الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿إنّا بَلَوْناهم﴾ يَعْنِي كُفّارَ مَكَّةَ، فَإنَّ اللَّهَ ابْتَلاهم بِالجُوعِ والقَحْطِ بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، والِابْتِلاءُ الِاخْتِبارُ، والمَعْنى: أعْطَيْناهُمُ الأمْوالَ لِيَشْكُرُوا لا لِيَبْطَرُوا، فَلَمّا بَطِرُوا ابْتَلَيْناهم بِالجُوعِ والقَحْطِ كَما بَلَوْنا أصْحابَ الجَنَّةِ، المَعْرُوفُ خَبَرُهم عِنْدَهم، وذَلِكَ أنَّها كانَتْ بِأرْضِ اليَمَنِ عَلى فَرْسَخَيْنِ مِن صَنْعاءَ لِرَجُلٍ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنها، فَماتَ وصارَتْ إلى أوْلادِهِ، فَمَنَعُوا النّاسَ خَيْرَها، وبَخِلُوا بِحَقِّ اللَّهِ فِيها.
قالَ الواحِدِيُّ: هم قَوْمٌ مِن ثَقِيفٍ كانُوا بِاليَمَنِ مُسْلِمِينَ ورِثُوا مِن أبِيهِمْ ضَيْعَةً، فِيها جَنّاتٌ وزَرْعٌ ونَخِيلٌ، وكانَ أبُوهم يَجْعَلُ مِمّا فِيها مِن كُلِّ شَيْءٍ حَظًّا لِلْمَساكِينِ عِنْدَ الحَصادِ والصِّرامِ، فَقالَتْ بَنُوهُ: المالُ قَلِيلٌ، والعِيالُ كَثِيرٌ، ولا يَسَعُنا أنْ نَفْعَلَ كَما كانَ يَفْعَلُ أبُونا، وعَزَمُوا عَلى حِرْمانِ المَساكِينِ، فَصارَتْ عاقِبَتُهم إلى ما قَصَّ اللَّهُ في كِتابِهِ.
قالَ الكَلْبِيُّ: كانَ بَيْنَهم وبَيْنَ صَنْعاءَ فَرْسَخانِ، ابْتَلاهُمُ اللَّهُ بِأنْ حَرَّقَ جَنَّتَهم.
وقِيلَ: هي جَنَّةٌ كانَتْ بِصُورانَ، وصُورانُ عَلى فَراسِخَ مِن صَنْعاءَ، وكانَ أصْحابُ هَذِهِ الجَنَّةِ بَعْدَ رَفْعِ عِيسى بِيَسِيرٍ إذْ أقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ أيْ حَلَفُوا لَيَقْطَعُنَّها داخِلِينَ في وقْتِ الصَّباحِ، والصَّرْمُ القَطْعُ لِلثَّمَرِ والزَّرْعِ، وانْتِصابُ " مُصْبِحِينَ " عَلى الحالِ مِن فاعِلِ " لِيَصْرِمُنَّها "، والكافُ في " كَما بَلَوْنا " نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: بَلَوْناهُمُ ابْتِلاءً كَما بَلَوْنا، و" ما " مَصْدَرِيَّةٌ، أوْ بِمَعْنى الَّذِي، و" إذْ " ظَرْفٌ لِ " بَلَوْنا " مُنْتَصِبٌ بِهِ، و" لَيَصْرِمُنَّها " جَوابُ القَسَمِ.
﴿ولا يَسْتَثْنُونَ﴾ يَعْنِي: ولا يَقُولُونَ إنْ شاءَ اللَّهُ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ ما وقَعَ مِنهم، أوْ حالٌ.
وقِيلَ: المَعْنى: ولا يَسْتَثْنُونَ لِلْمَساكِينِ مِن جُمْلَةِ ذَلِكَ القَدْرِ الَّذِي كانَ يَدْفَعُهُ أبُوهم إلَيْهِمْ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِن رَبِّكَ وهم نائِمُونَ﴾ أيْ: طافَ عَلى تِلْكَ الجَنَّةِ طائِفٌ مِن جِهَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، والطّائِفُ قِيلَ: هو نارٌ أحْرَقَتْها حَتّى صارَتْ سَوْداءَ، كَذا قالَمُقاتِلٌ. وقِيلَ: الطّائِفُ جِبْرِيلُ اقْتَلَعَها، وجُمْلَةُ ﴿وهم نائِمُونَ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ.
﴿فَأصْبَحَتْ كالصَّرِيمِ﴾ أيْ كالشَّيْءِ الَّذِي صُرِمَتْ ثِمارُهُ، أيْ: قُطِعَتْ، فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ.
وقالَ الفَرّاءُ: كالصَّرِيمِ كاللَّيْلِ المُظْلِمِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎تَطاوَلَ لَيْلُكَ الجَوْنُ الصَّرِيمُ فَما يَنْجابُ عَنْ صُبْحٍ بَهِيمِ
والمَعْنى: أنَّها حُرِقَتْ فَصارَتْ كاللَّيْلِ الأسْوَدِ قالَ: والصَّرِيمُ الرَّمادُ الأسْوَدُ بِلُغَةِ خُزَيْمَةَ.
وقالَ الأخْفَشُ أيْ كالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ، يَعْنِي أنَّها يَبِسَتْ وابْيَضَّتْ.
وقالَ المُبَرِّدُ: الصَّرِيمُ اللَّيْلُ، والصَّرِيمُ النَّهارُ، أيْ: يَنْصَرِمُ هَذا عَنْ هَذا، وذاكَ عَنْ هَذا، وقِيلَ: سُمِّيَ اللَّيْلُ صَرِيمًا لِأنَّهُ يَقْطَعُ بِظُلْمَتِهِ عَنِ التَّصَرُّفِ.
وقالَ المُؤَرِّجُ: الصَّرِيمُ الرَّمْلَةُ لِأنَّها لا يَثْبُتُ عَلَيْها شَيْءٌ يُنْتَفَعُ بِهِ.
وقالَ الحَسَنُ: صُرِمَ مِنها الخَيْرُ، أيْ: قُطِعَ.
﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ﴾ أيْ نادى بَعْضُهم بَعْضًا داخِلِينَ في الصَّباحِ.
قالَ مُقاتِلٌ: لَمّا أصْبَحُوا قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ أنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكم، و" أنْ " في قَوْلِهِ ﴿أنِ اغْدُوا﴾ هي المُفَسِّرَةُ؛ لِأنَّ في التَّنادِي مَعْنى القَوْلِ، أوْ هي المَصْدَرِيَّةُ، أيْ: بِأنِ اغْدُوا، والمُرادُ اخْرُجُوا غُدْوَةً، والمُرادُ بِالحَرْثِ الثِّمارُ والزَّرْعُ ﴿إنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ أيْ قاصِدِينَ لِلصَّرْمِ، والغُدُوِّ يَتَعَدّى بِإلى وعَلى، فَلا حاجَةَ إلى تَضْمِينِهِ مَعْنى الإقْبالِ كَما قِيلَ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، أيْ: إنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ فاغْدُوا، وقِيلَ: مَعْنى صارِمِينَ ماضِينَ في العَزْمِ، مِن قَوْلِكَ: سَيْفٌ صارِمٌ.
﴿فانْطَلَقُوا وهم يَتَخافَتُونَ﴾ أيْ ذَهَبُوا إلى جَنَّتِهِمْ وهم يُسِرُّونَ الكَلامَ بَيْنَهم لِئَلّا يَعْلَمَ أحَدٌ بِهِمْ، يُقالُ خَفَتَ يَخْفِتُ: إذا سَكَنَ ولَمْ يَنْبِسْ، ومِنهُ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةَ:
؎وإنِّي لَمْ أهْلِكْ مَلالًا ولَمْ أمُتْ ∗∗∗ خِفاتًا وكُلًّا ظَنَّهُ بِي عُوَيْمِرُ
وقِيلَ: المَعْنى: يُخْفُونَ أنْفُسَهم مِنَ النّاسِ حَتّى لا يَرَوْهم، فَيَقْصِدُوهم كَما كانُوا يَقْصِدُونَ أباهم وقْتَ الحَصادِ.
والأوَّلُ أوْلى لِقَوْلِهِ: ﴿أنْ لا يَدْخُلَنَّها اليَوْمَ عَلَيْكم مِسْكِينٌ﴾ فَإنَّ " أنْ " هي المُفَسِّرَةُ لِلتَّخافُتِ المَذْكُورِ لِما فِيهِ مِن مَعْنى القَوْلِ.
والمَعْنى: يُسِرُّ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ هَذا القَوْلَ، وهو: لا يَدْخُلُ هَذِهِ الجَنَّةَ اليَوْمَ عَلَيْكم مِسْكِينٌ، فَيَطْلُبُ مِنكم أنْ تُعْطُوهُ مِنها ما كانَ يُعْطِيهِ أبُوكم.
﴿وغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾ الحَرْدُ يَكُونُ بِمَعْنى المَنعِ والقَصْدِ.
قالَ قَتادَةُ، ومُقاتِلٌ، والكَلْبِيُّ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ: الحَرْدُ هُنا بِمَعْنى القَصْدِ؛ لِأنَّ القاصِدَ إلى الشَّيْءِ حارِدٌ، يُقالُ: حَرَدَ يَحْرِدُ؛ إذا قَصَدَ، تَقُولُ: حَرَدْتُ حَرْدَكَ، أيْ: قَصَدْتُ قَصْدَكَ، ومِنهُ قَوْلُ الرّاجِزِ:
؎أقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ مِن عِنْدِ اللَّهِ ∗∗∗ يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُحِلَّةِ
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ، والمُبَرِّدُ، والقُتَيْبِيُّ: ﴿عَلى حَرْدٍ﴾ عَلى مَنعٍ، مِن قَوْلِهِمْ حَرَدَتِ الإبِلُ حَرْدًا: إذا قَلَّتْ ألْبانُها، والحَرُودُ مِنَ النُّوقِ هي القَلِيلَةُ اللَّبَنِ.
وقالَ السُّدِّيُّ، وسُفْيانُ، والشَّعْبِيُّ عَلى حَرْدٍ عَلى غَضَبٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎إذا جِيادُ الخَيْلِ جاءَتْ تَرْدى ∗∗∗ مَمْلُوءَةً مِن غَضَبٍ وحَرْدِ
وقَوْلُ الآخَرِ:
؎تَساقَوْا عَلى حَرْدٍ دِماءَ الأساوِدِ
ومِنهُ قِيلَ: أسَدٌ حارِدٌ.
ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ، ومُجاهِدٍ أيْضًا (p-١٥١٩)أنَّهُما قالا: عَلى حَرْدٍ، أيْ: عَلى حَسَدٍ.
وقالَ الحَسَنُ أيْضًا: عَلى حاجَةٍ وفاقَةٍ.
وقِيلَ: عَلى حَرْدٍ: عَلى انْفِرادٍ، يُقالُ: حَرَدَ يَحْرِدُ حَرْدًا أوْ حُرُودًا: إذا تَنَحّى عَنْ قَوْمِهِ ونَزَلَ مُنْفَرِدًا عَنْهم ولَمْ يُخالِطْهم، وبِهِ قالَ الأصْمَعِيُّ وغَيْرُهُ.
وقالَ الأزْهَرِيُّ: حَرْدٌ اسْمُ قَرْيَتِهِمْ، وقالَ السُّدِّيُّ: اسْمُ جَنَّتِهِمْ.
قَرَأ الجُمْهُورُ حَرْدٍ بِسُكُونِ الرّاءِ.
وقَرَأ أبُو العالِيَةِ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ بِفَتْحِها. وانْتِصابُ قادِرِينَ عَلى الحالِ.
قالَ الفَرّاءُ: ومَعْنى قادِرِينَ: قَدْ قَدَرُوا وبَنَوْا عَلَيْهِ، وقالَ قَتادَةُ: قادِرِينَ عَلى جَنَّتِهِمْ عِنْدَ أنْفُسِهِمْ.
وقالَ الشَّعْبِيُّ: يَعْنِي قادِرِينَ عَلى المَساكِينِ.
﴿فَلَمّا رَأوْها﴾ أيْ لَمّا رَأوْا جَنَّتَهم وشاهَدُوا ما قَدْ حَلَّ بِها مِنَ الآفَةِ الَّتِي أذْهَبَتْ ما فِيها ﴿قالُوا إنّا لَضالُّونَ﴾ أيْ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: قَدْ ضَلَلْنا طَرِيقَ جَنَّتِنا ولَيْسَتْ هَذِهِ.
ثُمَّ لَمّا تَأمَّلُوا وعَلِمُوا أنَّها جَنَّتُهم، وأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ قَدْ عاقَبَهم بِإذْهابِ ما فِيها مِنَ الثَّمَرِ والزَّرْعِ قالُوا: ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أيْ حُرِمْنا جَنَّتَنا بِسَبَبِ ما وقَعَ مِنّا مِنَ العَزْمِ عَلى مَنعِ المَساكِينِ مِن خَيْرِها، فَأضْرَبُوا عَنْ قَوْلِهِمُ الأوَّلِ إلى هَذا القَوْلِ، وقِيلَ: مَعْنى قَوْلِهِمْ ﴿إنّا لَضالُّونَ﴾ أنَّهم ضَلُّوا عَنِ الصَّوابِ بِما وقَعَ مِنهم.
﴿قالَ أوْسَطُهُمْ﴾ أيْ أمْثَلُهم وأعْقَلُهم وخَيْرُهم ﴿ألَمْ أقُلْ لَكم لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ أيْ هَلّا تُسَبِّحُونَ: يَعْنِي تَسْتَثْنُونَ، وسُمِّيَ الِاسْتِثْناءُ تَسْبِيحًا، لِأنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وإقْرارٌ بِهِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ أوْسَطَهم كانَ أمَرَهم بِالِاسْتِثْناءِ فَلَمْ يُطِيعُوهُ، وقالَ مُجاهِدٌ وأبُو صالِحٍ وغَيْرُهُما: كانَ اسْتِثْناؤُهم تَسْبِيحًا.
قالَ النَّحّاسُ: أصْلُ التَّسْبِيحِ التَّنْزِيهُ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَجَعَلَ التَّسْبِيحَ في مَوْضِعِ إنْ شاءَ اللَّهُ.
وقِيلَ: المَعْنى: هَلّا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ مِن فِعْلِكم وتَتُوبُونَ إلَيْهِ مِن هَذِهِ النِّيَّةِ الَّتِي عَزَمْتُمْ عَلَيْها، وكانَ أوْسَطُهم قَدْ قالَ لَهم ذَلِكَ، فَلَمّا قالَ لَهم ذَلِكَ بَعْدَ مُشاهَدَتِهِمُ الجَنَّةَ عَلى تِلْكَ الصِّفَةِ ﴿قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ أيْ: تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ أنْ يَكُونَ ظالِمًا فِيما صَنَعَ بِجَنَّتِنا، فَإنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذَنْبِنا الَّذِي فَعَلْناهُ، وقِيلَ: مَعْنى تَسْبِيحِهِمْ: الِاسْتِغْفارُ، أيْ: نَسْتَغْفِرُ رَبَّنا مِن ذَنْبِنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ لِأنْفُسِنا في مَنعِنا لِلْمَساكِينِ.
﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ أيْ: يَلُومُ بَعْضُهم بَعْضًا في مَنعِهِمْ لِلْمَساكِينِ وعَزْمِهِمْ عَلى ذَلِكَ.
ثُمَّ نادَوْا عَلى أنْفُسِهِمْ بِالوَيْلِ حَيْثُ قالُوا ﴿يا ويْلَنا إنّا كُنّا طاغِينَ﴾ أيْ: عاصِينَ مُتَجاوِزِينَ حُدُودَ اللَّهِ بِمَنعِ الفُقَراءِ وتَرْكِ الِاسْتِثْناءِ.
قالَ ابْنُ كَيْسانَ، أيْ: طَغَيْنا نِعَمَ اللَّهِ فَلَمْ نَشْكُرْها كَما شَكَرَها أبُونا مِن قَبْلُ.
ثُمَّ رَجَعُوا إلى اللَّهِ وسَألُوهُ أنْ يُعَوِّضَهم بِخَيْرٍ مِنها فَقالُوا: ﴿عَسى رَبُّنا أنْ يُبْدِلَنا خَيْرًا مِنها﴾ لَمّا اعْتَرَفُوا بِالخَطِيئَةِ رَجَوْا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أنْ يُبْدِلَهم جَنَّةً خَيْرًا مِن جَنَّتِهِمْ، قِيلَ: إنَّهم تَعاقَدُوا فِيما بَيْنَهم، وقالُوا إنْ أبْدَلَنا اللَّهُ خَيْرًا مِنها لَنَصْنَعَنَّ كَما صَنَعَ أبُونا، فَدَعَوُا اللَّهَ وتَضَرَّعُوا فَأبْدَلَهم مِن لَيْلَتِهِمْ ما هو خَيْرٌ مِنها.
قَرَأ الجُمْهُورُ ﴿يُبْدِلَنا﴾ بِالتَّخْفِيفِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وأهْلُ المَدِينَةِ بِالتَّشْدِيدِ، وهُما لُغَتانِ، والتَّبْدِيلُ تَغْيِيرُ ذاتِ الشَّيْءِ، أوْ تَغْيِيرُ صِفَتِهِ، والإبْدالُ رَفْعُ الشَّيْءِ جُمْلَةً ووَضْعُ آخَرَ مَكانَهُ، كَما مَضى في سُورَةِ سَبَأٍ ﴿إنّا إلى رَبِّنا راغِبُونَ﴾ أيْ: طالِبُونَ مِنهُ الخَيْرَ راجُونَ لِعَفْوِهِ راجِعُونَ إلَيْهِ وعُدِّيَ بِإلى وهو إنَّما يَتَعَدّى بِعْنَ أوْ في لِتَضْمِينِهِ مَعْنى الرُّجُوعِ.
﴿كَذَلِكَ العَذابُ﴾ أيْ: مِثْلُ ذَلِكَ العَذابُ الَّذِي بَلَوْناهم بِهِ وبَلَوْنا أهْلَ مَكَّةَ عَذابَ الدُّنْيا، و" العَذابُ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، و" كَذَلِكَ " خَبَرُهُ، ﴿ولَعَذابُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: أشَدُّ وأعْظَمُ لَوْ كانَ المُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ كَذَلِكَ ولَكِنَّهم لا يَعْلَمُونَ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿كَما بَلَوْنا أصْحابَ الجَنَّةِ﴾ قالَ: هم ناسٌ مِنَ الحَبَشَةِ كانَ لِأبِيهِمْ جَنَّةٌ وكانَ يُطْعِمُ مِنها المَساكِينَ، فَماتَ أبُوهم فَقالَ بَنُوهُ: إنْ كانَ أبُونا لَأحْمَقَ كانَ يُطْعِمُ المَساكِينَ، فَأقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وأنْ لا يُطْعِمُوا مِسْكِينًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ﴾ قالَ: أمْرٌ مِنَ اللَّهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إيّاكم والمَعْصِيَةَ، فَإنَّ العَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ الواحِدَ فَيَنْسى بِهِ البابَ مِنَ العِلْمِ، وإنَّ العَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمَ بِهِ رِزْقًا قَدْ كانَ هُيِّئَ لَهُ. ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِن رَبِّكَ وهم نائِمُونَ﴾ ﴿فَأصْبَحَتْ كالصَّرِيمِ﴾ قَدْ حُرِمُوا خَيْرَ جَنَّتِهِمْ بِذَنْبِهِمْ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿كالصَّرِيمِ﴾ قالَ: مِثْلُ اللَّيْلِ الأسْوَدِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ ﴿وهم يَتَخافَتُونَ﴾ قالَ: الإسْرارُ والكَلامُ الخَفِيُّ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا ﴿عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾ يَقُولُ: ذُو قُدْرَةٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿إنّا لَضالُّونَ﴾ قالَ: أُضْلِلْنا مَكانَ جَنَّتِنا.
وأخْرَجا عَنْهُ أيْضًا ﴿قالَ أوْسَطُهُمْ﴾ قالَ: أعْدَلُهم.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["إِنَّا بَلَوۡنَـٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُوا۟ لَیَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِینَ","وَلَا یَسۡتَثۡنُونَ","فَطَافَ عَلَیۡهَا طَاۤىِٕفࣱ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَاۤىِٕمُونَ","فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِیمِ","فَتَنَادَوۡا۟ مُصۡبِحِینَ","أَنِ ٱغۡدُوا۟ عَلَىٰ حَرۡثِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰرِمِینَ","فَٱنطَلَقُوا۟ وَهُمۡ یَتَخَـٰفَتُونَ","أَن لَّا یَدۡخُلَنَّهَا ٱلۡیَوۡمَ عَلَیۡكُم مِّسۡكِینࣱ","وَغَدَوۡا۟ عَلَىٰ حَرۡدࣲ قَـٰدِرِینَ","فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوۤا۟ إِنَّا لَضَاۤلُّونَ","بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ","قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ","قَالُوا۟ سُبۡحَـٰنَ رَبِّنَاۤ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِینَ","فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَلَـٰوَمُونَ","قَالُوا۟ یَـٰوَیۡلَنَاۤ إِنَّا كُنَّا طَـٰغِینَ","عَسَىٰ رَبُّنَاۤ أَن یُبۡدِلَنَا خَیۡرࣰا مِّنۡهَاۤ إِنَّاۤ إِلَىٰ رَبِّنَا رَ ٰغِبُونَ","كَذَ ٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَلَـٰوَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











