الباحث القرآني
.
قَوْلُهُ: وإذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ حِكايَةٌ مِنهُ سُبْحانَهُ لِبَقِيَّةِ فَضائِحِ المُنافِقِينَ: أيْ إذا ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - سُورَةً مِن كِتابِهِ العَزِيزِ فَمِنَ المُنافِقِينَ مَن يَقُولُ لِإخْوانِهِ مِنهم أيُّكم زادَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ النّازِلَةُ إيمانًا يَقُولُونَ هَذا اسْتِهْزاءً بِالمُؤْمِنِينَ، ويَجُوزُ أنْ يَقُولُوهُ لِجَماعَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قاصِدِينَ بِذَلِكَ صَرْفَهم عَنِ الإسْلامِ وتَزْهِيدَهم فِيهِ، و( أيُّكم ) مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ ( زادَتْهُ ) .
وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْنى السُّورَةِ.
ثُمَّ حَكى اللَّهُ سُبْحانَهُ بَعْدَ مَقالَتِهِمْ هَذِهِ أنَّ المُؤْمِنِينَ زادَتْهم إيمانًا إلى إيمانِهِمْ، والحالُ أنَّهم يَسْتَبْشِرُونَ مَعَ هَذِهِ الزِّيادَةِ بِنُزُولِ الوَحْيِ وما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ المَنافِعِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ.
﴿وأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ وهُمُ المُنافِقُونَ فَزادَتْهُمُ السُّورَةُ المُنَزَّلَةُ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ أيْ خُبْثًا إلى خُبْثِهِمُ الَّذِي هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ وفَسادِ الِاعْتِقادِ، وإظْهارِ غَيْرِ ما يُضْمِرُونَهُ وثَبَتُوا عَلى ذَلِكَ واسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ إلى أنْ ماتُوا كُفّارًا مُنافِقِينَ، والمُرادُ بِالمَرَضِ هُنا الشَّكُّ والنِّفاقُ، وقِيلَ: المَعْنى: زادَتْهم إثْمًا إلى إثْمِهِمْ.
قَوْلُهُ: ﴿أوَلا يَرَوْنَ أنَّهم يُفْتَنُونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ﴾ .
قَرَأ الجُمْهُورُ ( يَرَوْنَ ) بِالتَّحْتِيَّةِ.
وقَرَأ حَمْزَةُ ويَعْقُوبُ بِالفَوْقِيَّةِ خِطابًا لِلْمُؤْمِنِينَ.
وقَرَأ الأعْمَشُ " أوَلَمْ يَرَوْا " .
وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ " أوَلا تَرى " خِطابًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ.
ومَعْنى ( يُفْتَنُونَ ) يُخْتَبَرُونَ، قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وغَيْرُهُ أوْ يَبْتَلِيهِمُ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِالقَحْطِ والشِّدَّةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ بِالأمْراضِ والأوْجاعِ.
وقالَ قَتادَةُ، والحَسَنُ بِالغَزْوِ والجِهادِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ويَرَوْنَ ما وعَدَ اللَّهُ مِنَ النَّصْرِ.
﴿ثُمَّ لا يَتُوبُونَ﴾ بِسَبَبِ ذَلِكَ ﴿ولا هم يَذَّكَّرُونَ﴾ و( ثُمَّ ) لِعَطْفِ ما بَعْدَها عَلى ( يَرَوْنَ )، والهَمْزَةُ في ( أوَلا يَرَوْنَ ) لِلْإنْكارِ والتَّوْبِيخِ، والواوُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ: أيْ لا يَنْظُرُونَ ولا يَرَوْنَ، وهَذا تَعْجِيبٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِن حالِ المُنافِقِينَ وتَصَلُّبِهِمْ في النِّفاقِ وإهْمالِهِمْ لِلنَّظَرِ والِاعْتِبارِ.
ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ ما كانُوا يَفْعَلُونَهُ عِنْدَ نُزُولِ السُّورَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِما كانُوا يَقُولُونَهُ، فَقالَ: ﴿وإذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ﴾ أيْ نَظَرَ بَعْضُ المُنافِقِينَ إلى البَعْضِ الآخَرِ قائِلِينَ ﴿هَلْ يَراكم مِن أحَدٍ﴾ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِنَنْصَرِفَ عَنِ المَقامِ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ الوَحْيُ، فَإنَّهُ لا صَبْرَ لَنا عَلى اسْتِماعِهِ، ولِنَتَكَلَّمَ بِما نُرِيدُ مِنَ الطَّعْنِ والسُّخْرِيَةِ والضَّحِكِ، وقِيلَ: المَعْنى: وإذا أنْزَلَتْ سُورَةٌ ذَكَرَ اللَّهُ فِيها فَضائِحَ المُنافِقِينَ ومُخازَيَهم، قالَ بَعْضُ مَن يَحْضُرُ مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ لِلْبَعْضِ الآخَرِ مِنهم: هَلْ يَراكم مِن أحَدٍ ؟ ثُمَّ انْصَرَفُوا إلى مَنازِلِهِمْ.
وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ أنَّهُ قالَ: ( نَظَرَ ) في هَذِهِ الآيَةِ مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ " قالَ "، أيْ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: هَلْ يَراكم مِن أحَدٍ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ انْصَرَفُوا أيْ عَنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ إلى (p-٦٠٨)مَنازِلِهِمْ، أوْ عَنْ ما يَقْتَضِي الهِدايَةَ والإيمانَ إلى ما يَقْتَضِي الكُفْرَ والنِّفاقَ، ثُمَّ دَعا اللَّهُ سُبْحانَهُ عَلَيْهِمْ، فَقالَ: ﴿صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أيْ صَرَفَها عَنِ الخَيْرِ وما فِيهِ الرُّشْدُ لَهم والهِدايَةُ، وهو سُبْحانَهُ مُصَرِّفُ القُلُوبِ ومُقَلِّبُها، وقِيلَ المَعْنى: أنَّهُ خَذَلَهم عَنْ قَبُولِ الهِدايَةِ، وقِيلَ: هو دُعاءٌ لا يُرادُ بِهِ وُقُوعُ مَضْمُونِهِ كَقَوْلِهِمْ: قاتَلَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ السَّبَبَ الَّذِي لِأجْلِهِ انْصَرَفُوا عَنْ مَوْطِنِ الهِدايَةِ، أوِ السَّبَبَ الَّذِي لِأجْلِهِ اسْتَحَقُّوا الدُّعاءَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ فَقالَ: ﴿بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ ما يَسْمَعُونَهُ لِعَدَمِ تَدَبُّرِهِمْ وإنْصافِهِمْ.
ثُمَّ خَتَمَ اللَّهُ سُبْحانَهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِما يُهَوِّنُ عِنْدَهُ بَعْضَ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ التَّكالِيفِ الشّاقَّةِ، فَقالَ: لَقَدْ جاءَكم يا مَعْشَرَ العَرَبِ رَسُولٌ أرْسَلَهُ اللَّهُ إلَيْكم لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ ( مِن أنْفُسِكم ) مِن جِنْسِكم في كَوْنِهِ عَرَبِيًّا وإلى كَوْنِ هَذِهِ الآيَةِ خِطابًا لِلْعَرَبِ ذَهَبَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ.
وقالَ الزَّجّاجُ: هي خِطابٌ لِجَمِيعِ العالَمِ.
والمَعْنى ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن﴾ جِنْسِكم في البَشَرِيَّةِ ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ﴾ ما مَصْدَرِيَّةٌ.
والمَعْنى: شاقٌّ عَلَيْهِ عَنَتُكم لِكَوْنِهِ مِن جِنْسِكم، ومَبْعُوثًا لِهِدايَتِكم، والعَنَتُ: التَّعَبُ لَهم والمَشَقَّةُ عَلَيْهِمْ بِعَذابِ الدُّنْيا بِالسَّيْفِ ونَحْوِهِ، أوْ بِعَذابِ الآخِرَةِ بِالنّارِ، أوْ بِمَجْمُوعِهِما ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ شَحِيحٌ عَلَيْكم بِأنْ تَدْخُلُوا النّارَ، أوْ حَرِيصٌ عَلى إيمانِكم.
والأوَّلُ أوْلى، وبِهِ قالَ الفَرّاءُ: والرَّءُوفُ الرَّحِيمُ، قَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ مَعْناهُما: أيْ هَذا الرَّسُولُ ( بِالمُؤْمِنِينَ ) مِنكم أيُّها العَرَبُ أوِ النّاسُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
ثُمَّ قالَ مُخاطِبًا لِرَسُولِهِ ومُسَلِّيًا لَهُ، ومُرْشِدًا لَهُ إلى ما يَقُولُهُ عِنْدَ أنْ يُعْصى ( فَإنْ تَوَلَّوْا ) أيْ أعْرَضُوا عَنْكَ ولَمْ يَعْمَلُوا بِما جِئْتَ بِهِ ولا قَبِلُوهُ فَقُلْ يا مُحَمَّدُ ( حَسْبِيَ اللَّهُ ) أيْ كافِيَّ اللَّهُ سُبْحانَهُ المُنْفَرِدُ بِالأُلُوهِيَّةِ ( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) أيْ فَوَّضْتُ جَمِيعَ أُمُورِي ( وهو رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) وصَفَهُ بِالعِظَمِ، لِأنَّهُ أعْظَمُ المَخْلُوقاتِ.
وقَدْ قَرَأ الجُمْهُورُ بِالجَرِّ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِعَرْشٍ.
وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِ ( رَبُّ ) .
وقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهم إيمانًا﴾ قالَ: كانَ إذا نَزَلَتْ سُورَةٌ آمَنُوا بِها فَزادَهُمُ اللَّهُ إيمانًا وتَصْدِيقًا وكانُوا بِها يَسْتَبْشِرُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، في قَوْلِهِ: ﴿رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ﴾ قالَ: شَكًّا إلى شَكِّهِمْ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿أوَلا يَرَوْنَ أنَّهم يُفْتَنُونَ﴾ قالَ: يُقْتَلُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ وقالَ: بِالسَّنَةِ والجُوعِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: بِالعَدُوِّ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ، قالَ: بِالغَزْوِ في سَبِيلِ اللَّهِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ بَكّارِ بْنِ مالِكٍ قالَ: يَمْرَضُونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: كانَتْ لَهم في كُلِّ عامٍ كِذْبَةٌ أوْ كِذْبَتانِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: كُنّا نَسْمَعُ في كُلِّ عامٍ كِذْبَةً أوْ كِذْبَتَيْنِ، فَيَضِلُّ بِها فِئامٌ مِنَ النّاسِ كَثِيرٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿نَظَرَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ﴾ قالَ: هُمُ المُنافِقُونَ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: لا تَقُولُوا انْصَرَفْنا مِنَ الصَّلاةِ، فَإنَّ قَوْمًا انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهم، ولَكِنْ قُولُوا قَضَيْنا الصَّلاةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ.
وأقُولُ: الِانْصِرافُ يَكُونُ عَنِ الخَيْرِ كَما يَكُونُ عَنِ الشَّرِّ، ولَيْسَ في إطْلاقِهِ هُنا عَلى رُجُوعِ المُنافِقِينَ عَنْ مَجْلِسِ الخَيْرِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يُطْلَقُ إلّا عَلى نَحْوِ ذَلِكَ، وإلّا لَزِمَ أنَّ كُلَّ لَفْظٍ يُسْتَعْمَلُ في لُغَةِ العَرَبِ في الأُمُورِ المُتَعَدِّدَةِ إذا اسْتُعْمِلَ في القُرْآنِ في حِكايَةِ ما وقَعَ مِنَ الكُفّارِ لا يَجُوزُ اسْتِعْمالُهُ في حِكايَةِ ما وقَعَ عَنْ أهْلِ الخَيْرِ، كالرُّجُوعِ والذَّهابِ والدُّخُولِ والخُرُوجِ والقِيامِ والقُعُودِ.
واللّازِمُ باطِلٌ بِالإجْماعِ، فالمَلْزُومُ مِثْلُهُ، ووَجْهُ المُلازَمَةِ ظاهِرٌ لا يَخْفى.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والحارِثُ بْنُ أبِي أُسامَةَ في مُسْنَدِهِ وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ في دَلائِلِ النُّبُوَّةِ وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكم﴾ قالَ: لَيْسَ مِنَ العَرَبِ قَبِيلَةٌ إلّا وقَدْ ولَدَتِ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مُضَرِيُّها ورَبِيعُها ويَمانِيُّها.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْهُ في قَوْلِهِ: مِن أنْفُسِكم قالَ: قَدْ ولَدْتُمُوهُ يا مَعْشَرَ العَرَبِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ في المُصَنَّفِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِيهِ في قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكم﴾ قالَ: لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ مِن وِلادَةِ الجاهِلِيَّةِ، وقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: خَرَجْتُ مِن نِكاحٍ ولَمْ أخْرُجْ مِن سِفاحٍ، وهَذا فِيهِ انْقِطاعٌ، ولَكِنَّهُ قَدْ وصَلَهُ الحافِظُ الرّامَهُرْمُزِيُّ في كِتابِهِ الفاصِلِ بَيْنَ الرّاوِي والواعِي، فَقالَ: حَدَّثَنا أبُو أحْمَدَ، يُوسُفُ بْنُ هارُونَ بْنِ زِيادٍ، حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عُمَرَ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قالَ: أشْهَدُ عَلى أبِي يُحَدِّثُنِي عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «خَرَجْتُ مِن نِكاحٍ ولَمْ أخْرُجْ مِن سِفاحٍ مِن لَدُنْ آدَمَ إلى أنْ ولَدَنِي أبِي وأُمِّي» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أنَسٍ «قالَ: قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ فَقالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما مَعْنى مِن أنْفُسِكم ؟ قالَ: نَسَبًا وصِهْرًا وحَسَبًا، لَيْسَ فِيَّ ولا في آبائِي مِن لَدُنْ آدَمَ سِفاحٌ، كُلُّنا نِكاحٌ» .
وأخْرَجَ الحاكِمُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قَرَأ ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ يَعْنِي مِن أعْظَمِكم قَدْرًا» .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْهُ نَحْوَ حَدِيثِ عَلِيٍّ الأوَّلِ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْهُ أيْضًا نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ عائِشَةَ نَحْوَهُ.
وفِي البابِ أحادِيثُ بِمَعْناهُ، ويُؤَيِّدُهُ ما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ مِن حَدِيثِ واثِلَةَ بْنِ الأسْقَعِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ اصْطَفى مِن ولَدِ إبْراهِيمَ إسْماعِيلَ، (p-٦٠٩)واصْطَفى مِن ولَدِ إسْماعِيلَ بَنِي كِنانَةَ، واصْطَفى مِن بَنِي كِنانَةَ قُرَيْشًا، واصْطَفى مِن قُرَيْشٍ بَنِي هاشِمٍ، واصْطَفانِي مِن بَنِي هاشِمٍ» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأبُو نُعَيْمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنِ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ حِينَ خَلَقَ الخَلْقَ جَعَلَنِي مِن خَيْرِ خَلْقِهِ، ثُمَّ حِينَ فَرَّقَهم جَعَلَنِي في خَيْرِ الفَرِيقَيْنِ، ثُمَّ حِينَ خَلَقَ القَبائِلَ جَعَلَنِي مِن خَيْرِ قَبِيلَةٍ، وحِينَ خَلَقَ الأنْفُسَ جَعَلَنِي مِن خَيْرِ أنْفُسِهِمْ، ثُمَّ حِينَ خَلَقَ البُيُوتَ جَعَلَنِي مِن خَيْرِ بُيُوتِهِمْ، فَأنا خَيْرُهم بَيْتًا وخَيْرُهم نَفْسًا» وفي البابِ أحادِيثُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وإسْحاقُ بْنُ راهَوَيْهِ، وابْنُ مَنِيعٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، مِن طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مِهْرانَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قالَ: آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وفي لَفْظٍ: آخِرُ ما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ، ورُوِيَ عَنْهُ نَحْوُهُ مِن طَرِيقٍ أُخْرى أخْرَجَها عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ، في زَوائِدِ المَسْنَدِ، وابْنُ الضَّرِيسِ في فَضائِلِهِ، وابْنُ أبِي داوُدَ في المَصاحِفِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ، والخَطِيبُ في تَلْخِيصِ المُتَشابِهِ، والضِّياءُ في المُخْتارَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ قالَ: «لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - المَدِينَةَ جاءَتْهُ جُهَيْنَةُ فَقالُوا لَهُ: إنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أظْهُرِنا فَأوْثِقْ لَنا نَأْمَنكَ وتَأْمَنّا قالَ: ولِمَ سَألْتُمْ هَذا ؟ قالُوا: نَطْلُبُ الأمْنَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ ( لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكم )» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ يَعْنِي الكُفّارَ تَوَلَّوْا عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْهُ قالَ: إنَّما سُمِّيَ العَرْشُ عَرْشًا لِارْتِفاعِهِ، وقَدْ رُوِيَتْ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ في صِفَةِ العَرْشِ وماهِيَّتِهِ وقَدْرِهِ.
وإلى هُنا انْتَهى الثُّلُثُ الأوَّلُ مِنَ التَّفْسِيرِ المُسَمّى فَتْحَ القَدِيرِ الجامِعَ بَيْنَ فَنَّيِ الرِّوايَةِ والدِّرايَةِ مِن عِلْمِ التَّفْسِيرِ بِقَلَمِ مُؤَلِّفِهِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكانِيِّ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُما.
وكانَ تَمامُ هَذا الثُّلُثِ في نَهارِ يَوْمِ الثُّلاثاءِ لَعَلَّهُ يَوْمُ عِشْرِينَ مِن شَهْرِ مُحَرَّمٍ سَنَةَ ١٢٢٧ ه.
والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وآلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
الحَمْدُ لَهُ: انْتَهى سَماعًا عَلى مُؤَلِّفِهِ - أطالَ اللَّهُ مُدَّتَهُ - في شَهْرِ جُمادى الأُولى مِن عامِ ١٢٣٥ ه.
يَحْيى بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكانِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُما آمِينَ.
{"ayahs_start":124,"ayahs":["وَإِذَا مَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ فَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ أَیُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَـٰذِهِۦۤ إِیمَـٰنࣰاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فَزَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَهُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ","وَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ فَزَادَتۡهُمۡ رِجۡسًا إِلَىٰ رِجۡسِهِمۡ وَمَاتُوا۟ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ","أَوَلَا یَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ یُفۡتَنُونَ فِی كُلِّ عَامࣲ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَیۡنِ ثُمَّ لَا یَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ یَذَّكَّرُونَ","وَإِذَا مَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ یَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدࣲ ثُمَّ ٱنصَرَفُوا۟ۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ","لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ","فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُلۡ حَسۡبِیَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ"],"ayah":"وَإِذَا مَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ یَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدࣲ ثُمَّ ٱنصَرَفُوا۟ۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَفۡقَهُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق