الباحث القرآني

وهي مَكِّيَّةٌ بِلا خِلافٍ. وأخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، والنَّحّاسُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ القِيامَةِ - وفي لَفْظٍ: سُورَةُ لا أُقْسِمُ - بِمَكَّةَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قالَ: أُنْزِلَتْ سُورَةُ لا أُقْسِمُ بِمَكَّةَ. (p-١٥٥٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ قالَ أبُو عُبَيْدَةَ وجَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: إنَّ " لا " زائِدَةٌ، والتَّقْدِيرُ: أُقْسِمُ. قالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ: أجْمَعَ المُفَسِّرُونَ أنَّ مَعْنى ﴿لا أُقْسِمُ﴾: أُقْسِمُ، واخْتَلَفُوا في تَفْسِيرِ " لا " فَقالَ: بَعْضُهم: هي زائِدَةٌ، وزِيادَتُها جارِيَةٌ في كَلامِ العَرَبِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿ما مَنَعَكَ ألّا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢] يَعْنِي أنْ تَسْجُدَ، و﴿لِئَلّا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ﴾ [الحديد: ٢٩] ومِن هَذا قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎تَذَكَّرْتُ لَيْلى فاعْتَرَتْنِي صَبابَةٌ وكادَ صَمِيمُ القَلْبِ لا يَتَقَطَّعُ وقالَ بَعْضُهم: هي رَدٌّ لِكَلامِهِمْ حَيْثُ أنْكَرُوا البَعْثَ كَأنَّهُ قالَ: لَيْسَ الأمْرُ كَما ذَكَرْتُمْ ( أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ )، وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ وكَثِيرٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ، كَقَوْلِ القائِلِ: اللَّهُ لا واللَّهِ، فَ " لا " رَدٌّ لِكَلامٍ قَدْ تَقَدَّمَها، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎فَلا وأبِيكِ ابْنَةَ العامِرِيِّ ∗∗∗ لا يَدَّعِي القَوْمُ أنِّي أفِرُّ وقِيلَ هي لِلنَّفْيِ، لَكِنْ لا لِنَفْيِ الإقْسامِ، بَلْ لِنَفْيِ ما يُنَبِّئُ عَنْهُ مِن إعْظامِ المُقْسَمِ بِهِ وتَفْخِيمِهِ. كَأنَّ مَعْنى " لا أُقْسِمُ بِكَذا ": لا أُعَظِّمُهُ بِإقْسامِي بِهِ حَقَّ إعْظامِهِ، فَإنَّهُ حَقِيقٌ بِأكْثَرَ مِن ذَلِكَ. وقِيلَ إنَّها لِنَفْيِ الإقْسامِ لِوُضُوحِ الأمْرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥] وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ كَثِيرٍ في رِوايَةٍ عَنْهُ والزُّهْرِيُّ، وابْنُ هُرْمُزَ " لَأُقْسِمُ " بِدُونِ ألِفٍ عَلى أنَّ اللّامَ لامُ الِابْتِداءِ، والقَوْلُ الأوَّلُ هو أرْجَحُ هَذِهِ الأقْوالِ، وقَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الرّازِيُّ بِما لا يُقْدَحُ في قُوَّتِهِ ولا يُفَتُّ في عَضُدِ رُجْحانِهِ، وإقْسامُهُ سُبْحانَهُ بِيَوْمِ القِيامَةِ لِتَعْظِيمِهِ وتَفْخِيمِهِ، ولِلَّهِ أنْ يُقْسِمَ بِما شاءَ مِن مَخْلُوقاتِهِ. ﴿ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ﴾ ذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّهُ سُبْحانَهُ أقْسَمَ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ كَما أقْسَمَ بِيَوْمِ القِيامَةِ، فَيَكُونُ الكَلامُ في " لا " هَذِهِ كالكَلامِ في الأُولى، وهَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ. وقالَ الحَسَنُ: أقْسَمَ بِيَوْمِ القِيامَةِ ولَمْ يُقْسِمْ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ. قالَ الثَّعْلَبِيُّ: والصَّحِيحُ أنَّهُ أقْسَمَ بِهِما جَمِيعًا، ومَعْنى النَّفْسُ اللَّوّامَةُ: النَّفْسُ الَّتِي تَلُومُ صاحِبَها عَلى تَقْصِيرِهِ، أوْ تَلُومُ جَمِيعَ النُّفُوسِ عَلى تَقْصِيرِها. قالَ الحَسَنُ: هي واللَّهِ نَفْسُ المُؤْمِنِ، لا يُرى المُؤْمِنَ إلّا يَلُومُ نَفْسَهُ ما أرَدْتُ بِكَذا ما أرَدْتُ بِكَذا، والفاجِرُ لا يُعاتِبُ نَفْسَهُ. قالَ مُجاهِدٌ: هي الَّتِي تَلُومُ عَلى ما فاتَ وتَنَدَمُ، فَتَلُومُ نَفْسَها عَلى الشَّرِّ لِمَ تَعْمَلُهُ ؟ وعَلى الخَيْرِ لِمَ لَمْ تَسْتَكْثِرُ مِنهُ ؟ قالَ الفَرّاءُ: لَيْسَ مِن نَفْسٍ بَرَّةٍ ولا فاجِرَةٍ إلّا وهي تَلُومُ نَفْسَها، إنْ كانَتْ عَمِلَتْ خَيْرًا قالَتْ: هَلّا ازْدَدْتُ، وإنْ كانَتْ عَمِلَتْ سُوءًا قالَتْ: لَيْتَنِي لَمْ أفْعَلْ. وعَلى هَذا فالكَلامُ خارِجٌ مَخْرَجَ المَدْحِ لِلنَّفْسِ، فَيَكُونُ الإقْسامُ بِها حَسَنًا سائِغًا. وقِيلَ اللَّوّامَةُ هي المَلُومَةُ المَذْمُومَةُ، فَهي صِفَةُ ذَمٍّ، وبِهَذا احْتَجَّ مَن نَفى أنْ يَكُونَ قَسَمًا، إذْ لَيْسَ لِنَفْسِ العاصِي خَطَرٌ يُقْسِمُ بِهِ. قالَ مُقاتِلٌ: هي نَفْسُ الكافِرِ يَلُومُ نَفْسَهُ ويَتَحَسَّرُ في الآخِرَةِ عَلى ما فَرَّطَ في جَنْبِ اللَّهِ، والأوَّلُ أوْلى. ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ ألَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ﴾ المُرادُ بِالإنْسانِ الجِنْسُ، وقِيلَ الإنْسانُ الكافِرُ، والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ، وأنْ هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، واسْمُها ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٍ، والمَعْنى: أيَحْسَبُ الإنْسانُ أنَّ الشَّأْنَ أنْ لَنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَعْدَ أنْ صارَتْ رُفاتًا، فَنُعِيدُها خَلْقًا جَدِيدًا، وذَلِكَ حُسْبانٌ باطِلٌ، فَإنّا نَجْمَعُها، وما يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذا الكَلامُ هو جَوابُ القَسَمِ. قالَ الزَّجّاجُ: أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ وبِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ لَيَجْمَعَنَّ العِظامَ لِلْبَعْثِ، فَهَذا جَوابُ القَسَمِ. وقالَ النَّحّاسُ: جَوابُ القَسَمِ مَحْذُوفٌ: أيْ لَيَبْعَثَنَّ، والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يَبْعَثُ جَمِيعَ أجْزاءِ الإنْسانِ، وإنَّما خَصَّ العِظامَ لِأنَّها قالَبُ الخَلْقِ. ﴿بَلى قادِرِينَ عَلى أنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ﴾ بَلى إيجابٌ لِما بَعْدَ النَّفْيِ المُنْسَحِبُ إلَيْهِ الِاسْتِفْهامُ، والوَقْفُ عَلى هَذا اللَّفْظِ وقْفٌ حَسَنٌ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ الكَلامَ بِقَوْلِهِ قادِرِينَ وانْتِصابُ قادِرِينَ عَلى الحالِ أيْ: بَلى نَجْمَعُها قادِرِينَ، فالحالُ مِن ضَمِيرِ الفِعْلِ المُقَدَّرِ، وقِيلَ المَعْنى: بَلى نَجْمَعُها نُقَدِّرُ قادِرِينَ. قالَ الفَرّاءُ: أيْ نَقْدِرُ، ونَقْوى قادِرِينَ عَلى أكْثَرِ مِن ذَلِكَ. وقالَ أيْضًا: إنَّهُ يَصْلُحُ نَصْبُهُ عَلى التَّكْرِيرِ: أيْ بَلى فَلْيَحْسَبْنا قادِرِينَ. وقِيلَ التَّقْدِيرُ: بَلى كُنّا قادِرِينَ. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ " بَلى قادِرُونَ " عَلى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ: أيْ بَلى نَحْنُ قادِرُونَ، ومَعْنى ﴿عَلى أنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ﴾ عَلى أنْ نَجْمَعَ بَعْضَها إلى بَعْضٍ، فَنَرُدَّها كَما كانَتْ مَعَ لَطافَتِها وصِغَرِها، فَكَيْفَ بِكِبارِ الأعْضاءِ ؟ فَنَبَّهَ سُبْحانَهُ بِالبَنانِ، وهي الأصابِعُ عَلى بَقِيَّةِ الأعْضاءِ، وأنَّ الِاقْتِدارَ عَلى بَعْثِها وإرْجاعِها كَما كانَتْ أوْلى في القُدْرَةِ مِن إرْجاعِ الأصابِعِ الصَّغِيرَةِ اللَّطِيفَةِ المُشْتَمِلَةِ عَلى المَفاصِلِ والأظافِرِ والعُرُوقِ اللِّطافِ والعِظامِ الدِّقاقِ، فَهَذا وجْهُ تَخْصِيصِها بِالذِّكْرِ، وبِهَذا قالَ الزَّجّاجُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. وقالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: إنَّ مَعْنى الآيَةِ أنْ نَجْعَلَ أصابِعَ يَدَيْهِ ورَجْلَيْهِ شَيْئًا واحِدًا كَخُفِّ البَعِيرِ وحافِرِ الحِمارِ صَفِيحَةً واحِدَةً لا شُقُوقَ فِيها، فَلا يَقْدِرُ عَلى أنْ يَنْتَفِعَ بِها في الأعْمالِ اللَّطِيفَةِ كالكِتابَةِ والخِياطَةِ ونَحْوِهِما، ولَكِنّا فَرَّقْنا أصابِعَهُ لِيَنْتَفِعَ بِها. وقِيلَ المَعْنى: بَلْ نَقْدِرُ عَلى أنْ نُعِيدَ الإنْسانَ في هَيْئَةِ البَهائِمِ، فَكَيْفَ في صُورَتِهِ الَّتِي كانَ عَلَيْها، والأوَّلُ أوْلى، ومِنهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ: ؎وإنَّ المَوْتَ طَوْعُ يَدِي إذا ما ∗∗∗ وصَلْتُ بَنانَها بِالهِنْدَوانِ فَنَبَّهَ بِالبَنانِ عَلى بَقِيَّةِ الأعْضاءِ. ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ هو عَطْفٌ عَلى أيَحْسَبُ إمّا عَلى أنَّهُ اسْتِفْهامٌ مِثْلُهُ وأضْرَبَ عَنِ التَّوْبِيخِ بِذَلِكَ إلى التَّوْبِيخِ بِهَذا، أوْ عَلى أنَّهُ إيجابٌ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنَ الِاسْتِفْهامِ. والمَعْنى: بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ أنْ يُقَدِّمَ فَجَوْرَهُ فِيما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الأوْقاتِ، وما يَسْتَقْبِلُهُ مِنَ الزَّمانِ، فَيُقَدِّمُ الذَّنْبَ ويُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: يُرِيدُ أنْ يَفْجُرَ ما امْتَدَّ عُمْرُهُ، ولَيْسَ في نِيَّتِهِ أنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَنْبٍ (p-١٥٥٨)يَرْتَكِبُهُ. قالَ مُجاهِدٌ، والحَسَنُ، وعِكْرِمَةُ، والسُّدِّيُّ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَقُولُ: سَوْفَ أتُوبُ ولا يَتُوبُ حَتّى يَأْتِيَهُ المَوْتُ وهو عَلى أشَرِّ أحْوالِهِ. قالَ الضَّحّاكُ: هو الأمَلُ، يَقُولُ سَوْفَ أعِيشُ وأُصِيبُ مِنَ الدُّنْيا، ولا يَذْكُرُ المَوْتَ، والفُجُورُ: أصْلُهُ المَيْلُ عَنِ الحَقِّ، فَيُصَدِّقُ عَلى كُلِّ مَن مالَ عَنِ الحَقِّ بِقَوْلٍ أوْ فِعْلٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أقْسَمَ بِاللَّهِ أبُو حَفْصٍ عُمَرْ ؎ما مَسَّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ ∗∗∗ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إنْ كانَ فَجَرْ وجُمْلَةُ ﴿يَسْألُ أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ مَعْنى يَفْجُرُ، والمَعْنى: يَسْألُ مَتى يَوْمُ القِيامَةِ سُؤالَ اسْتِبْعادٍ واسْتِهْزاءٍ. ﴿فَإذا بَرِقَ البَصَرُ﴾ أيْ فَزِعَ وتَحَيَّرَ مَن بَرَقَ الرَّجُلُ: إذا نَظَرَ إلى البَرْقِ فَدُهِشَ بَصَرُهُ. قَرَأ الجُمْهُورُ بَرِقَ بِكَسْرِ الرّاءِ. قالَ أبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ، والزَّجّاجُ وغَيْرُهُما: المَعْنى تَحَيَّرَ فَلَمْ يَطْرِفْ، ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: ؎ولَوْ أنَّ لُقْمانَ الحَكِيمَ تَعَرَّضَتْ ∗∗∗ لِعَيْنَيْهِ مَيٌّ سافِرًا كادَ يَبْرَقُ وقالَ الخَلِيلُ والفَرّاءُ: بَرِقَ بِالكَسْرِ: فَزِعَ وبَهِتَ وتَحَيَّرَ، والعَرَبُ تَقُولُ لِلْإنْسانِ المَبْهُوتِ: قَدْ بَرِقَ فَهو بارِقٌ، وأنْشَدَ الفَرّاءُ: ؎ونَفْسَكَ فانْعَ ولا تَنْعَنِي ∗∗∗ وداوِ الكُلُومَ ولا تَبْرَقِ أيْ لا تَفْزَعْ مِن كَثْرَةِ الكُلُومِ الَّتِي بِكَ. وقَرَأ نافِعٌ، وأبانٌ عَنْ عاصِمٍ " بَرَقَ " بِفَتْحِ الرّاءِ: أيْ لَمَعَ بَصَرُهُ مِن شِدَّةِ شُخُوصِهِ لِلْمَوْتِ. قالَ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ: هَذا عِنْدَ المَوْتِ، وقِيلَ بَرَقَ يَبْرَقُ شَقَّ عَيْنَيْهِ وفَتْحَهُما. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: فَتْحُ الرّاءِ وكَسْرُها لُغَتانِ بِمَعْنًى. ﴿وخَسَفَ القَمَرُ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ خَسَفَ بِفَتْحِ الخاءِ والسِّينِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. وقَرَأ ابْنِ أبِي إسْحاقَ، وعِيسى، والأعْرَجُ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وأبُو حَيْوَةَ بِضَمِّ الخاءِ وكَسْرِ السِّينِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، ومَعْنى خَسَفَ القَمَرُ: ذَهَبَ ضَوْؤُهُ ولا يَعُودُ كَما يَعُودُ إذا خَسَفَ في الدُّنْيا، ويُقالُ خَسَفَ: إذا ذَهَبَ جَمِيعُ ضَوْئِهِ، وكَسَفَ: إذا ذَهَبَ بَعْضُ ضَوْئِهِ. ﴿وجُمِعَ الشَّمْسُ والقَمَرُ﴾ أيْ ذَهَبَ ضَوْؤُهُما جَمِيعًا، ولَمْ يَقُلْ جُمِعَتْ لِأنَّ التَّأْنِيثَ مَجازِيٌّ. قالَهُ المُبَرِّدُ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هو لِتَغْلِيبِ المُذَكَّرِ عَلى المُؤَنَّثِ. وقالَ الكِسائِيُّ: حُمِلَ عَلى مَعْنى جَمْعِ النَّيِّرانَ. وقالَ الزَّجّاجُ، والفَرّاءُ: ولَمْ يَقُلْ جُمِعَتْ لِأنَّ المَعْنى بَيْنَهُما في ذَهابِ نُورِهِما، وقِيلَ: جَمَعَ بَيْنَهُما في طُلُوعِهِما مِنَ الغَرْبِ أسْوَدَيْنِ مُكَوَّرَيْنِ مُظْلِمَيْنِ. قالَ عَطاءٌ: يَجْمَعُ بَيْنَهُما يَوْمَ القِيامَةِ ثُمَّ يُقْذَفانِ في البَحْرِ فَيُكَوِّنانِ نارَ اللَّهِ الكُبْرى. وقِيلَ: تُجْمَعُ الشَّمْسُ والقَمَرُ فَلا يَكُونُ هُناكَ تَعاقُبُ لَيْلٍ ونَهارٍ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ " وجُمِعَ بَيْنَ الشَّمْسِ والقَمَرِ " . ﴿يَقُولُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ أيْنَ المَفَرُّ﴾ أيْ يَقُولُ عِنْدَ وُقُوعِ هَذِهِ الأُمُورِ أيْنَ المَفَرُّ: أيِ الفِرارُ، والمَفَرُّ مَصْدَرٌ بِمَعْنى الفِرارِ. قالَ الفَرّاءُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الفِرارِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أيْنَ المَفَرُّ والكِباشُ تَنْتَطِحُ ∗∗∗ وكُلُّ كَبْشٍ فَرَّ مِنها يَفْتَضِحُ قالَ الماوَرْدِيُّ: يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما أيْنَ المَفَرُّ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ اسْتِحْياءً مِنهُ. والثّانِي أيْنَ المَفَرُّ مِن جَهَنَّمَ حَذَرًا مِنها. قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿أيْنَ المَفَرُّ﴾ بِفَتْحِ المِيمِ والفاءِ مَصْدَرًا كَما تَقَدَّمَ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ بِفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِ الفاءِ عَلى أنَّهُ اسْمُ مَكانٍ: أيْ أيْنَ مَكانُ الفِرارِ. وقالَ الكِسائِيُّ: هُما لُغَتانِ مِثْلَ مَدَبٌّ ومِدَبٌّ ومَصَحٌّ ومِصَحٌّ، وقَرَأ الزُّهْرِيُّ بِكَسْرِ المِيمِ وفَتْحِ الفاءِ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ الإنْسانُ الجَيِّدُ الفِرارِ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ: ؎مِكَرٌّ مِفَرٌّ مُقْبِلٌ مُدْبِرٌ مَعًا كَجُلْمُودِ ∗∗∗ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِن عَلِ أيْ جَيِّدُ الفَرِّ والكَرِّ. ﴿كَلّا لا وزَرَ﴾ أيْ لا جَبَلَ ولا حِصْنَ ولا مَلْجَأ مِنَ اللَّهِ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: لا مَحِيصَ ولا مَنَعَةَ. والوَزَرُ في اللُّغَةِ: ما يَلْجَأُ إلَيْهِ الإنْسانُ مِن حِصْنٍ، أوْ جَبَلٍ أوْ غَيْرِهِما، ومِنهُ قَوْلُ طَرَفَةَ: ؎ولَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أنَّنا ∗∗∗ فاضِلُوا الرَّأْيِ وفي الرَّوْعِ وزَرْ وقالَ آخَرُ: ؎لَعَمْرِي ما لِلْفَتى مِن وزَرْ ∗∗∗ مِنَ المَوْتِ يُدْرِكُ والكِبَرْ قالَ السُّدِّيُّ: كانُوا إذا فَزِعُوا في الدُّنْيا تَحَصَّنُوا بِالجِبالِ، فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ: لا وزَرَ يَعْصِمُكم مِنِّي يَوْمَئِذٍ، و( كَلّا ) لِلرَّدْعِ، أوْ لِنَفْيِ ما قَبْلَها، أوْ بِمَعْنى حَقًّا. ﴿إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرُّ﴾ أيِ المَرْجِعُ والمُنْتَهى والمَصِيرُ لا إلى غَيْرِهِ، وقِيلَ إلَيْهِ الحُكْمُ بَيْنَ العِبادِ لا إلى غَيْرِهِ، وقِيلَ المُسْتَقَرُّ: الِاسْتِقْرارُ حَيْثُ يُقِرُّهُ اللَّهُ. ﴿يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأخَّرَ﴾ أيْ يُخْبِرُ يَوْمَ القِيامَةِ بِما عَمِلَ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. وقالَ قَتادَةُ: بِما عَمِلَ مِن طاعَةٍ، وما أخَّرَ مِن طاعَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْ بِها. وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: بِما قَدَّمَ مِن أمْوالِهِ وما خَلَّفَ لِلْوَرَثَةِ. وقالَ مُجاهِدٌ: بِأوَّلِ عَمَلِهِ وآخِرِهِ. وقالَ الضَّحّاكُ: بِما قَدَّمَ مِن فَرْضٍ وأخَّرَ مِن فَرْضٍ. قالَ القُشَيْرِيُّ: هَذا الإنْباءُ يَكُونُ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ وزْنِ الأعْمالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عِنْدَ المَوْتِ. قالَ القُرْطُبِيُّ: والأوَّلُ أظْهَرَ. ﴿بَلِ الإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ ارْتِفاعُ ( بَصِيرَةٌ ) عَلى أنَّها خَبَرُ الإنْسانِ، ( عَلى نَفْسِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ ( بَصِيرَةٌ ) . قالَ الأخْفَشُ: جَعَلَهُ هو البَصِيرَةُ كَما تَقُولُ لِلرَّجُلِ: أنْتَ حُجَّةٌ عَلى نَفْسِكَ، وقِيلَ المَعْنى: إنَّ جَوارِحَهُ تَشْهَدُ عَلَيْهِ بِما عَمِلَ كَما في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهم وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤] وأنْشَدَ الفَرّاءُ: ؎كَأنَّ عَلى ذِي العَقْلِ عَيْنًا بَصِيرَةً ∗∗∗ بِمَقْعَدِهِ أوْ مَنظَرٌ هو ناظِرٌ فَيَكُونُ المَعْنى: بَلْ جَوارِحُ الإنْسانِ عَلَيْهِ شاهِدَةٌ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ، والقُتَيْبِيُّ: إنَّ هَذِهِ الهاءَ في بَصِيرَةٍ هي الَّتِي يُسَمِّيها أهْلُ الإعْرابِ هاءَ المُبالَغَةِ كَما في قَوْلِهِمْ: عَلّامَةٌ. وقِيلَ المُرادُ بِالبَصِيرَةِ الكاتِبانِ اللَّذانِ يَكْتُبانِ ما يَكُونُ مِنهُ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ، والتّاءُ عَلى هَذا لِلتَّأْنِيثِ. وقالَ الحَسَنُ: أيْ بَصِيرٌ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ. ﴿ولَوْ ألْقى مَعاذِيرَهُ﴾ أيْ ولَوِ اعْتَذَرَ وجادَلَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ. يُقالُ مَعْذِرَةٌ ومَعاذِيرٌ. قالَ الفَرّاءُ: أيْ وإنِ اعْتَذَرَ فَعَلَيْهِ مَن يُكَذِّبُ عُذْرَهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: المَعاذِيرُ: (p-١٥٥٩)السُّتُورُ، والواحِدُ مِعْذارٌ: أيْ وإنْ أرْخى السُّتُورَ يُرِيدُ أنْ يُخْفِيَ نَفْسَهُ فَنَفْسُهُ شاهِدَةٌ عَلَيْهِ، كَذا قالَ الضَّحّاكُ، والسُّدِّيُّ: والسِّتْرُ بِلُغَةِ اليَمَنِ يُقالُ لَهُ مِعْذارٌ، كَذا قالَ المُبَرِّدُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ولَكِنَّها ضَنَّتْ بِمَنزِلٍ ساعَةً عَلَيْنا ∗∗∗ وأطَّتْ يَوْمَها بِالمَعاذِرِ والأوَّلُ أوْلى، وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وابْنُ زَيْدٍ، وأبُو العالِيَةِ، ومُقاتِلٌ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهم﴾ [غافر: ٥٢] وقَوْلُهُ: ﴿ولا يُؤْذَنُ لَهم فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٦] وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎فَما حَسَنٌ أنْ يَعْذِرَ المَرْءُ نَفْسَهُ ∗∗∗ ولَيْسَ لَهُ مِن سائِرِ النّاسِ عاذِرُ ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ ولِسانَهُ بِالقُرْآنِ إذا أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَبْلَ فَراغِ جِبْرِيلَ مِن قِراءَةِ الوَحْيِ حِرْصًا عَلى أنْ يَحْفَظَهُ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: أيْ لا تُحَرِّكْ بِالقُرْآنِ لِسانَكَ عِنْدَ إلْقاءِ الوَحْيِ لِتَأْخُذَهُ عَلى عَجَلٍ مَخافَةَ أنْ يَتَفَلَّتَ مِنكَ، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ: ﴿ولا تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ مِن قَبْلِ أنْ يُقْضى إلَيْكَ وحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] الآيَةَ. ﴿إنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ﴾ في صَدْرِكَ حَتّى لا يَذْهَبَ عَلَيْكَ مِنهُ شَيْءٌ وقُرْآنُهُ أيْ إثْباتُ قِراءَتِهِ في لِسانِكَ. قالَ الفَرّاءُ: القِراءَةُ والقُرْآنُ مَصْدَرانِ. وقالَ قَتادَةُ فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ: أيْ شَرائِعَهُ وأحْكامَهُ. ﴿فَإذا قَرَأْناهُ﴾ أيْ أتْمَمْنا قِراءَتَهُ عَلَيْكَ بِلِسانِ جِبْرِيلَ ﴿فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ أيْ قِراءَتَهُ. ﴿ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ﴾ أيْ تَفْسِيرَ ما فِيهِ مِنَ الحَلالِ والحَرامِ وبَيانَ ما أشْكَلَ مِنهُ. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى عَلَيْنا أنْ نُنْزِلَهُ عَلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا فِيهِ بَيانٌ لِلنّاسِ. وقِيلَ المَعْنى: إنَّ عَلَيْنا أنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسانِكَ. ﴿كَلّا بَلْ تُحِبُّونَ العاجِلَةَ﴾ ( كَلّا ) لِلرَّدْعِ عَنِ العَجَلَةِ والتَّرْغِيبِ في الأناةِ، وقِيلَ هي رَدْعٌ لِمَن لا يُؤْمِنُ بِالقُرْآنِ وبِكَوْنِهِ بَيِّنًا مِنَ الكُفّارِ. قالَ عَطاءٌ: أيْ لا يُؤْمِنُ أبُو جَهْلٍ بِالقُرْآنِ وبَيانِهِ. قَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ والكُوفِيُّونَ ﴿بَلْ تُحِبُّونَ﴾ وتَذَرُونَ بِالفَوْقِيَّةِ في الفِعْلَيْنِ جَمِيعًا. وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ فِيهِما، فَعَلى القِراءَةِ الأُولى يَكُونُ الخِطابُ لَهم تَقْرِيعًا وتَوْبِيخًا، وعَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ يَكُونُ الكَلامُ عائِدًا إلى الإنْسانِ لِأنَّهُ بِمَعْنى النّاسِ، والمَعْنى: تُحِبُّونَ الدُّنْيا وتَتْرُكُونَ الآخِرَةَ، فَلا تَعْمَلُونَ لَها. ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ أيْ ناعِمَةٌ غَضَّةٌ حَسَنَةٌ، يُقالُ: شَجَرٌ ناضِرٌ ورَوْضٌ ناضِرٌ: أيْ حَسَنٌ ناعِمٌ، ونَضارَةُ العَيْشِ حُسْنُهُ وبَهْجَتُهُ. قالَ الواحِدِيُّ: والمُفَسِّرُونَ: يَقُولُونَ مُضِيئَةٌ مُفَسَّرَةٌ مُشْرِقَةٌ. ﴿إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ هَذا مِنَ النَّظَرِ: أيْ إلى خالِقِها ومالِكِ أمْرِها، ناظِرَةٌ: أيْ تَنْظُرُ إلَيْهِ، هَكَذا قالَ جُمْهُورُ أهْلِ العِلْمِ، والمُرادُ بِهِ ما تَواتَرَتْ بِهِ الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِن أنَّ العِبادَ يَنْظُرُونَ رَبَّهم يَوْمَ القِيامَةِ كَما يَنْظُرُونَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا بِحَمْدِ اللَّهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الصَّحابَةِ والتّابِعَيْنِ وسَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ كَما هو مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أئِمَّةِ الإسْلامِ وهُداةِ الأنامِ. وقالَ مُجاهِدٌ: إنَّ النَّظَرَ هُنا انْتِظارُ ما لَهم عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوابِ، ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ. وقِيلَ لا يَصِحُّ هَذا إلّا عَنْ مُجاهِدٍ وحْدَهُ. وإنَّ قَوْلَ القائِلِ: نَظَرْتُ إلى فُلانٍ لَيْسَ إلّا رُؤْيَةَ عَيْنٍ، إذا أرادُوا الِانْتِظارَ قالُوا: نَظَرْتُهُ كَما في قَوْلِ الشّاعِرِ: ؎فَإنَّكُما إنْ تُنْظُرانِيَ ساعَةً مِنَ ∗∗∗ الدَّهْرِ تَنْفَعْنِي لَدى أُمِّ جُنْدَبِ فَإذا أرادُوا نَظَرَ العَيْنِ قالُوا: نَظَرْتُ إلَيْهِ كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎نَظَرْتُ إلَيْها والنُّجُومُ كَأنَّها ∗∗∗ مَصابِيحُ رُهْبانٍ تَشِبُّ لِفَعّالِ وقَوْلُ الآخَرِ: ؎إنِّي إلَيْكِ لَمّا وعَدْتِ لَناظِرُ ∗∗∗ نَظَرَ الفَقِيرِ إلى الغَنِيِّ المُوسِرِ أيْ أنْظُرُ إلَيْكَ نَظَرَ ذُلٍّ كَما يَنْظُرُ الفَقِيرُ إلى الغَنِيِّ، وأشْعارُ العَرَبِ وكَلِماتُهم في هَذا كَثِيرَةٌ جِدًّا. و( وُجُوهٌ ) مُبْتَدَأٌ، وجازَ الِابْتِداءُ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ نَكِرَةً لِأنَّ المَقامَ مَقامُ تَفْصِيلٍ، و( ناضِرَةٌ ) صِفَةٌ لِوُجُوهٍ، و( يَوْمَئِذٍ ) ظَرْفٌ لِناضِرَةٍ، ولَوْ لَمْ يَكُنِ المَقامُ مَقامُ تَفْصِيلٍ لَكانَ وصْفُ النَّكِرَةِ بِقَوْلِهِ: ناضِرَةٌ مُسَوِّغًا لِلِابْتِداءِ بِها، ولَكِنْ مَقامُ التَّفْصِيلِ بِمَجَرَّدِهِ مُسَوِّغٌ لِلِابْتِداءِ بِالنَّكِرَةِ. ﴿ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ﴾ أيْ كالِحَةٌ عابِسَةٌ كَئِيبَةٌ. قالَ في الصِّحاحِ: بَسَرَ الرَّجُلُ وجْهَهُ بُسُورًا: أيْ كَلَحَ. قالَ السُّدِّيُّ: باسِرَةٌ: أيْ مُتَغَيِّرَةٌ، وقِيلَ مُصْفَرَّةٌ، والمُرادُ بِالوُجُوهِ هُنا وجُوهُ الكُفّارِ. ﴿تَظُنُّ أنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ﴾ الفاقِرَةُ: الدّاهِيَةُ العَظِيمَةُ، يُقالُ فَقَرْتُهُ الفاقِرَةُ: أيْ كَسَرَتْ فَقارَ ظَهْرِهِ. قالَ قَتادَةُ: الفاقِرَةُ الشَّرُّ، وقالَ السُّدِّيُّ: الهَلاكُ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: دُخُولُ النّارِ. وأصِلُ الفاقِرَةِ: الوَشْمُ عَلى أنْفِ البَعِيرِ بِحَدِيدَةٍ أوْ نارٍ حَتّى تَخْلُصَ إلى العَظْمِ، كَذا قالَ الأصْمَعِيُّ، ومِن هَذا قَوْلُهم: قَدْ عَمِلَ بِهِ الفاقِرَةَ. قالَ النّابِغَةُ: ؎أبا لِي قَبْرٌ لا يَزالُ مُقابِلِي ∗∗∗ وضَرْبَةُ فَأْسٍ فَوْقَ رَأْسِي فاقِرَهْ وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: سَألَتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ قالَ: يُقْسِمُ رَبُّكَ بِما شاءَ مِن خَلْقِهِ، قُلْتُ: ﴿ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ﴾ قالَ النَّفْسُ اللَّؤُومُ، قُلْتُ: ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ ألَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ﴾ ﴿بَلى قادِرِينَ عَلى أنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ﴾ قالَ: لَوْ شاءَ لِجَعَلَهُ خُفًّا أوْ حافِرًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ اللَّوّامَةُ قالَ: المَذْمُومَةُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: الَّتِي تَلُومُ عَلى الخَيْرِ والشَّرِّ تَقُولُ: لَوْ فَعَلْتُ كَذا وكَذا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: تَنْدَمُ عَلى ما فاتَ وتَلُومُ عَلَيْهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ قالَ: يَمْضِي قُدُمًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: هو الكافِرُ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالحِسابِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: يَعْنِي الأمَلَ يَقُولُ: أعْمَلُ ثُمَّ أتُوبُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في ذَمِّ الأمَلِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: يُقَدِّمُ الذَّنْبَ ويُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ (p-١٥٦٠)والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ أيْضًا ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنْسانُ لِيَفْجُرَ أمامَهُ﴾ يَقُولُ: سَوْفَ أتُوبُ ﴿يَسْألُ أيّانَ يَوْمُ القِيامَةِ﴾ قالَ: يَقُولُ مَتى يَوْمَ القِيامَةِ، قالَ فَبَيَّنَ لَهُ إذا بَرِقَ البَصَرُ وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ إذا بَرِقَ البَصَرُ يَعْنِي المَوْتُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿لا وزَرَ﴾ قالَ: لا حِصْنَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فَيَقُولُهُ: ﴿لا وزَرَ﴾ قالَ: لا حِصْنَ ولا مَلْجَأ، وفي لَفْظٍ: لا حِرْزَ، وفي لَفْظٍ: لا جَبَلَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأخَّرَ﴾ قالَ: بِما قَدَّمَ مِن عَمَلٍ، وأخَّرَ مِن سُنَّةٍ عَمِلَ بِها مَن بَعْدَهُ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: بِما قَدَّمَ مِنَ المَعْصِيَةِ وأخَّرَ مِنَ الطّاعَةِ فَيُنَبَّأُ بِذَلِكَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ مِن طُرُقٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿بَلِ الإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ قالَ: شَهِدَ عَلى نَفْسِهِ وحْدَهُ ﴿ولَوْ ألْقى مَعاذِيرَهُ﴾ قالَ: ولَوِ اعْتَذَرَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ﴿بَلِ الإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ قالَ: سَمْعِهِ وبَصَرِهِ ويَدَيْهِ ورَجْلَيْهِ وجَوارِحِهِ ﴿ولَوْ ألْقى مَعاذِيرَهُ﴾ قالَ: ولَوْ تَجَرَّدَ مِن ثِيابِهِ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، فَكانَ يُحَرِّكُ بِهِ لِسانَهُ وشَفَتَيْهِ مَخافَةَ أنْ يَتَفَلَّتَ مِنهُ يُرِيدُ أنْ يَحْفَظَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ ﴿إنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ﴾ قالَ: يَقُولُ إنَّ عَلَيْنا أنْ نَجْمَعَهُ في صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَأهُ ﴿فَإذا قَرَأْناهُ﴾ يَقُولُ: إذا أنْزَلْناهُ عَلَيْكَ ﴿فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ فاسْتَمَعْ لَهُ وأنْصِتْ ﴿ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ﴾ أنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسانِكَ، وفي لَفْظٍ: عَلَيْنا أنْ نَقْرَأهُ، فَكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ إذا أتاهُ جِبْرِيلُ أطْرَقَ - وفي لَفْظٍ: اسْتَمِعْ - فَإذا ذَهَبَ قَرَأهُ كَما وعَدَهُ اللَّهُ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ﴿فَإذا قَرَأْناهُ﴾ قالَ: بَيَّنّاهُ ﴿فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ يَقُولُ: اعْمَلْ بِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿كَلّا بَلْ تُحِبُّونَ العاجِلَةَ﴾ قالَ: عُجِّلَتْ لَهُمُ الدُّنْيا شَرُّها وخَيْرُها وغُيِّبَتِ الآخِرَةُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ قالَ: ناعِمَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، والآجُرِّيُّ في الشَّرِيعَةِ واللَّكائِيُّ في السُّنَّةِ والبَيْهَقِيُّ في الرُّؤْيَةِ عَنْهُ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ قالَ: يَعْنِي حُسْنَها ﴿إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ قالَ: نَظَرَتْ إلى الخالِقِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا ﴿إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ قالَ تَنْظُرُ إلى وجْهِ رَبِّها. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ ﴿إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ قالَ: يَنْظُرُونَ إلى رَبِّهِمْ بِلا كَيْفِيَّةٍ ولا حَدٍّ مَحْدُودٍ ولا صِفَةٍ مَعْلُومَةً» وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قالَ النّاسُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرى رَبَّنا يَوْمَ القِيامَةِ ؟ قالَ: هَلْ تُضارُّونَ في الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَها سَحابٌ ؟ قالُوا: لا يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: فَهَلْ تُضارُّونَ في القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحابٌ ؟ قالُوا: لا يا رَسُولَ اللَّهِ. قالَ: فَإنَّكم تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كَذَلِكَ» . وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وغَيْرُهُما مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ. وقَدْ قَدَّمْنا أنَّ أحادِيثَ الرُّؤْيَةِ مُتَواتِرَةٌ فَلا نُطِيلُ بِذِكْرِها، وهي تَأْتِي في مُصَنَّفٍ مُسْتَقِلٍّ، ولَمْ يَتَمَسَّكْ مَن نَفاها واسْتَبْعَدَها بِشَيْءٍ يَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ لا مِن كِتابِ اللَّهِ ولا مِن سُنَّةِ رَسُولِهِ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والطَّبَرانِيُّ، والدّارَقُطْنِيُّ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إنَّ أدْنى أهْلِ الجَنَّةِ مَنزِلَةً لَمَن يُنْظَرُ إلى جِنانِهِ وأزْواجِهِ ونَعِيمِهِ وخَدَمِهِ وسُرُرِهِ مَسِيرَةَ ألْفِ سَنَةٍ، وأكْرَمُهم عَلى اللَّهِ مَن يَنْظُرُ إلى وجْهِهِ غَدْوَةً وعَشِيَّةً، ثُمَّ قَرَأ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ ﴿إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾» وأخْرَجَ أحْمَدُ في المُسْنَدِ مِن حَدِيثِهِ بِلَفْظِ «إنَّ أفْضَلَهم مَنزِلَةً لَيَنْظُرُ في وجْهِ اللَّهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» . وأخْرَجَ النَّسائِيُّ، والدّارَقُطْنِيُّ وصَحَّحَهُ وأبُو نُعَيْمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرى رَبَّنا، قالَ: هَلْ تَرَوْنَ الشَّمْسَ في يَوْمٍ لا غَيْمَ فِيهِ، وتَرَوْنَ القَمَرَ في لَيْلَةٍ لا غَيْمَ فِيها ؟ قُلْنا نَعَمْ، قالَ: فَإنَّكم سَتَرَوْنَ رَبَّكم عَزَّ وجَلَّ، حَتّى إنَّ أحَدَكم لِيُحاضِرُ رَبَّهُ مُحاضَرَةً، فَيَقُولُ: عَبْدِي هَلْ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذا وكَذا ؟ فَيَقُولُ: ألَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ: بِمَغْفِرَتِي صِرْتَ إلى هَذا» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب