الباحث القرآني
لَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ كَمالَ قُدْرَتِهِ وبَدِيعَ صَنْعَتهِ في الآياتِ السّابِقَةِ ذَكَرَ هُنا أقاصِيصَ الأُمَمِ وما فِيها مِن تَحْذِيرِ الكُفّارِ ووَعِيدِهِمْ، لِتَنْبِيهِ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلى الصَّوابِ، وأنْ لا يَقْتَدُوا بِمَن خالَفَ الحَقَّ مِنَ الأُمَمِ السّالِفَةِ.
واللّامُ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
وهُوَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى أهْلِ الأرْضِ بَعْدَ آدَمَ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ نُوحٍ في آلِ عِمْرانَ فَأغْنى عَنِ الإعادَةِ هُنا، وما قِيلَ: مِن أنَّ إدْرِيسَ قَبْلَ نُوحٍ، فَقالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: إنَّهُ وهْمٌ.
قالَ المازِرِيُّ: فَإنْ صَحَّ ما ذَكَرَهُ المُؤَرِّخُونَ كانَ مَحْمُولًا عَلى أنَّ إدْرِيسَ كانَ نَبِيًّا غَيْرَ مُرْسَلٍ، وجُمْلَةُ فَقالَ ﴿ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ اسْتِئْنافِيَّةٌ جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ.
قَوْلُهُ: ﴿ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ في حُكْمِ العِلَّةِ لِقَوْلِهِ: اعْبُدُوا أيِ اعْبُدُوهُ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَكم إلَهٌ غَيْرُهُ حَتّى يَسْتَحِقَّ مِنكم أنْ يَكُونَ مَعْبُودًا.
قَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ وحَمْزَةُ وابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ بِرَفْعِ غَيْرِهِ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِإلَهٍ عَلى المَوْضِعِ.
وقَرَأ الكِسائِيُّ بِالخَفْضِ في جَمِيعِ القُرْآنِ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ عَلى اللَّفْظِ.
وأجازَ الفَرّاءُ والكِسائِيُّ النَّصْبَ عَلى الِاسْتِثْناءِ: يَعْنِي ما لَكم مِن إلَهٍ إلّا إيّاهُ.
وقالَ أبُو عَمْرٍو: ما أعْرِفُ الجَرَّ ولا النَّصْبَ، ويَرُدُّهُ أنَّ بَعْضَ بَنِي أسَدٍ يَنْصِبُونَ غَيْرَ في جَمِيعِ الأحْوالِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎لَمْ يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنها غَيْرَ أنْ نَطَقَتْ حَمامَةٌ في غُصُونٍ ذاتِ أرْقالِ
وجُمْلَةُ ﴿إنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ جُمْلَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِتَعْلِيلِ الأمْرِ بِالعِبادَةِ: أيْ إنْ لَمْ تَعْبُدُوهُ فَإنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمِ القِيامَةِ أوْ عَذابَ يَوْمِ الطُّوفانِ.
قَوْلُهُ: ﴿قالَ المَلَأُ مِن قَوْمِهِ﴾ جُمْلَةٌ اسْتِئْنافِيَّةٌ جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ، والمَلَأُ أشْرافُ القَوْمِ ورُؤَساؤُهم، وقِيلَ: هُمُ الرِّجالُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ في البَقَرَةِ، والضَّلالُ: العُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ والذَّهابُ عَنْهُ: أيْ إنّا لَنَراكَ في دُعائِكَ إلى عِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ في ضَلالٍ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ.
وجُمْلَةُ قالَ يا قَوْمِ اسْتِئْنافِيَّةٌ أيْضًا جَوابُ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ كَما تَزْعُمُونَ ﴿ولَكِنِّي رَسُولٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾: أرْسَلَنِي إلَيْكم لِسَوْقِ الخَيْرِ إلَيْكم ودَفْعِ الشَّرِّ عَنْكم، نَفى عَنْ نَفْسِهِ الضَّلالَةَ، وأثْبَتَ لَها ما هو أعْلى مَنصِبًا وأشْرَفُ رِفْعَةً وهو أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْهِمْ.
وجُمْلَةُ ﴿أُبَلِّغُكم رِسالاتِ رَبِّي﴾ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّها صِفَةٌ لِرَسُولٍ، أوْ هي مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِحالِ الرَّسُولِ.
والرِّسالاتُ: ما أرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ إلَيْهِمْ مِمّا أوْحاهُ إلَيْهِ ﴿وأنْصَحُ لَكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى أُبَلِّغُكم يُقالُ: نَصَحْتُهُ ونَصَحْتُ لَهُ، وفي زِيادَةِ اللّامِ دَلالَةٌ عَلى المُبالَغَةِ في إمْحاضِ النُّصْحِ.
وقالَ الأصْمَعِيُّ: النّاصِحُ: الخالِصُ مِنَ الغِلِّ، وكُلُّ شَيْءٍ خَلَصَ فَقَدْ نَصَحَ، فَمَعْنى أنْصَحُ هُنا: أُخْلِصُ النِّيَّةَ لَكم عَنْ شَوائِبِ الفَسادِ، والِاسْمُ النَّصِيحَةُ وجُمْلَةُ ﴿وأعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها مُقَرِّرَةٌ لِرِسالَتِهِ ومُبَيِّنَةٌ لِمَزِيدِ عِلْمِهِ، وأنَّهُ يَخْتَصُّ بِعِلْمِ الأشْياءِ الَّتِي لا يَعْلَمُونَها بِإخْبارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: أوَعَجِبْتُمْ فُتِحَتْ الواوُ لِكَوْنِها العاطِفَةَ ودَخَلَتْ عَلَيْها هَمْزَةُ الِاسْتِفْهامِ لِلْإنْكارِ عَلَيْهِمْ.
والمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُقَدَّرٌ: كَأنَّهُ قِيلَ: اسْتَبْعَدْتُمْ (p-٤٨٢)وعَجِبْتُمْ أوْ أكَذَّبْتُمْ وعَجِبْتُمْ أوْ أنْكَرْتُمْ وعَجِبْتُمْ ﴿أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ أيْ وحْيٌ ومَوْعِظَةٌ ﴿عَلى رَجُلٍ مِنكُمْ﴾ أيْ عَلى لِسانِ رَجُلٍ مِنكم تَعْرِفُونَهُ، ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلى لِسانِ مَن لا تَعْرِفُونَهُ أوْ لا تَعْرِفُونَ لُغَتَهُ، وقِيلَ: عَلى بِمَعْنى مَعَ: أيْ مَعَ رَجُلٍ مِنكم لِأجْلِ أنْ يُنْذِرَكم بِهِ ولِتَتَّقُوا ما يُخالِفُهُ ﴿ولَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ بِسَبَبِ ما يُفِيدُهُ الإنْذارُ لَكم والتَّقْوى مِنكم مِنَ التَّعَرُّضِ لِرَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ لَكم ورِضْوانِهِ عَنْكم.
فَكَذَّبُوهُ أيْ فَبَعْدَ ذَلِكَ كَذَّبُوهُ ولَمْ يَعْمَلُوا بِما جاءَ بِهِ مِنَ الإنْذارِ ﴿فَأنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ﴾ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِهِ المُسْتَقِرِّينَ مَعَهُ ﴿فِي الفُلْكِ وأغْرَقْنا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ واسْتَمَرُّوا عَلى ذَلِكَ ولَمْ يَرْجِعُوا إلى التَّوْبَةِ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وأغْرَقْنا أيْ أغْرَقْنا المُكَذِّبِينَ لِكَوْنِهِمْ عُمْيَ القُلُوبِ لا تَنْجَعُ فِيهِمُ المَوْعِظَةُ ولا يُفِيدُهُمُ التَّذْكِيرُ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «أوَّلُ نَبِيٍّ أُرْسِلَ نُوحٌ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وأبُو نُعَيْمٍ وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقاشِيِّ قالَ: إنَّما سُمِّيَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ نُوْحًا لِطُولِ ما ناحَ عَلى نَفْسِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: كانَ بَيْنَ آدَمَ ونُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهم عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الحَقِّ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي مالِكٍ قالَ: المَلَأُ يَعْنِي الأشْرافَ مِنَ القَوْمِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ يَقُولُ بَيانٌ مِن رَبِّكم.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ قالَ: كُفّارًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ قالَ: عَنِ الحَقِّ.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَقَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ","قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِۦۤ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ","قَالَ یَـٰقَوۡمِ لَیۡسَ بِی ضَلَـٰلَةࣱ وَلَـٰكِنِّی رَسُولࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","أُبَلِّغُكُمۡ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّی وَأَنصَحُ لَكُمۡ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ","أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَاۤءَكُمۡ ذِكۡرࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنكُمۡ لِیُنذِرَكُمۡ وَلِتَتَّقُوا۟ وَلَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ","فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥ فِی ٱلۡفُلۡكِ وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمًا عَمِینَ"],"ayah":"قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِۦۤ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











