الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ولُوطًا مَعْطُوفٌ عَلى ما سَبَقَ: أيْ وأرْسَلْنا لُوطًا أوْ مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ: أيْ واذْكُرْ لُوطًا وقْتَ قالَ لِقَوْمِهِ.
قالَ الفَرّاءُ: لُوطٌ مُشْتَقٌّ مِن قَوْلِهِمْ: هَذا أُلِيطَ بِقَلْبِي: أيْ أُلْصِقَ.
قالَ الزَّجّاجُ: زَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أنَّ لُوطًا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِن لُطْتُ الحَوْضَ إذا مَلَّسْتُهُ بِالطِّينِ، وهَذا غَلَطٌ، لِأنَّ الأسْماءَ الأعْجَمِيَّةَ لا تُشْتَقُّ.
وقالَ سِيبَوَيْهِ: نُوحٌ ولُوطٌ أسْماءٌ أعْجَمِيَّةٌ إلّا أنَّها خَفِيفَةٌ، فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ، ولُوطٌ هو ابْنُ هارانَ بْنِ تارِخٍ، فَهو ابْنُ أخِي إبْراهِيمَ، بَعَثَهُ اللَّهُ إلى أُمَّةٍ تُسَمّى سَدُومَ.
أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ أيِ الخَصْلَةُ الفاحِشَةُ المُتَمادِيَةُ في الفُحْشِ والقُبْحِ، قالَ: ذَلِكَ إنْكارًا عَلَيْهِمْ وتَوْبِيخًا لَهم ﴿ما سَبَقَكم بِها مِن أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ﴾ أيْ لَمْ يَفْعَلْها أحَدٌ قَبْلَكم، فَإنَّ اللِّواطَ لَمْ يَكُنْ في أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ، و" مِن " مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ لِلْعُمُومِ في النَّفْيِ، وإنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ لِما دَخَلَ عَلَيْهِ، والجُمْلَةُ مَسُوقَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ والتَّوْبِيخِ لَهم.
قَوْلُهُ: ﴿إنَّكم لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً﴾ قَرَأ نافِعٌ وحَفْصٌ عَلى الخَبَرِ بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ مَكْسُورَةٍ.
وقَرَأ الباقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلى الِاسْتِفْهامِ المُقْتَضِي لِلتَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ، واخْتارَ القِراءَةَ الأُولى اَبُو عُبَيْدٍ والكِسائِيُّ وغَيْرُهُما،، واخْتارَ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ القِراءَةَ الثّانِيَةَ، فَعَلى القِراءَةِ الأُولى تَكُونُ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُبَيِّنَةً لِقَوْلِهِ: ﴿أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ﴾ وكَذَلِكَ عَلى القِراءَةِ الثّانِيَةِ مَعَ مَزِيدِ الِاسْتِفْهامِ وتَكْرِيرِهِ المُفِيدِ لِلْمُبالَغَةِ في التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ، وانْتِصابُ " شَهْوَةً " عَلى المَصْدَرِيَّةِ: أيْ تَشْتَهُونَهم شَهْوَةً، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا في مَوْضِعِ الحالِ: أيْ مُشْتَهِينَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ: أيْ لِأجْلِ الشَّهْوَةِ، وفِيهِ أنَّهُ لا غَرَضَ لَهم بِإتْيانِ هَذِهِ الفاحِشَةِ إلّا مُجَرَّدُ قَضاءِ الشَّهْوَةِ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهم في ذَلِكَ غَرَضٌ يُوافِقُ العَقْلَ، فَهم في هَذا كالبَهائِمِ الَّتِي يَنْزُو بَعْضُها عَلى بَعْضٍ لِما يَتَقاضاها مِنَ الشَّهْوَةِ ﴿مِن دُونِ النِّساءِ﴾ أيْ مُتَجاوِزِينَ في فِعْلِكم هَذا لِلنِّساءِ اللّاتِي هُنَّ مَحَلٌّ لِقَضاءِ الشَّهْوَةِ، ومَوْضِعٌ لِطَلَبِ اللَّذَّةِ، ثُمَّ أضْرَبَ عَنِ الإنْكارِ المُتَقَدِّمِ إلى الإخْبارِ بِما هم عَلَيْهِ مِنَ الإسْرافِ الَّذِي تَسَبَّبَ عَنْهُ إتْيانُ هَذِهِ الفاحِشَةِ الفَظِيعَةِ.
قَوْلُهُ: ﴿وما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ﴾ الواقِعِينَ في هَذِهِ الفاحِشَةِ عَلى ما أنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مِنها ﴿إلّا أنْ قالُوا أخْرِجُوهُمْ﴾ أيْ لُوطًا وأتْباعَهُ ﴿مِن قَرْيَتِكُمْ﴾: أيْ ما كانَ لَهم جَوابٌ إلّا هَذا القَوْلُ المُبايِنُ لِلْإنْصافِ المُخالِفُ لِما طَلَبَهُ مِنهم وأنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّهم أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ تَعْلِيلٌ لِما أُمِرُوا بِهِ مِنَ الإخْراجِ، ووَصْفُهم بِالتَّطَهُّرِ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ عَلى حَقِيقَتِهِ، وأنَّهم أرادُوا أنَّ هَؤُلاءِ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الوُقُوعِ في هَذِهِ الفاحِشَةِ فَلا يُساكِنُونا في قَرْيَتِنا، ويَحْتَمِلُ أنَّهم قالُوا ذَلِكَ عَلى طَرِيقِ السُّخْرِيَةِ والِاسْتِهْزاءِ.
ثُمَّ أخْبَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنَّهُ أنْجى لُوطًا وأهْلَهُ المُؤْمِنِينَ بِهِ، واسْتَثْنى امْرَأتَهُ مِنَ الأهْلِ لِكَوْنِها لَمْ تُؤْمِن بِهِ، ومَعْنى ﴿كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ أنَّها كانَتْ مِنَ الباقِينَ في عَذابِ اللَّهِ، يُقالُ: غَبَرَ الشَّيْءُ إذا مَضى، وغَبَرَ إذا بَقِيَ فَهو مِنَ الأضْدادِ.
وحَكى ابْنُ فارِسٍ في المُجْمَلِ عَنْ قَوْمٍ أنَّهم قالُوا: الماضِي عابِرٌ بِالعَيْنِ المُهْمَلَةِ، والباقِي غابِرٌ بِالمُعْجَمَةِ.
وقالَ الزَّجّاجُ: ﴿مِنَ الغابِرِينَ﴾ أيْ مِنَ الغائِبِينَ عَنِ النَّجاةِ.
وقالَ اَبُو عُبَيْدٍ: المَعْنى ﴿مِنَ الغابِرِينَ﴾ أيْ مِنَ المُعَمَّرِينَ وكانَتْ قَدْ هَرِمَتْ، وأكْثَرَ أهْلُ اللُّغَةِ عَلى أنَّ الغابِرَ الباقِي.
قَوْلُهُ: ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ قِيلَ: أمْطَرَ بِمَعْنى إرْسالِ المَطَرِ.
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مَطَرَ في الرَّحْمَةِ وأمْطَرَ في العَذابِ، والمَعْنى هُنا: أنَّ اللَّهَ أمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَطَرًا غَيْرَ ما يَعْتادُونَهُ وهو رَمْيُهم بِالحِجارَةِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ﴾ ( الحِجْرِ: ٧٤ ) ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾ هَذا خِطابٌ لِكُلِّ مَن يَصْلُحُ لَهُ، أوْ لِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وسَيَأْتِي في هُودٍ قِصَّةُ لُوطٍ بِأبْيَنَ مِمّا هُنا.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ﴾ قالَ: أدْبارَ الرِّجالِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: إنَّما كانَ بَدْءُ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ: أنَّ إبْلِيسَ جاءَهم في هَيْئَةِ صَبِيٍّ، أجْمَلَ صَبِيٍّ رَآهُ النّاسُ، فَدَعاهم إلى نَفْسِهِ فَنَكَحُوهُ ثُمَّ جَسَرُوا عَلى ذَلِكَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّهم أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ قالَ: مِن أدْبارِ الرِّجالِ ومِن أدْبارِ النِّساءِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ قالَ: مِنَ الباقِينَ في عَذابِ اللَّهِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي عَرُوبَةَ قالَ: كانَ قَوْمُ لُوطٍ أرْبَعَةَ آلافِ ألْفٍ.
{"ayahs_start":80,"ayahs":["وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنِّسَاۤءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمࣱ مُّسۡرِفُونَ","وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوۤا۟ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡیَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسࣱ یَتَطَهَّرُونَ","فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥۤ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ","وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِم مَّطَرࣰاۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ"],"ayah":"وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق