّ يُعْطِي الجِزْيَةَ حالَ كَوْنِهِ صاغِرًا، قِيلَ: وهو أنْ يَأْتِيَ بِها بِنَفْسِهِ ماشِيًا غَيْرَ راكِبٍ ويُسَلِّمَها وهو قائِمٌ، والمُتَسَلِّمُ قاعِدٌ. وبِالجُمْلَةِ يَنْبَغِي لِلْقابِضِ لِلْجِزْيَةِ أنْ يَجْعَلَ المُسَلِّمَ لَها حالَ قَبْضِها صاغِرًا ذَلِيلًا. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما المُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ الآيَةَ قالَ: إلّا أنْ يَكُونَ عَبْدًا أوْ أحَدًا مِن أهْلِ الذِّمَّةِ، وقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِن وجْهٍ آخَرَ. أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَدْخُلُ مَسْجِدَنا هَذا بَعْدَ عامِنا هَذا مُشْرِكٌ إلّا أهْلُ العَهْدِ وخَدَمُكم» . قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: تَفَرَّدَ بِهِ أحْمَدُ، مَرْفُوعًا، والمَوْقُوفُ أصَحُّ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانَ المُشْرِكُونَ يَجِيئُونَ إلى البَيْتِ ويَجِيئُونَ مَعَهم بِالطَّعامِ يَتَّجِرُونَ بِهِ، فَلَمّا نُهُوا عَنْ أنْ يَأْتُوا البَيْتَ، قالَ المُسْلِمُونَ: فَمَن أيْنَ لَنا الطَّعامُ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إنْ شاءَ﴾ قالَ: فَأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ المَطَرَ، وكَثُرَ خَيْرُهم حَيْثُ ذَهَبَ المُشْرِكُونَ عَنْهم. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْهُ قالَ: فَأغْناهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ، وأمَرَهم بِقِتالِ أهْلِ الكِتابِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ قالَ: الفاقَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، في قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ قالَ: بِالجِزْيَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ الضَّحّاكِ، مِثْلَهُ. وأخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنْ قَتادَةَ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما المُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ قالَ: قَذَرٌ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: مَن صافَحَهم فَلْيَتَوَضَّأْ. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن صافَحَ مُشْرِكًا فَلْيَتَوَضَّأْ أوْ لِيَغْسِلْ كَفَّيْهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ حِينَ أُمِرَ مُحَمَّدٌ ﷺ وأصْحابُهُ بِغَزْوَةِ تَبُوكَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قالَ: نَزَلَتْ في كُفّارِ قُرَيْشٍ والعَرَبِ ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ وأُنْزِلَتْ في أهْلِ الكِتابِ ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ الآيَةَ إلى قَوْلِهِ: ﴿حَتّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ﴾ فَكانَ أوَّلُ مَن أعْطى الجِزْيَةَ أهْلُ نَجْرانَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، في قَوْلِهِ: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ لا يُصَدِّقُونَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ ﴿ولا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ ورَسُولُهُ﴾ يَعْنِي الخَمْرَ والحَرِيرَ ﴿ولا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ﴾، يَعْنِي: دِينَ الإسْلامِ ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهم صاغِرُونَ﴾ يَعْنِي: مُذَلَّلُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: عَنْ يَدٍ قالَ: عَنْ قَهْرٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ في قَوْلِهِ: عَنْ يَدٍ قالَ: مِن يَدِهِ ولا يَبْعَثُ بِها غَيْرَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ أبِي سِنانٍ في قَوْلِهِ: عَنْ يَدٍ قالَ: عَنْ قُدْرَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿وهم صاغِرُونَ﴾ قالَ: يَمْشُونَ بِها مُتَلْتَلِينَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: يُلْكَزُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَلْمانَ في الآيَةِ قالَ: غَيْرُ مَحْمُودَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب