الباحث القرآني
قَرَأ الجُمْهُورُ " يَعْمُرُوا " بِفَتْحِ حَرْفِ المُضارَعَةِ وضَمِّ المِيمِ مِن عَمَرَ يَعْمُرُ.
وقَرَأ ابْنُ السُّمَيْفِعِ بِضَمِّ حَرْفِ المُضارَعَةِ مِن أعْمَرَ يُعْمِرُ: أيْ يَجْعَلُونَ لَها مَن يَعْمُرُها.
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ،، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ،، وعَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ مُحَيْصِنٍ وسَهْمٌ ويَعْقُوبُ " مَسْجِدَ اللَّهِ " بِالإفْرادِ.
وقَرَأ الباقُونَ " مَساجِدَ " بِالجَمْعِ، واخْتارَها أبُو عُبَيْدَةَ.
قالَ النَّحّاسُ: لِأنَّها أعَمُّ، والخاصُّ يَدْخُلُ تَحْتَ العامِّ.
وقَدْ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِالجَمْعِ المَسْجِدُ الحَرامُ خاصَّةً، وهَذا جائِزٌ فِيما كانَ مِن أسْماءِ الأجْناسِ كَما يُقالُ " فُلانٌ يَرْكَبُ الخَيْلَ: وإنْ لَمْ يَرْكَبْ إلّا فَرَسًا قالَ: وقَدْ أجْمَعُوا عَلى الجَمْعِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ﴾ ورُوِيَ، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ تَعالى إنَّما قالَ " مَساجِدَ " والمُرادُ المَسْجِدُ الحَرامُ لِأنَّهُ قِبْلَةُ المَساجِدِ كُلِّها وإمامُها، فَعامِرُهُ كَعامِرِ جَمِيعِ المَساجِدِ.
قالَ الفَرّاءُ: العَرَبُ قَدْ تَضَعُ الواحِدَ مَكانَ الجَمْعِ كَقَوْلِهِمْ: فُلانٌ كَثِيرُ الدِّرْهَمِ، وبِالعَكْسِ كَقَوْلِهِمْ فُلانٌ يُجالِسُ المُلُوكَ ولَعَلَّهُ لَمْ يُجالِسْ إلّا مَلِكًا واحِدًا، والمُرادُ بِالعِمارَةِ إمّا المَعْنى الحَقِيقِيُّ أوِ المَعْنى المَجازِيُّ، وهو مُلازَمَتُهُ والتَّعَبُّدُ فِيهِ، وكِلاهُما لَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ، أمّا الأوَّلُ: فَلِأنَّهُ يَسْتَلْزِمُ المِنَّةَ عَلى المُسْلِمِينَ بِعِمارَةِ مَساجِدِهِمْ، وأمّا الثّانِي: فَلِكَوْنِ الكُفّارِ لا عِبادَةَ لَهم مَعَ نَهْيِهِمْ عَنْ قُرْبانِ المَسْجِدِ الحَرامِ، ومَعْنى ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ ما صَحَّ لَهم وما اسْتَقامَ أنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، و﴿شاهِدِينَ عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ﴾ حالٌ، أيْ ما كانَ لَهم ذَلِكَ حالَ كَوْنِهِمْ شاهِدِينَ عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ بِإظْهارٍ ما هو كُفْرٌ مِن نَصْبِ الأوْثانِ والعِبادَةِ لَها وجَعْلِها آلِهَةً، فَإنَّ هَذا شَهادَةٌ مِنهم عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ وإنْ أبَوْا ذَلِكَ بِألْسِنَتِهِمْ، فَكَيْفَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ أمْرَيْنِ مُتَنافِيَيْنِ: عِمارَةُ المَساجِدِ الَّتِي هي مِن شَأْنِ المُؤْمِنِينَ، والشَّهادَةُ عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ الَّتِي لَيْسَتْ مِن شَأْنِ مَن يَتَقَرَّبُ إلى اللَّهِ بِعِمارَةِ مَساجِدِهِ.
وقِيلَ: المُرادُ بِهَذِهِ الشَّهادَةِ قَوْلُهم في طَوافِهِمْ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ إلّا شَرِيكًا هو لَكَ تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ، وقِيلَ: شَهادَتُهم عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ: إنَّ اليَهُودِيَّ يَقُولُ: هو يَهُودِيٌّ، والنَّصْرانِيُّ يَقُولُ: هو نَصْرانِيٌّ، والصّابِئُ يَقُولُ: هو صابِئٌ، والمُشْرِكُ يَقُولُ هو مُشْرِكٌ ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِها ويَظُنُّونَ أنَّها مِن أعْمالِ الخَيْرِ: أيْ بَطَلَتْ ولَمْ يَبْقَ لَها أثَرٌ ﴿وفِي النّارِ هم خالِدُونَ﴾ وفي هَذِهِ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مَعَ تَقْدِيمِ الظَّرْفِ المُتَعَلِّقِ بِالخَبَرِ تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِها.
ثُمَّ بَيْنَ - سُبْحانِهِ - مَن هو حَقِيقٌ بِعِمارَةِ المَسْجِدِ فَقالَ: ﴿إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ وفَعَلَ ما هو مِن لَوازِمِ الإيمانِ مِن إقامَةِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ ولَمْ يَخْشَ أحَدًا إلّا اللَّهَ فَمَن كانَ جامِعًا بَيْنَ هَذِهِ الأوْصافِ فَهو الحَقِيقُ بِعِمارَةِ المَساجِدِ، لا مَن كانَ خالِيًا مِنها أوْ مِن بَعْضِها، واقْتَصَرَ عَلى ذِكْرِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والخَشْيَةِ تَنْبِيهًا بِما هو مِن أعْظَمِ أُمُورِ الدِّينِ عَلى ما عَداهُ مِمّا افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلى عِبادِهِ؛ لِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِن لَوازِمَ الإيمانِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في وجْهِ جَمْعِ المَساجِدِ وفي بَيانِ ماهِيَّةِ العِمارَةِ، ومَن جَوَّزَ الجَمْعَ بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ حَمَلَ العِمارَةَ هُنا عَلَيْهِما، وفي قَوْلِهِ: ﴿فَعَسى أُولَئِكَ أنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ﴾ حَسْمٌ لِأطْماعِ الكُفّارِ في الِانْتِفاعِ بِأعْمالِهِمْ، فَإنَّ المَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الصِّفاتِ إذا كانَ اهْتِداؤُهم مَرْجُوًّا فَقَطْ، فَكَيْفَ بِالكُفّارِ الَّذِينَ لَمْ يَتَّصِفُوا بِشَيْءٍ (p-٥٦٢)مِن تِلْكَ الصِّفاتِ، وقِيلَ: عَسى مِنَ اللَّهِ واجِبَةٌ، وقِيلَ: هي بِمَعْنى خَلِيقٍ: أيْ فَخَلِيقٌ أنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ، وقِيلَ: إنَّ الرَّجاءَ راجِعٌ إلى العِبادِ.
والِاسْتِفْهامُ في ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ لِلْإنْكارِ، والسِّقايَةُ والعِمارَةُ مَصْدَرانِ كالسِّعايَةِ والحِمايَةِ، وفي الكَلامِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: أجَعَلْتُمْ أصْحابَ سِقايَةِ الحاجِّ وعِمارَةِ المَسْجِدِ، أوْ أهْلَهُما كَمَن آمَنَ حَتّى يَتَّفِقَ المَوْضُوعُ والمَحْمُولَ، أوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ في الخَبَرِ: أيْ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ كَعَمَلِ مَن آمَنَ أوْ كَإيمانِ مَن آمَنَ.
وقَرَأ ابْنُ أبِي وجْزَةَ السَّعْدِيُّ، وابْنُ الزُّبَيْرِ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، " أجَعَلْتُمْ سُقاةَ الحاجِّ وعَمَرَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ "، جَمْعُ ساقٍ وعامِرٍ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ لا يُحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ، والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ أنْكَرَ عَلَيْهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ ما كانَ تَعْمَلُهُ الجاهِلِيَّةُ مِنَ الأعْمالِ الَّتِي صَوَّرَتْها صُورَةُ الخَيْرِ، وإنْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِها، وبَيْنَ إيمانِ المُؤْمِنِينَ وجِهادِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ، وقَدْ كانَ المُشْرِكُونَ يَفْتَخِرُونَ بِالسِّقايَةِ والعِمارَةِ ويُفَضِّلُونَهُما عَلى عَمَلِ المُسْلِمِينَ، فَأنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، ثُمَّ صَرَّحَ - سُبْحانَهُ - بِالمُفاضَلَةِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ وتَفاوُتِهِمْ وعَدَمِ اسْتِوائِهِمْ فَقالَ: ﴿لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ لا تُساوِي تِلْكَ الطّائِفَةُ الكافِرَةُ السّاقِيَةُ لِلْحَجِيجِ العامِرَةُ لِلْمَسْجِدِ الحَرامِ هَذِهِ الطّائِفَةُ المُؤْمِنَةُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ المُجاهِدَةُ في سَبِيلِهِ، ودَلَّ - سُبْحانَهُ - بِنَفْيِ الِاسْتِواءِ عَلى نَفْيِ الفَضِيلَةِ الَّتِي يَدَّعِيها المُشْرِكُونَ: أيْ إذا لَمْ تَبْلُغْ أعْمالُ الكُفّارِ إلى أنْ تَكُونَ مُساوِيَةً لِأعْمالِ المُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ تَكُونُ فاضِلَةً عَلَيْها كَما يَزْعُمُونَ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالظُّلْمِ وأنَّهم مَعَ ظُلْمِهِمْ بِما هم فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ لا يَسْتَحِقُّونَ الهِدايَةَ مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - وفي هَذا إشارَةٌ إلى الفَرِيقِ.
ثُمَّ صَرَّحَ بِالفَرِيقِ الفاضِلِ فَقالَ: الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخِرِهِ: أيِ الجامِعُونَ بَيْنَ الإيمانِ والهِجْرَةِ والجِهادِ بِالأمْوالِ والأنْفُسِ ﴿أعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾، وأحَقُّ بِما لَدَيْهِ مِنَ الخَيْرِ مِن تِلْكَ الطّائِفَةِ المُشْرِكَةِ المُفْتَخِرَةِ بِأعْمالِها المُحْبَطَةِ الباطِلَةِ، وفي قَوْلِهِ " عِنْدَ اللَّهِ " تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولَئِكَ إلى المُتَّصِفِينَ بِالصِّفاتِ المَذْكُورَةِ هُمُ الفائِزُونَ أيِ المُخْتَصُّونَ بِالفَوْزِ عِنْدَ اللَّهِ.
ثُمَّ فَسَّرَ الفَوْزَ بِقَوْلِهِ: ﴿يُبَشِّرُهم رَبُّهم بِرَحْمَةٍ مِنهُ ورِضْوانٍ وجَنّاتٍ لَهم فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ والتَّنْكِيرُ في الرَّحْمَةِ والرِّضْوانِ والجَنّاتِ لِلتَّعْظِيمِ، والمَعْنى أنَّها فَوْقَ وصْفِ الواصِفِينَ وتَصَوُّرِ المُتَصَوِّرِينَ.
والنَّعِيمُ المُقِيمُ: الدّائِمُ المُسْتَمِرُّ الَّذِي لا يُفارِقُ صاحِبَهُ.
وذِكْرُ الأبَدِ بَعْدَ الخُلُودِ تَأْكِيدٌ لَهُ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِيمٌ﴾ مُؤَكِّدَةٌ لِما قَبْلَها مَعَ تَضَمُّنِها لِلتَّعْلِيلِ: أيْ أعْطاهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - هَذِهِ الأُجُورَ العَظِيمَةَ لِكَوْنِ الأجْرِ الَّذِي عِنْدَهُ عَظِيمٌ يَهَبُ مِنهُ ما يَشاءُ لِمَن يَشاءُ، وهو ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ﴾ وقالَ: ﴿إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ فَنَفى المُشْرِكِينَ مِنَ المَسْجِدِ ﴿مَن آمَنَ بِاللَّهِ﴾ يَقُولُ: مَن وحَّدَ اللَّهَ وآمَنَ بِما أنْزَلَ اللَّهُ: وأقامَ الصَّلاةَ يَعْنِي الصَّلَواتِ الخَمْسَ ﴿ولَمْ يَخْشَ إلّا اللَّهَ﴾ يَقُولُ: لَمْ يَعْبُدْ إلّا اللَّهَ، " فَعَسى أُولَئِكَ " يَقُولُ: أُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ كَقَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾ ( الإسْراءِ: ٧٩ ) يَقُولُ: إنَّ رَبَّكَ سَيَبْعَثُكَ مَقامًا مَحْمُودًا، وهي الشَّفاعَةُ، وكُلُّ عَسى في القُرْآنِ فَهي واجِبَةٌ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والدّارِمَيُّ،، والتِّرْمِذِيُّ، وحَسَّنَهُ وابْنُ ماجَهْ،، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا رَأيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتادُ المَساجِدُ فاشْهَدُوا لَهُ بِالإيمانِ» .
قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ .
وقَدْ ورَدَتْ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ في اسْتِحْبابِ مُلازِمَةِ المَساجِدِ وعِمارَتِها والتَّرَدُّدِ إلَيْها لِلطّاعاتِ.
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ حِبّانَ،، والطَّبَرانِيُّ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قالَ: «كُنْتُ عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في نَفَرٍ مِن أصْحابِهِ فَقالَ رَجُلٌ مِنهم: ما أُبالِي أنْ لا أعْمَلَ لِلَّهِ عَمَلًا بَعْدَ الإسْلامِ إلّا أنْ أسْقِيَ الحاجَّ، وقالَ آخَرُ: بَلْ عِمارَةُ المَسْجِدِ الحَرامِ، وقالَ آخَرُ: بَلْ جِهادٌ في سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهم عُمَرُ، وقالَ: لا تَرْفَعُوا أصْواتَكم عِنْدَ مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ولَكِنْ إذا صَلَّيْتُ الجُمُعَةَ دَخَلْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأسْتَفْتِيهِ فِيما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ، وذَلِكَ أنَّ المُشْرِكِينَ قالُوا: عِمارَةُ بَيْتِ اللَّهِ وقِيامٌ عَلى السِّقايَةِ خَيْرٌ مِمَّنْ آمَنَ وجاهَدَ، فَكانُوا يَفْخَرُونَ بِالحَرَمِ ويَسْتَكْبِرُونَ بِهِ مِن أجْلِ أنَّهم أهْلُهُ وعَمّارُهُ، فَذَكَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - اسْتِكْبارَهم وإعْراضَهم، فَقالَ لِأهْلِ الحَرَمِ مِنَ المُشْرِكِينَ: ﴿قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكم فَكُنْتُمْ عَلى أعْقابِكم تَنْكِصُونَ﴾ ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ ( المُؤْمِنُونَ: ٦٧، ٦٦ ) يَعْنِي أنَّهم كانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِالحَرَمِ، وقالَ " بِهِ سامِرًا ": كانُوا بِهِ يَسْمُرُونَ ويَهْجُرُونَ بِالقُرْآنِ والنَّبِيِّ ﷺ، فَخَيْرُ الإيمانِ بِاللَّهِ والجِهادِ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ عَلى عِمْرانِ المُشْرِكِينَ البَيْتَ وقِيامِهِمْ عَلى السِّقايَةِ ولَمْ يَكُنْ لِيَنْفَعَهم عِنْدَ اللَّهِ مَعَ الشِّرْكِ بِهِ وإنْ كانُوا يَعْمُرُونَ بَيْتَهُ ويَخْدِمُونَهُ، قالَ اللَّهُ: ﴿لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ يَعْنِي الَّذِينَ زَعَمُوا أنَّهم أهْلُ العِمارَةِ فَسَمّاهم ظالِمِينَ بِشِرْكِهِمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمُ العِمارَةُ شَيْئًا، وفي إسْنادِهِ العَوْفِيُّ وهو ضَعِيفٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: قالَ العَبّاسُ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ: إنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونا بِالإسْلامِ والهِجْرَةِ والجِهادِ، لَقَدْ كُنّا نَعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ، ونَسَقِي الحاجَّ ونَفُكُّ العانِيَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ: يَعْنِي: أنَّ ذَلِكَ كانَ في الشِّرْكِ فَلا أقْبَلُ ما كانَ في الشِّرْكِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْهُ أيْضًا في (p-٥٦٣)الآيَةِ قالَ: نَزَلَتْ في عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، والعَبّاسِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قالَ: تَفاخَرَ عَلِيٌّ، والعَبّاسُ، وشَيْبَةُ، في السِّقايَةِ والحِجابَةِ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجِّ﴾ الآيَةَ، وقَدْ رُوِيَ مَعْنى هَذا مِن طُرُقٍ.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِینَ أَن یَعۡمُرُوا۟ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ شَـٰهِدِینَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ وَفِی ٱلنَّارِ هُمۡ خَـٰلِدُونَ","إِنَّمَا یَعۡمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ یَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَن یَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِینَ","۞ أَجَعَلۡتُمۡ سِقَایَةَ ٱلۡحَاۤجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَجَـٰهَدَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ لَا یَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ","یُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةࣲ مِّنۡهُ وَرِضۡوَ ٰنࣲ وَجَنَّـٰتࣲ لَّهُمۡ فِیهَا نَعِیمࣱ مُّقِیمٌ","خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥۤ أَجۡرٌ عَظِیمࣱ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











