الباحث القرآني
الوَجَلُ: الخَوْفُ والفَزَعُ، والمُرادُ أنَّ حُصُولَ الخَوْفِ مِنَ اللَّهِ والفَزَعِ مِنهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ - هو شَأْنُ المُؤْمِنِينَ الكامِلِي الإيمانِ المُخْلِصِينَ لِلَّهِ، فالحَصْرُ بِاعْتِبارِ كَمالِ الإيمانِ لا بِاعْتِبارِ أصْلِ الإيمانِ.
قالَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: هَذِهِ الآيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّحْرِيضِ عَلى طاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيما أمَرَ بِهِ مِن قِسْمَةِ الغَنائِمِ، ولا يَخْفاكَ أنَّ هَذا وإنْ صَحَّ إدْراجُهُ تَحْتَ مَعْنى الآيَةِ، مِن جِهَةِ أنَّ وجَلَ القُلُوبِ عِنْدَ الذَّكَرِ، وزِيادَةَ الإيمانِ عِنْدَ تِلاوَةِ آياتِ اللَّهِ؛ يَسْتَلْزِمانِ امْتِثالَ ما أمَرَ بِهِ - سُبْحانَهُ - مِن كَوْنِ الأنْفالِ لِلَّهِ والرَّسُولِ، ولَكِنَّ الظّاهِرَ أنَّ مَقْصُودَ الآيَةِ هو إثْباتُ هَذِهِ المَزِيَّةِ لِمَن كَمُلَ إيمانُهُ مِن غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِحالٍ دُونَ حالٍ، ولا بِوَقْتٍ دُونَ وقْتٍ، ولا بِواقِعَةٍ دُونَ واقِعَةٍ، والمُرادُ مِن تِلاوَةِ آياتِهِ تِلاوَةُ الآياتِ المُنَزَّلَةِ أوِ التَّعْبِيرُ عَنْ بَدِيعِ صَنْعَتِهِ، وكَمالِ قُدْرَتِهِ في آياتِهِ التَّكْوِينِيَّةِ؛ بِذِكْرِ خَلْقِها البَدِيعِ، وعَجائِبِها الَّتِي يَخْشَعُ عِنْدَ ذِكْرِها المُؤْمِنُونَ.
قِيلَ: والمُرادُ بِزِيادَةِ الإيمانِ هو زِيادَةُ انْشِراحِ الصَّدْرِ وطُمَأْنِينَةُ القَلْبِ وانْثِلاجُ الخاطِرِ عِنْدَ تِلاوَةِ الآياتِ، وقِيلَ: المُرادُ بِزِيادَةِ الإيمانِ زِيادَةُ العَمَلِ؛ لِأنَّ الإيمانَ شَيْءٌ واحِدٌ لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ، والآياتُ المُتَكاثِرَةُ والأحادِيثُ المُتَواتِرَةُ تَرُدُّ ذَلِكَ وتَدْفَعُهُ وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لا عَلى غَيْرِهِ، والتَّوَكُّلُ عَلى اللَّهِ: تَفْوِيضُ الأمْرِ إلَيْهِ في جَمِيعِ الأُمُورِ.
والمَوْصُولُ في قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّهُ وصْفٌ لِلْمَوْصُولِ الَّذِي قَبْلَهُ، أوْ بَدَلٌ مِنهُ أوْ بَيانٌ لَهُ أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى المَدْحِ، وخَصَّ إقامَةَ الصَّلاةِ والصَّدَقَةَ لِكَوْنِهِما أصْلَ الخَيْرِ وأساسَهُ، و" مِن " في " مِمّا " لِلتَّبْعِيضِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: " أُولَئِكَ " إلى المُتَّصِفِينَ بِالأوْصافِ المُتَقَدِّمَةِ وهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ هُمُ المُؤْمِنُونَ أيْ أنَّ هَؤُلاءِ هُمُ الكامِلُونَ الإيمانِ البالِغُونَ فِيهِ إلى أعْلى دَرَجاتِهِ وأقْصى غاياتِهِ و" حَقًّا " مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ " هُمُ المُؤْمِنُونَ "، أيْ: حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا أوْ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هُمُ المُؤْمِنُونَ إيمانًا حَقًّا، ثُمَّ ذَكَرَ ما أعَدَّ لِمَن كانَ جامِعًا بَيْنَ هَذِهِ الأوْصافِ مِنَ الكَرامَةِ فَقالَ: لَهم دَرَجاتٌ أيْ مَنازِلُ خَيْرٍ وكَرامَةٍ وشَرَفٍ في الجَنَّةِ كائِنَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وفي كَوْنِها عِنْدَهُ - سُبْحانَهُ - زِيادَةُ تَشْرِيفٍ لَهم وتَكْرِيمٍ وتَعْظِيمٍ وتَفْخِيمٍ، وجُمْلَةُ لَهم دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ خَبَرٌ ثانٍ لِ " أُولَئِكَ " أوْ مُسْتَأْنِفَةٌ جَوابًا لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ، و" مَغْفِرَةٌ " مَعْطُوفٌ عَلى دَرَجاتٍ، أيْ: مَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِمْ ورِزْقٌ كَرِيمٌ يُكْرِمُهُمُ اللَّهُ بِهِ مِن واسِعِ فَضْلِهِ وفائِضِ جُودِهِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ " ﴿وجِلَتْ قُلُوبُهم﴾ " قالَ: فَرَقَتْ قُلُوبُهم.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: المُنافِقُونَ لا يَدْخُلُ قُلُوبَهم شَيْءٌ مِن ذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ أداءِ فَرائِضِهِ، ولا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِن آياتِ اللَّهِ، ولا يَتَوَكَّلُونَ عَلى اللَّهِ، ولا يَصِلُونَ إذا غابُوا، ولا يُؤَدُّونَ زَكاةَ أمْوالِهِمْ، فَأخْبَرَ اللَّهُ أنَّهم لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ وصَفَ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم﴾ فَأدَّوْا فَرائِضَهُ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ،، وابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ مِن طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ قالَتْ: إنَّما الوَجَلُ في القَلْبِ كاحْتِراقِ السَّعَفَةِ يا شَهْرُ بْنَ حَوْشَبٍ، أما تَجِدُ قَشْعْرِيرَةً ؟ قُلْتُ: بَلى، قالَتْ: فادْعُ عِنْدَها فَإنَّ الدُّعاءَ يُسْتَجابُ عِنْدَ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ،، عَنْ ثابِتٍ البُنانِيِّ قالَ: قالَ فُلانٌ: إنِّي لَأعْلَمُ مَتى يُسْتَجابُ لِي ؟ قالُوا: ومِن أيْنَ لَكَ ؟ قالَ: إذا اقْشَعَرَّ جِلْدِي، ووَجِلَ قَلْبِي، وفاضَتْ عَيْنايَ، فَذَلِكَ حِينَ يُسْتَجابُ لِي.
وأخْرَجَ أيْضًا عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: ما الوَجَلُ في قَلْبِ المُؤْمِنِ إلّا كَضَرْمَةِ السَّعَفَةِ، فَإذا وجِلَ أحَدُكم فَلْيَدْعُ عِنْدَ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ السُّدِّيِّ، في الآيَةِ قالَ: هو الرَّجُلُ يُرِيدُ أنْ يَظْلِمَ أوْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةٍ فَيُقالُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَيَوْجَلُ قَلْبُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ " زادَتْهم إيمانًا " قالَ: تَصْدِيقًا.
وأخْرَجَ هَؤُلاءِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ في قَوْلِهِ: " زادَتْهم إيمانًا " قالَ: خَشْيَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ " وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " يَقُولُ: لا يَرْجُونَ غَيْرَهُ.
وأخْرَجا عَنْهُ في قَوْلِهِ: " أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا " قالَ: بَرِئُوا مِنَ الكُفْرِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْهُ " حَقًّا " قالَ: خالِصًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، في قَوْلِهِ: لَهم دَرَجاتٌ يَعْنِي فَضائِلَ ورَحْمَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: لَهم دَرَجاتٌ قالَ: أعْمالٌ رَفِيعَةٌ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الضَّحّاكِ، في قَوْلِهِ: ﴿لَهم دَرَجاتٌ﴾ قالَ: أهْلُ الجَنَّةِ بَعْضُهم فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَرى الَّذِي هو فَوْقُ فَضْلَهُ عَلى الَّذِي هو أسْفَلَ مِنهُ، ولا يَرى الَّذِي هو أسْفَلُ أنَّهُ فُضِّلَ عَلَيْهِ أحَدٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: " ومَغْفِرَةٌ " قالَ: بِتَرْكِ الذُّنُوبِ ﴿ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ قالَ: الأعْمالُ الصّالِحَةُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قالَ: إذا سَمِعْتُمُ اللَّهَ يَقُولُ: ورِزْقٌ كَرِيمٌ فَهي الجَنَّةُ.
{"ayahs_start":3,"ayahs":["ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقࣰّاۚ لَّهُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق