الباحث القرآني

أمْرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - المُؤْمِنِينَ بِطاعَتِهِ وطاعَةِ رَسُولِهِ ونَهاهم عَنِ التَّوَلِّي عَنْ رَسُولِهِ، فالضَّمِيرُ في " عَنْهُ " عائِدٌ إلى الرَّسُولِ؛ لِأنَّ طاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هي مِن طاعَةِ اللَّهِ، و﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ ( النِّساءِ: ٨٠ ) ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا الضَّمِيرُ راجَعًا إلى اللَّهِ وإلى رَسُولِهِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ ورَسُولُهُ أحَقُّ أنْ يُرْضُوهُ﴾ ( التَّوْبَةِ: ٦٢ ) وقِيلَ: الضَّمِيرُ راجِعٌ إلى الأمْرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أطِيعُوا، وأصْلُ تَوَلَّوْا تَتَوَلَّوْا، فَطُرِحَتْ إحْدى التّاءَيْنِ، هَذا تَفْسِيرُ الآيَةِ عَلى ظاهِرِ الخِطابِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وبِهِ قالَ الجُمْهُورُ، وقِيلَ: إنَّهُ خِطابٌ لِلْمُنافِقِينَ، والمَعْنى: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا بِألْسِنَتِهِمْ فَقَطْ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا وإنْ كانَ مُحْتَمَلًا عَلى بُعْدٍ فَهو ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأنَّ اللَّهَ وصَفَ مَن خاطَبَهُ هَذِهِ الآيَةِ بِالإيمانِ وهو التَّصْدِيقُ، والمُنافِقُونَ لا يَتَّصِفُونَ مِنَ التَّصْدِيقِ بِشَيْءٍ، وأبْعَدُ مِن هَذا مَن قالَ: الخِطابُ لِبَنِي إسْرائِيلَ، فَإنَّهُ أجْنَبِيٌّ مِنَ الآيَةِ، وجُمْلَةُ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، والمَعْنى: وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ ما يُتْلى عَلَيْكم مِنَ الحُجَجِ والبَراهِينِ وتُصَدِّقُونَ بِها ولَسْتُمْ كالصُّمِّ والبُكْمِ. ﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا﴾ وهُمُ المُشْرِكُونَ أوِ المُنافِقُونَ أوِ اليَهُودُ أوِ الجَمِيعُ مِن هَؤُلاءِ، فَإنَّهم يَسْمَعُونَ بِآذانِهِمْ مِن غَيْرِ فَهْمٍ ولا عَمَلٍ، فَهم كالَّذِي لَمْ يَسْمَعْ أصْلًا؛ لِأنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِما سَمِعَهُ. ثُمَّ أخْبَرَ - سُبْحانَهُ - إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ أيْ ما دَبَّ عَلى الأرْضِ " عِنْدَ اللَّهِ " أيْ في حُكْمِهِ " الصُّمُّ البُكْمُ " أيِ الَّذِينَ لا يَسْمَعُونَ ولا يَنْطِقُونَ، وُصِفُوا بِذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِمْ مِمَّنْ يَسْمَعُ ويَنْطِقُ لِعَدَمِ انْتِفاعِهِمْ بِالسَّمْعِ والنُّطْقِ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ما فِيهِ النَّفْعُ لَهم فَيَأْتُونَهُ، وما فِيهِ الضَّرَرُ عَلَيْهِمْ فَيَجْتَنِبُونَهُ فَهم شَرُّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأنَّها تُمَيِّزُ بَعْضَ تَمْيِيزٍ، وتَفَرِّقُ بَيْنَ ما يَنْفَعُها ويَضُرُّها. ﴿ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ﴾ أيْ: في هَؤُلاءِ الصُّمِّ البُكْمِ - خَيْرًا ﴿لَأسْمَعَهم﴾ سَماعًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، ويَتَعَقَّلُونَ عِنْدَهُ الحُجَجَ والبَراهِينَ. قالَ الزَّجّاجُ: لَأسْمَعَهم جَوابَ كُلِّ ما سَألُوا عَنْهُ، وقِيلَ: لَأسْمَعَهم كَلامَ المَوْتى الَّذِينَ طَلَبُوا إحْياءَهَمْ لِأنَّهم طَلَبُوا إحْياءَ قُصَيِّ بْنِ كِلابٍ وغَيْرِهِ لِيَشْهَدُوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ لِأنَّهُ قَدْ سَبَقَ في عِلْمِهِ أنَّهم لا يُؤَمِّنُونَ، وجُمْلَةُ " وهم مُعْرِضُونَ " في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وهم لا يَسْمَعُونَ﴾ قالَ: غاضِبُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ﴾ الآيَةَ قالَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في فُلانٍ وأصْحابٍ لَهُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبُخارِيُّ،، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ﴾ قالَ: هم نَفَرٌ مِن قُرَيْشٍ مِن بَنِي عَبْدِ الدّارِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ قالَ: لا يَتَّبِعُونَ الحَقَّ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ وقَوْمِهِ، ولَعَلَّهُ المُكَنّى عَنْهُ بِفُلانٍ فِيما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ﴾ أيْ لَأنْفَذَ لَهم قَوْلَهُمُ الَّذِي قالُوا بِألْسِنَتِهِمْ، ولَكِنَّ القُلُوبَ خالَفَتْ ذَلِكَ مِنهم. وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ عِكْرِمَةَ في الآيَةِ قالَ: قالُوا نَحْنُ صُمٌّ عَمّا يَدْعُونا إلَيْهِ مُحَمَّدٌ لا نَسْمَعُهُ، بُكْمٌ لا نُجِيبُهُ فِيهِ بِتَصْدِيقٍ، قُتِلُوا جِمَيِعًا بِأُحُدٍ، وكانُوا أصْحابَ اللِّواءِ يَوْمَ أُحُدٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب