الباحث القرآني
لَمّا فَرَغَ سُبْحانَهُ مِن ذِكْرِ حالِ الكُفّارِ، وتَشْبِيهِ ابْتِلائِهِمْ بِابْتِلاءِ أصْحابِ الجَنَّةِ المَذْكُورَةِ ذَكَرَ حالَ المُتَّقِينَ وما أعَدَّهُ لَهم مِنَ الخَيْرِ.
فَقالَ: (p-١٥٢٠)﴿إنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ أيْ: لِلْمُتَّقِينَ ما يُوجِبُ سُخْطَهُ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي عِنْدَهُ عَزَّ وجَلَّ في الدّارِ الآخِرَةِ - جَنّاتُ النَّعِيمِ الخالِصِ الَّذِي لا يَشُوبُهُ كَدَرٌ ولا يُنَغِّصُهُ خَوْفُ زَوالٍ.
﴿أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كالمُجْرِمِينَ﴾ الِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ.
وكانَ صَنادِيدُ كُفّارِ قُرَيْشٍ يَرَوْنَ وُفُورَ حَظِّهِمْ في الدُّنْيا وقِلَّةَ حُظُوظِ المُسْلِمِينَ فِيها، فَلَمّا سَمِعُوا بِذِكْرِ الآخِرَةِ، وما يُعْطِي اللَّهُ المُسْلِمِينَ فِيها قالُوا: إنْ صَحَّ ما يَزْعُمُهُ مُحَمَّدٌ لَمْ يَكُنْ حالُنا وحالُهم إلّا مِثْلَ ما هي في الدُّنْيا، فَقالَ اللَّهُ مُكَذِّبًا لَهم رادًّا عَلَيْهِمْ: ﴿أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ﴾ الآيَةَ، والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ كَنَظائِرِهِ.
ثُمَّ وبَّخَهُمُ اللَّهُ فَقالَ: ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هَذا الحُكْمَ الأعْوَجَ كَأنَّ أمْرَ الجَزاءِ مُفَوَّضٌ إلَيْكم تَحْكُمُونَ فِيهِ بِما شِئْتُمْ.
﴿أمْ لَكم كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ أيْ: تَقْرَءُونَ فِيهِ فَتَجِدُونَ المُطِيعَ كالعاصِي، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمْ لَكم سُلْطانٌ مُبِينٌ﴾ ﴿فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ﴾ [الصافات: ١٥٧، ١٥٦] ثُمَّ قالَ سُبْحانَهُ: «إنَّ لَكم فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ» قَرَأ الجُمْهُورُ بِكَسْرِ " إنَّ " عَلى أنَّها مَعْمُولَةٌ لِتَدْرُسُونَ، أيْ: تَدْرُسُونَ في الكِتابِ.
﴿إنَّ لَكم فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ﴾ فَلَمّا دَخَلَتِ اللّامُ كُسِرَتِ الهَمْزَةُ كَقَوْلِهِ: عَلِمْتُ إنَّكَ لَعاقِلٌ، بِالكَسْرِ، أوْ عَلى الحِكايَةِ لِلْمَدْرُوسِ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ﴾ ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمِينَ﴾ [الصافات: ٧٩، ٧٨] وقِيلَ: قَدْ تَمَّ الكَلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿تَدْرُسُونَ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿إنَّ لَكم فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ﴾ أيْ لَيْسَ لَكم ذَلِكَ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، والضَّحّاكُ " أنَّ لَكم " بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّ العامِلَ فِيهِ " تَدْرُسُونَ " مَعَ زِيادَةِ لامِ التَّأْكِيدِ، ومَعْنى " تَخَيَّرُونَ " تَخْتارُونَ وتَشْتَهُونَ.
ثُمَّ زادَ سُبْحانَهُ في التَّوْبِيخِ، فَقالَ: ﴿أمْ لَكم أيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ﴾ أيْ عُهُودٌ مُؤَكَّدَةٌ مُوَثَّقَةٌ مُتَناهِيَةٌ، والمَعْنى أمْ لَكم أيْمانٌ عَلى اللَّهِ اسْتَوْثَقْتُمْ بِها في أنْ يُدْخِلَكُمُ الجَنَّةَ، وقَوْلُهُ: ﴿إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالمُقَدَّرِ في لَكم أيْ: ثابِتَةٌ لَكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ، لا نَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِها حَتّى يَحْكُمَكم يَوْمَئِذٍ، وجَوابُ القَسَمِ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ لَكم لَما تَحْكُمُونَ﴾ لِأنَّ مَعْنى ﴿أمْ لَكم أيْمانٌ﴾ أيْ أمْ أقْسَمْنا لَكم.
قالَ الرّازِيُّ: والمَعْنى أمْ ضَمِنّا لَكم وأقْسَمْنا لَكم بِأيْمانٍ مُغَلَّظَةٍ مُتَناهِيَةٍ في التَّوْكِيدِ.
وقِيلَ: قَدْ تَمَّ الكَلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿إنَّ لَكم لَما تَحْكُمُونَ﴾ أيْ: لَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ.
قَرَأ الجُمْهُورُ بالِغَةٌ بِالرَّفْعِ عَلى النَّعْتِ لِأيْمانٍ، وقَرَأ الحَسَنُ، وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِنَصْبِها عَلى الحالِ مِن أيْمانٍ، لِأنَّها قَدْ تَخَصَّصَتْ بِالوَصْفِ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في لَكم أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في عَلَيْنا.
﴿سَلْهم أيُّهم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ أيْ سَلْ يا مُحَمَّدُ الكُفّارَ مُوَبِخًا لَهم ومُقَرِّعًا، أيُّهُمُّ بِذَلِكَ الحُكْمِ الخارِجِ عَنِ الصَّوابِ كَفِيلٌ لَهم بِأنَّ لَهم في الآخِرَةِ ما لِلْمُسْلِمِينَ فِيها.
وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: الزَّعِيمُ هُنا القائِمُ بِالحُجَّةِ والدَّعْوى.
وقالَ الحَسَنُ: الزَّعِيمُ الرَّسُولُ.
﴿أمْ لَهم شُرَكاءُ﴾ يُشارِكُونَهم في هَذا القَوْلِ يُوافِقُونَهم فِيهِ ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ فِيما يَقُولُونَ وهو أمْرُ تَعْجِيزٍ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، وقِيلَ: المَعْنى أمْ لَهم شُرَكاءُ يَجْعَلُونَهم مِثْلَ المُسْلِمِينَ في الآخِرَةِ.
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ " يَوْمَ " ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ فَلْيَأْتُوا، أيْ: فَلْيَأْتُوا بِها يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أيِ اذْكُرْ يَوْمَ يُكْشَفُ.
قالَ الواحِدِيُّ: قالَ المُفَسِّرُونَ في قَوْلِهِ: ﴿عَنْ ساقٍ﴾ عَنْ شِدَّةٍ مِنَ الأمْرِ.
قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أصْلُ هَذا أنَّ الرَّجُلَ إذا وقَعَ في أمْرٍ عَظِيمٍ يَحْتاجُ إلى الجِدِّ فِيهِ شَمَّرَ عَنْ ساقِهِ، فَيُسْتَعارُ الكَشْفُ عَنِ السّاقِ في مَوْضِعِ الشِّدَّةِ، وأنْشَدَ لِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةَ:
؎كَمِيشُ الإزارِ خارِجٌ نِصْفُ ساقِهِ صَبُورٌ عَلى الجَلاءِ طَلّاعُ أنْجُدِ
وقالَ: وتَأْوِيلُ الآيَةِ: يَوْمَ يَشْتَدُّ الأمْرُ كَما يَشْتَدُّ ما يُحْتاجُ فِيهِ إلى أنْ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: إذا اشْتَدَّ الحَرْبُ والأمْرُ قِيلَ: كَشَفَ الأمْرُ عَنْ ساقِهِ، والأصْلُ فِيهِ مَن وقَعَ في شَيْءٍ يَحْتاجُ فِيهِ إلى الجِدِّ شَمَّرَ عَنْ ساقِهِ، فاسْتُعِيرَ السّاقُ والكَشْفُ عَنْ مَوْضِعِ الشِّدَّةِ، وهَكَذا قالَ غَيْرُهُ مِن أهْلِ اللُّغَةِ، وقَدِ اسْتَعْمَلَتْ ذَلِكَ العَرَبُ في أشْعارِها، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎أخُو الحَرْبِ إنْ عَضَّتْ بِهِ الحَرْبُ عَضَّها ∗∗∗ وإنْ شَمَّرَتْ عَنْ ساقِها الحَرْبُ شَمَّرا
وقَوْلُ الآخَرِ:
؎والخَيْلُ تَعْدُو عِنْدَ وقْتِ الإشْراقِ ∗∗∗ وقامَتِ الحَرْبُ بِنا عَلى ساقِ
وقَوْلُ آخَرَ أيْضًا:
؎قَدْ كَشَفَتْ عَنْ ساقِها فَشُدُّوا ∗∗∗ وجَدَّتِ الحَرْبُ بِكم فَجِدُّوا
وقَوْلُ آخَرَ أيْضًا في سَنَةٍ:
؎قَدْ كَشَفَتْ عَنْ ساقِها حَمْرا ∗∗∗ ءُ تُبْرِي اللَّحْمَ عَنْ عُراقِها
وقِيلَ: ساقُ الشَّيْءِ: أصْلُهُ وقِوامُهُ كَساقِ الشَّجَرَةِ، وساقِ الإنْسانِ، أيْ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقِ الأمْرِ فَتَظْهَرُ حَقائِقُهُ، وقِيلَ: يُكْشَفُ عَنْ ساقِ جَهَنَّمَ، وقِيلَ: عَنْ ساقِ العَرْشِ، وقِيلَ: هو عِبارَةٌ عَنِ القُرْبِ، وقِيلَ: يَكْشِفُ الرَّبُّ سُبْحانَهُ عَنْ نُورِهِ، وسَيَأْتِي في آخِرِ البَحْثِ ما هو الحَقُّ، وإذا جاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ، قَرَأ الجُمْهُورُ يَكْشِفُ بِالتَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ " تَكْشِفُ " بِالفَوْقِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، أيِ الشِّدَّةُ أوِ السّاعَةُ، وقُرِئَ بِالفَوْقِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وقُرِئَ بِالنُّونِ، وقُرِئَ بِالفَوْقِيَّةِ المَضْمُومَةِ وكَسْرِ الشِّينِ مِن أُكْشِفَ الأمْرُ، أيْ: دَخْلَ في الكَشْفِ ﴿ويُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ قالَ الواحِدِيُّ: قالَ المُفَسِّرُونَ: يَسْجُدُ الخَلْقُ كُلُّهم لِلَّهِ سَجْدَةً واحِدَةً ويَبْقى الكُفّارُ والمُنافِقُونَ يُرِيدُونَ أنْ يَسْجُدُوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ؛ لِأنَّ أصْلابَهم تَيْبَسُ فَلا تَلِينُ لِلسُّجُودِ.
قالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ: يُكْشَفُ عَنِ الغِطاءِ فَيَقَعُ مَن كانَ آمَنَ بِاللَّهِ في الدُّنْيا فَيَسْجُدُونَ لَهُ، ويُدْعى الآخَرُونَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، لِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا آمَنُوا بِاللَّهِ في الدُّنْيا.
وانْتِصابُ ﴿خاشِعَةً أبْصارُهُمْ﴾ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ " يُدْعَوْنَ "، و" أبْصارُهم " مُرْتَفِعٌ بِهِ عَلى الفاعِلِيَّةِ، ونِسْبَةُ الخُشُوعِ إلى الأبْصارِ، وهو الخُضُوعُ والذِّلَّةُ لِظُهُورِ أثَرِهِ فِيها ﴿تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ﴾ أيْ تَغْشاهم ذِلَّةٌ شَدِيدَةٌ وحَسْرَةٌ ونَدامَةٌ ﴿وقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ﴾ أيْ: في الدُّنْيا ﴿وهم سالِمُونَ﴾ أيْ: مُعافَوْنَ (p-١٥٢١)عَنِ العِلَلِ مُتَمَكِّنُونَ مِنَ الفِعْلِ.
قالَ إبْراهِيمُ التَّمِيمِيُّ: يُدْعُونَ بِالأذانِ والإقامَةِ فَيَأْبَوْنَ.
وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَسْمَعُونَ حَيَّ عَلى الفَلاحِ فَلا يُجِيبُونَ.
قالَ كَعْبُ الأحْبارِ: واللَّهِ ما نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إلّا في الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الجَماعاتِ.
وقِيلَ: يُدْعُونَ بِالتَّكْلِيفِ المُتَوَجِّهِ عَلَيْهِمْ بِالشَّرْعِ فَلا يُجِيبُونَ، وجُمْلَةُ ﴿وهم سالِمُونَ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ يُدْعُونَ.
﴿فَذَرْنِي ومَن يُكَذِّبُ بِهَذا الحَدِيثِ﴾ أيْ خَلِّ بَيْنِي وبَيْنَهُ وكِلْ أمْرَهُ إلَيَّ فَأنا أكْفِيكَهُ.
قالَ الزَّجّاجُ: مَعْناهُ لا يَشْتَغِلُ بِهِ قَلْبُكَ، كِلْهُ إلَيَّ فَأنا أكْفِيكَ أمْرَهُ.
والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها مِنَ الأمْرِ عَلى ما قَبْلَها، و" مَن " مَنصُوبٌ بِالعَطْفِ عَلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، والمُرادُ بِهَذا الحَدِيثِ القُرْآنُ، قالَهُ السُّدِّيُّ: وقِيلَ: يَوْمُ القِيامَةِ، وفي هَذا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وجُمْلَةُ ﴿سَنَسْتَدْرِجُهم مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ كَيْفِيَّةِ التَّعْذِيبِ لَهُمُ المُسْتَفادُ مِن قَوْلِهِ ﴿ذَرْنِي ومَن يُكَذِّبُ بِهَذا الحَدِيثِ﴾، والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى " مَن " بِاعْتِبارِ مَعْناها، والمَعْنى: سَنَأْخُذُهم بِالعَذابِ عَلى غَفْلَةٍ ونَسُوقُهم إلَيْهِ دَرَجَةً فَدَرَجَةً حَتّى نُوقِعَهم فِيهِ مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أنَّ ذَلِكَ اسْتِدْراجٌ، لِأنَّهم يَظُنُّونَهُ إنْعامًا ولا يُفَكِّرُونَ في عاقِبَتِهِ وما سَيَلْقَوْنَ في نِهايَتِهِ.
قالَ سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ: يُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ ويُنْسِيهِمُ الشُّكْرَ.
وقالَ الحَسَنُ: كَمْ مِن مُسْتَدْرَجٍ بِالإحْسانِ إلَيْهِ، وكَمْ مِن مَفْتُونٍ بِالثَّناءِ عَلَيْهِ، وكَمْ مِن مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ.
والِاسْتِدْراجُ تَرْكُ المُعاجَلَةِ، وأصْلُهُ النَّقْلُ مِن حالٍ إلى حالٍ، ويُقالُ اسْتَدْرَجَ فُلانٌ فُلانًا، أيِ اسْتَخْرَجَ ما عِنْدَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا، ويُقالُ دَرَجَهُ إلى كَذا واسْتَدْرَجَهُ: يَعْنِي أدْناهُ إلى التَّدْرِيجِ فَتَدَرَّجَ هو.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ يُمْهِلُ الظّالِمِينَ فَقالَ: ﴿وأُمْلِي لَهُمْ﴾ أيْ أمْهِلُهم لِيَزْدادُوا إثْمًا، وقَدْ مَضى تَفْسِيرُ هَذا في سُورَةِ الأعْرافِ والطُّورِ، وأصْلُ المَلاوَةِ المُدَّةُ مِنَ الدَّهْرِ، يُقالُ أمْلى اللَّهُ لَهُ، أيْ: أطالَ لَهُ المُدَّةَ، والمَلا مَقْصُورٌ: الأرْضُ الواسِعَةُ، سُمِّيَتْ بِهِ لِامْتِدادِها ﴿إنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أيْ قَوِيٌّ شَدِيدٌ فَلا يَفُوتُنِي شَيْءٌ، وسَمّى سُبْحانَهُ إحْسانَهُ كَيْدًا كَما سَمّاهُ اسْتِدْراجًا لِكَوْنِهِ في صُورَةِ الكَيْدِ بِاعْتِبارِ عاقِبَتِهِ ووَصَفَهُ بِالمَتانَةِ لِقُوَّةِ أثَرِهِ في التَّسَبُّبِ لِلْهَلاكِ.
﴿أمْ تَسْألُهم أجْرًا﴾ أعادَ سُبْحانَهُ الكَلامَ إلى ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿أمْ لَهم شُرَكاءُ﴾ أيْ أمْ تَلْتَمِسُ مِنهم ثَوابًا عَلى ما تَدْعُوهم إلَيْهِ مِنَ الإيمانِ بِاللَّهِ ﴿فَهم مِن مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ المَغْرَمُ الغَرامَةُ، أيْ: فَهم مِن غَرامَةِ ذَلِكَ الأجْرِ، ومُثْقَلُونَ، أيْ: يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ حَمْلُهُ لِشُحِّهِمْ بِبَذْلِ المالِ، فَأعْرَضُوا عَنْ إجابَتِكَ بِهَذا السَّبَبِ، والِاسْتِفْهامُ لِلتَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ لَهم، والمَعْنى: أنَّكَ لَمْ تَسْألْهم ذَلِكَ ولَمْ تَطْلُبْهُ مِنهم.
﴿أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ فَهم يَكْتُبُونَ﴾ أيِ اللَّوْحَ المَحْفُوظَ، أوْ كُلَّ ما غابَ عَنْهم، فَهم مِن ذَلِكَ الغَيْبِ يَكْتُبُونَ ما يُرِيدُونَ مِنَ الحُجَجِ الَّتِي يَزْعُمُونَ أنَّها تَدُلُّ عَلى قَوْلِهِمْ ويُخاصِمُونَكَ بِما يَكْتُبُونَهُ مِن ذَلِكَ ويَحْكُمُونَ لِأنْفُسِهِمْ بِما يُرِيدُونَ ويَسْتَغْنُونَ بِذَلِكَ عَنِ الإجابَةِ لَكَ والِامْتِثالِ لِما تَقُولُهُ.
﴿فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أيْ لِقَضائِهِ الَّذِي قَدْ قَضاهُ في سابِقِ عِلْمِهِ، قِيلَ: والحُكْمُ هُنا هو إمْهالُهم وتَأْخِيرُ نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِمْ، وقِيلَ: هو ما حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِن تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ، قِيلَ: وهَذا مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ ﴿ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ﴾ يَعْنِي يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ: لا تَكُنْ مِثْلَهُ في الغَضَبِ والضَّجَرِ والعَجَلَةِ، والظَّرْفُ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ نادى﴾ مَنصُوبٌ بِمُضافٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: لا تَكُنْ حالُكَ كَحالِهِ وقْتَ نِدائِهِ، وجُمْلَةُ ﴿وهُوَ مَكْظُومٌ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ نادى، والمَكْظُومُ المَمْلُوءُ غَيْظًا وكَرْبًا.
قالَ قَتادَةُ: إنَّ اللَّهَ يُعَزِّي نَبِيَّهُ ﷺ ويَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ ولا يَعْجَلُ كَما عَجَلَ صاحِبُ الحُوتِ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ قِصَّتِهِ في سُورَةِ الأنْبِياءِ ويُونُسَ والصّافّاتِ، وكانَ النِّداءُ مِنهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧] وقِيلَ: إنَّ المَكْظُومَ المَأْخُوذُ بِكَظْمِهِ وهو مَجْرى النَّفَسِ.
قالَهُ المُبَرِّدُ، وقِيلَ: هو المَحْبُوسُ، والأوَّلُ أوْلى، ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
؎وأنْتَ مِن حُبِّ مَيٍّ مُضْمِرٌ حُزْنًا ∗∗∗ عانِي الفُؤادِ قَرِيحُ القَلْبِ مَكْظُومُ
﴿لَوْلا أنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ أيْ: لَوْلا أنْ تَدارَكَ صاحِبَ الحُوتِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وهي تَوْفِيقُهُ لِلتَّوْبَةِ فَتابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿لَنُبِذَ بِالعَراءِ﴾ أيْ: لَأُلْقِيَ مِن بَطْنِ الحُوتِ عَلى وجْهِ الأرْضِ الخالِيَةِ مِنَ النَّباتِ وهو مَذْمُومٌ أيْ يُذَمُّ ويُلامُ بِالذَّنْبِ الَّذِي أذْنَبَهُ ويُطْرَدُ مِنَ الرَّحْمَةِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ " نُبِذَ " .
قالَ الضَّحّاكُ: النِّعْمَةُ هُنا النُّبُوَّةُ.
وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عِبادَتُهُ الَّتِي سَلَفَتْ.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هي نِداؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧] وقِيلَ: مَذْمُومٌ مُبْعَدٌ.
وقِيلَ: مُذْنِبٌ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿تَدارَكَهُ﴾ عَلى صِيغَةِ الماضِي، وقَرَأ الحَسَنُ، وابْنُ هُرْمُزَ، والأعْمَشُ بِتَشْدِيدِ الدّالِّ، والأصْلُ تَتَدارَكُهُ بِتاءَيْنِ مُضارَعًا فَأُدْغِمَ، وتَكُونُ هَذِهِ القِراءَةُ عَلى حِكايَةِ الحالِ الماضِيَةِ، وقَرَأ أُبَيٌّ وابْنُ مَسْعُودِ، وابْنُ عَبّاسٍ " تَدارَكَتْهُ " بِتاءِ التَّأْنِيثِ.
﴿فاجْتَباهُ رَبُّهُ﴾ أيِ اسْتَخْلَصَهُ واصْطَفاهُ واخْتارَهُ لِلنُّبُوَّةِ ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ أيِ الكامِلِينَ في الصَّلاحِ وعَصَمَهُ مِنَ الذَّنْبِ، وقِيلَ: رَدَّ إلَيْهِ النُّبُوَّةَ وشَفَّعَهُ في نَفْسِهِ وفي قَوْمِهِ وأرْسَلَهُ إلى مِائَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ كَما تَقَدَّمَ.
﴿وإنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأبْصارِهِمْ﴾ " إنْ " هي المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ بِضَمِّ الياءِ مِن أزْلَقَهُ، أيْ: أزَلَّ رِجْلَهُ، يُقالُ أزْلَقَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ إذا نَحّاهُ، وقَرَأ نافِعٌ وأهْلُ المَدِينَةِ بِفَتْحِها مِن زَلَقَ عَنْ مَوْضِعِهِ: إذا تَنَحّى.
قالَ الهَرَوِيُّ، أيْ: فَيَغْتالُونَكَ بِعُيُونِهِمْ فَيُزْلِقُونَكَ عَنْ مَقامِكَ الَّذِي أقامَكَ اللَّهُ فِيهِ عَداوَةً لَكَ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ، والأعْمَشُ، ومُجاهِدٌ، وأبُو وائِلٍ لَيُرْهِقُونَكَ أيْ يُهْلِكُونَكَ.
وقالَ الكَلْبِيُّ يُزْلِقُونَكَ أيْ: يَصْرِفُونَكَ عَمّا أنْتَ عَلَيْهِ مِن تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ، وكَذا قالَ السُّدِّيُّ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وقالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، والأخْفَشُ: يَفْتِنُونَكَ.
وقالَ الحَسَنُ، وابْنُ كَيْسانَ: لَيَقْتُلُونَكَ.
قالَ الزَّجّاجُ في الآيَةِ مَذْهَبُ أهْلِ اللُّغَةِ، والتَّأْوِيلُ أنَّهم مِن شِدَّةِ إبْغاضِهِمْ وعَداوَتِهِمْ يَكادُونَ بِنَظَرِهِمْ نَظَرَ البَغْضاءِ أنْ يَصْرَعُوكَ، وهَذا مُسْتَعْمَلٌ في الكَلامِ، يَقُولُ القائِلُ نَظَرَ إلَيَّ (p-١٥٢٢)نَظَرًا يَكادُ يَصْرَعُنِي، ونَظَرًا يَكادُ يَأْكُلُنِي.
قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ يُرِيدُ اللَّهُ أنَّهم يُصِيبُونَكَ بِأعْيُنِهِمْ كَما يُصِيبُ العائِنُ بِعَيْنِهِ ما يُعْجِبُهُ، وإنَّما أرادَ أنَّهم يَنْظُرُونَ إلَيْكَ إذا قَرَأْتَ القُرْآنَ نَظَرًا شَدِيدًا بِالعَداوَةِ والبَغْضاءِ يَكادُ يُسْقِطُكَ، كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎يَتَعارَضُونَ إذا التَقَوْا في مَجْلِسٍ ∗∗∗ نَظَرًا يُزِيلُ مَواطِئَ الأقْدامِ
﴿لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ أيْ: وقْتَ سَماعِهِمْ لِلْقُرْآنِ لِكَراهَتِهِمْ لِذَلِكَ أشَدَّ كَراهَةٍ، و" لَمّا " ظَرْفِيَّةٌ مَنصُوبَةٌ بِـ " يُزْلِقُونَكَ "، وقِيلَ: هي حَرْفٌ، وجَوابُها مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، أيْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ كادُوا يُزْلِقُونَكَ ﴿ويَقُولُونَ إنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أيْ: يَنْسُبُونَهُ إلى الجُنُونِ إذا سَمِعُوهُ يَقْرَأُ القُرْآنَ.
فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وما هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن فاعِلِ يَقُولُونَ، أيْ: والحالُ أنَّهُ تَذْكِيرٌ وبَيانٌ لِجَمِيعِ ما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ، أوْ شَرَفٌ لَهم كَما قالَ سُبْحانَهُ ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إنَّهُ مُذَكِّرٌ لِلْعالَمِينَ أوْ شَرَفٌ لَهم.
وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنا عَنْ ساقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ، ويَبْقى مَن كانَ يَسْجُدُ في الدُّنْيا رِياءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودَ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا» وهَذا الحَدِيثُ ثابِتٌ مِن طُرُقٍ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما، ولَهُ ألْفاظٌ في بَعْضِها طُولٌ، وهو حَدِيثُ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَندَهْ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ في الآيَةِ قالَ: يَكْشِفُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ عَنْ ساقِهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ مَندَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في الآيَةِ قالَ: يَكْشِفُ عَنْ ساقِهِ تَبارَكَ وتَعالى، وأخْرَجَ أبُو يَعْلى، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ وضَعَّفَهُ وابْنُ عَساكِرَ «عَنْ أبِي مُوسى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في الآيَةِ قالَ: عَنْ نُورٍ عَظِيمٍ فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا» .
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ مَندَهْ والبَيْهَقِيُّ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: يُكْشَفُ عَنْ أمْرٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ قالَ: قَدْ قامَتِ الحَرْبُ عَلى ساقٍ.
قالَ: وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَكْشِفُ عَنْ ساقِهِ فَيَسْجُدُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، ويَقْسُو ظَهْرَ الكافِرِ فَيَصِيرُ عَظْمًا واحِدًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ قالَ: إذا خَفِيَ عَلَيْكم شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ فابْتَغُوهُ في الشِّعْرِ فَإنَّهُ دِيوانُ العَرَبِ، أما سَمِعْتُمْ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎وقامَتِ الحَرْبُ بِنا عَلى ساقٍ
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَذا يَوْمُ كَرْبٍ شَدِيدٍ، رُوِيَ عَنْهُ نَحْوُ هَذا مِن طُرُقٍ أُخْرى، وقَدْ أغْنانا اللَّهُ سُبْحانَهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ بِما صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَما عَرَفْتَ، وذَلِكَ لا يَسْتَلْزِمُ تَجْسِيمًا ولا تَشْبِيهًا فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
؎دَعَوْا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ فَما آمَنَ في دِينِهِ كَمُخاطِرِ
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وهم سالِمُونَ﴾ قالَ: هُمُ الكُفّارُ يُدْعُونَ في الدُّنْيا وهم آمِنُونَ فاليَوْمَ يُدْعُونَ وهم خائِفُونَ.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ الأذانَ فَلا يُجِيبُ الصَّلاةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ بِأبْصارِهِمْ﴾ قالَ: يُنْفِذُونَكَ بِأبْصارِهِمْ.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["إِنَّ لِلۡمُتَّقِینَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ","أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ كَٱلۡمُجۡرِمِینَ","مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ","أَمۡ لَكُمۡ كِتَـٰبࣱ فِیهِ تَدۡرُسُونَ","إِنَّ لَكُمۡ فِیهِ لَمَا تَخَیَّرُونَ","أَمۡ لَكُمۡ أَیۡمَـٰنٌ عَلَیۡنَا بَـٰلِغَةٌ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ","سَلۡهُمۡ أَیُّهُم بِذَ ٰلِكَ زَعِیمٌ","أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَاۤءُ فَلۡیَأۡتُوا۟ بِشُرَكَاۤىِٕهِمۡ إِن كَانُوا۟ صَـٰدِقِینَ","یَوۡمَ یُكۡشَفُ عَن سَاقࣲ وَیُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا یَسۡتَطِیعُونَ","خَـٰشِعَةً أَبۡصَـٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةࣱۖ وَقَدۡ كَانُوا۟ یُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَـٰلِمُونَ","فَذَرۡنِی وَمَن یُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلۡحَدِیثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَیۡثُ لَا یَعۡلَمُونَ","وَأُمۡلِی لَهُمۡۚ إِنَّ كَیۡدِی مَتِینٌ","أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ أَجۡرࣰا فَهُم مِّن مَّغۡرَمࣲ مُّثۡقَلُونَ","أَمۡ عِندَهُمُ ٱلۡغَیۡبُ فَهُمۡ یَكۡتُبُونَ","فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومࣱ","لَّوۡلَاۤ أَن تَدَ ٰرَكَهُۥ نِعۡمَةࣱ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَاۤءِ وَهُوَ مَذۡمُومࣱ","فَٱجۡتَبَـٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","وَإِن یَكَادُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَیُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَـٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُوا۟ ٱلذِّكۡرَ وَیَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونࣱ","وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ","ٱلۡحَاۤقَّةُ","مَا ٱلۡحَاۤقَّةُ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَاۤقَّةُ"],"ayah":"سَلۡهُمۡ أَیُّهُم بِذَ ٰلِكَ زَعِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق